ولاية الإمام الرضا عليه السلام لولاية العهد :

كان المامون !! احد علماء عصرة المتفقهين ، وكان مطلعاً على الفلسفة راوياً للأخبار واقفاً على علوم الكلام والفقه وسواها ، ولذا كان يعرف جيداً أن الخلافة والإمامة والأمر على المسلمين هي حق لآل علي أبناء فاطمة الزهراء عليهما السلام . وكان يقيم في بلاد خراسان قبل أن ينقل خلافته إلى بغداد ، وكان معظم اهل خراسان من الشيعة ، فكان يتقرب إليهم ويتظاهر بالتشيع وحمل جماعة من آل أبي طالب من المدينة المنورة إلى مرو ، وحمل الإمام الرضا إلى طوس ، وظهرت للإمام في طريقه وبعد وصوله إلى تلك البلاد معجزات كثيرة وآيات وكرامات باهرة وألطاف زائدة على كافة الخلق ، حتى رضى عنه العدو والصديق والمؤالف و اجتمع إليه الناس واختلفت إليه الشيعة وتعاكفت عليه قلوب الخلق من جميع الطبقات . حتى خاف المأمون من ذلك على زوال ملكه وسلطنته .

ففكر( لع) بحيلة تجعل الناس ينفرون عن أبي الحسن فعرض على الإمام الخلافة ، وأظهر على أنه عازم على خلع نفسه عنها وتفويض الأمر إلى الإمام الرضا فأنكر الإمام عليه ، وجرت مناظرة بين الإمام والمامون ، مؤداها أن الإمام قال له بما معناه : إذا كان الله تعالى قد البسك ثوب الخلافة فلا يحق لك ان تخلعه بدون أذنه وتعطيها غيرك ، وإذا لم يلبسك الله ثوب الخلافة بل أنت البست نفسك إياها ، فكيف تعطي غيرك ما ليس لك .

ثم عرض المامون على الإمام ولاية العهد ، وقد أراد المامون بذلك تنقيص شان الإمام وتصغيره قدره في نفس الناس ، بأن يظهر لهم بان الإمام الرضا ليس له هم إلا طلب الدنيا والرياسة ، وإن ما يظهر منه من الأخلاق الكريمة النبوية ومحامد الصفات العلوية ، ليس إلا رياء عند الناس ، فإذا وجد شيئاً من الدنيا تكالبت عليه شهواته وسعت إليه نفسه ، ولكن هيهات للمامون من ذلك ، مع ولي الله وخليفته الشرعي .

عموماً ، شدد المامون على الإمام بقبوله لولاية العهد ، وذلك لتهدئة الأوضاع التي قامت على المامون واستدراج الشيعة إليه ، وإظهار حبه لأهل البيت خلافاً لأبائه - حتى هدد الإمام بالقتل سراً، وذلك بعد ان جرت بينه وبين الإمام تلك المناظرة .

ويقال بان سبب إعطاء المامون ولاية العهد للإمام الرضا ، له ثلاثة إحتمالات :

الأول : أن فكرة ذلك من ابتكار المأمون ، وانه كان مصمماً من كل قلبه على ذلك ، لأجل النذر الذي قطعه على نفسه ، سواء قلنا با نحرافه فيما بعد عن هذا التصميم كما يروهُ كل من الشيخ المفيد والشيخ الصدوق ( أعلى الله مقامهما ) أم قلنا ببقائه على نيته حتى النهاية كما يراه بعض المستشرقين .

الثاني : أنها ليست فكرة المامون أبداً ، بل هي فكرة الفضل بن سهل ذي الرياستين وزير المامون والذي قال البعض أنه شيعي ، متمكن من التشيع ، ويقول البعض الأخر أن الفضل فعل ذلك مبيتاً نية خطرة ، وليس بشيعي ابداً وهذا هو القول الصحيح .

الثالث : وتنطوي تحته أسباب سياسية أهمها :
1- تهدئة الفارسيين وكسبهم الذين كانوا يميلون إلى التشيع وآل علي ، وهم الذين قاموا ضد الأمويين أول الأمر تحت شعار الرضا من آل محمد .

2- قطع الطرق على انتفاضات العلويين ، وتهدئتهم ، وارضاءهم حيث جعل للعلوين سهماً في الخلافة ، حتى يهدئهم ثم يفرق الناس من حولهم ، وبهذا لا مجال لهم لحمل السلاح أو حيثما يدهبون للدعوة للقيام ضد الخلافة سيقول لهم الناس أنتم الأن شركاء في الخلافة ، والإمام الرضا هو الأن ولي العهد ، فانتم إذاً تقومون ضده .

3- نزع السلاح من الإمام الرضا ووضعه تحت نظر المامون مباشرة ، حتى لا يتمكن الإمام من التحرك حتى على الصعيد الشعبي فضلاً على السياسي وهناك اسباب اخرى منها

1-أن يامن المامون الخطر الذي كان يتهدده من قبل شخصية الإمام
2- وضع شخصية الإمام تحت المراقبة من الداخل والخارج وتمهيد الطريق للقضاء عليها بأساليبه الخاصة .
3- عزل الإمام عن الحياة الاجتماعية وابعاده عن الناس ، والعكس كذلك .
4- استغلال عاطفة الناس ومحبتهم لأهل البيت وتوظيف ذلك لصالح المامون ، وصالح الحكم العباسي بشكل عام
5- تقوية دعائم الحكم العباسي بشخصية الإمام التي تعنو لها الجباه بالرضا والتسليم .
6- إدعاء ان تصرفات واعمال المامون لم يكن الهدف من ورائها إلا خير للأمة ومصلحة المسلمين .
7- صرف أنظار الناس عن حقيقة ما يجري وما يحدث عن واقع المشاكل التي كان يعاني الحكم ، والأمة منها ، وما اكثرها .
8- الحصول على اعتراف من العلويين على اعلى مستوى بشرعية الخلافة العباسية وقد صرح المامون بذلك .
9- إعطاء الصورة الحسنة عن تصرفات الحكومة ، فإن سكوت الإمام الرضا دالاً على رضاه بها ، ويعتبر إمضاءً لها
10 - القضاء على الإمام وتصفيته جسدياً .

ولعل مسلمات التاريخ ، من أحضارالإمام الرضا من المدينة المنورة إلى مرو ، ورفض الإمام لها ، وشرط الإمام ان لا يكون له أي دخالة بأي شيئ ولا يتحمل مسؤولية تجاه أي عمل ، بان لا يعزل حاكماً ، ولا ينصب احداً لشيئ من امور الحكم ، ولا يامر فيها ولا ينهى ، ولا يفتي ولا يقضي ولا يغير شيئاً مما هو قائم . وكذلك تعامل الإمام بعد ولاية العهد ، وخطبته التي خطبها في محضر المأمون وكيفية مبايعته ن كل هذه المسلمات تعطي دلالة قويه لهذا الأحتمال بكونه السبب الرئيسي لا عطاء المأمون ولاية العهد .

وهناك الكثير من الكلام عن ولاية العهد ، وقبول الإمام الرضا لها ، نتركها خوف الإطالة ن ومن أراد ذلك فعليه بكتاب الحياة السياسية للإمام الرضا للسيد جعفر مرتضى العاملي ، وسيرة الأئمة الأطهار للشهيد المطهري .

علمه ومحاججاته مع اصحاب الفرق والمذاهب :

إن ما ظهر من الإمام الرضا من المعجزات الكثيرة والمحاجات العديدة المفحمة مع أرباب الملل والديانات كثيرة جداً ، لا يسع هذا المختصر جزءاً ضئيلاً منه .
فذات مرة جمع المأمون رؤساء الأديان في عهده ، رأس الجالوت حاخام اليهود ، وجاثليق النصارى ، ورئيس الصابئة ، والهربذ الأكبر صاحب الزرادشتين المجوس ، ثم أرسل للإمام الرضا ودعاه لذلك المجلس ، فجعل الإمام يحاجج كل واحد من هؤلاء بكتاب دينه ، فيجادلهم من أحكامهم وتعاليمهم ، ويفحمهم واحداً واحد .

وكان بارزاً في علوم عصره غير الدينية فانت له ممارسات كيميائية ووصفات طبية ، وظهر على يديه الكثير من المعجزات ، وكان يخبر بالمغيبات فينبئ عن وقوع أشياء قبل أن تقع وينبئ عما في القلوب والضمائر ويجيب عن المسائل قبل أن تُسأل .

وقد حدث مرة ان أحد الأخصام المعاندين ، وهو " ابن هذاب " قد اغتاظ من مكانة الإمام الرضا فانكر معرفة الإمام للغيب وقال ان الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى . فرد الإمام بالأية الكريمة (( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدأ ألا من ارتضى من رسول )) سورة الجن اية 26 -27 . ثم أضاف فرسول الله مرتضى الله ، ونحن ورثة ذلك الرسول الذي علمه الله تعالى ما يشاء من غيبه ، وعلمنا هو ما كان وما يكون إلى يوم القيامة واخبرك يا بن هذاب انك ستصاب بعد أيام ببلايا ، منها ، انك حتى خمسة ايام ستبتلي بدم ذي رحم ، وانك تصاب بعدها بايام ببصرك وتصيرمكفوفاً ، فلا تبصر سهلاً ولا جبلاً ، ثم قال ولك عندي دلالة أخرى على معرفتنا بالمغيبات ، هي انك ستحلف يميناً كاذبه فتضرب بسببها بالبرص . قال راوي الحديث وهو محمد بن الفضل . والله لقد نزل ذلك كله بابن هذاب فقيل له : أصدق الرضا أم كذب ؟ فقال والله لقد علمت في الوقت الذي أخبرني به انه كائن ولكني كنت أتجلّد .

استشهاده عليه السلام :

سبق وأن اشرنا في أسباب اعطاء المأمون ولاية العهد للإمام الرضا أن منها تدبير خطة لتصفية الإمام جسدياً . دون ان يساور احدأ الشك بدوره (لع) فيها ودون أن يظن أحد أنه هو السبب في مقتله ذلك لأن المأمون يعرف مكانة الإمام الرضا والبيت العلوي في نفوس الناس . وأراد في الوقت نفسه أن يتم الأمر بعيداً عن مقر حكمه (( طوس )) لكثرة ما بها من شيعة الإمام واتباعه ، فاشخص الإمام مع رئيس قافلة ، وأمر رئيسها بعدم المرور على الكوفة وقم لكثرة ما بها من الشيعة ، وقرر المأمون على اغتيال الإمام أثناء إنتقاله من طوس إلى بغداد ، فلما وصل إلى قرية "سنباد" وهي قريبة من رستاق (( نوقان )) على مسيرة يوم من طوس وفيها قبر أبيه هارون توقف لتنفيد خطته .

واوعز لغلام له أسمه عبدالله بن بشير ان يسم الإمام بعنب وحبات رمان ، ثم يقدمها للإمام ليأكلها واوصاه أن يجعل السم تحت أظفاره ثم يحوله إلى كفه ، ثم يفرك بكفه حبات الرمان ويناولها الإمام بمرأ من حضار المجلس ، لكي لا يتهمه احد بانه هو قاتل الإمام كما أوصاه أيضاً بأن يغمس سلكاً بالسم ثم يدخله في حبات العنب من الطرف إلى الطرف بابرة ويقدم من ذلك العنب إلى الإمام أيضاً امام أمام أنظار الناس .
فلما اعدَّ عبدالله بن بشر ذلك وحدد المامون اليوم لا غتيال الإمام بعث للإمام وحضر للمجلس ، وقدم له العنب والرمان المسمومين ، فامتنع الإمام عن الأكل واستعفى المأمونَ من ذلك ، ولكن المامون أصرأصراراً شديداً وقال للإمام لا بد لك من الله ، فلعلك تتهمنا بشيئ . فتناول الإمام من العنقود ثلاث حبات ثم رمى به وقام فقال إلى أين يا بن العم فقال : إلى حيث وجهتني . وخرج مغطى الرأس ، حتى دخل داره وامر بسد أبوابها فاغلقت ، ولم يكن في الدار غير خادمة ابي الصلت الهروي فلم يلبث إلا يومين استشهد بعدهما في بلاد الغربة في تلك القرية وحيداً غريباَ مسموماً ، وكان استشهاده يوم الثلاثاء السابع عشر من شهر صفر من سنة ثلاث ومئتين للهجرة النبوية الشريفة .

وكتم المامون (لع) موته يوماً وليله ، ثم انفذ إلى محمد بن جعفر الصادق عم الإمام ، فلما حضروه ا نعاه إليهم وبكى متظاهراً ، وأراهم أياه مبيناً انه صحيح الجسد ، وعلمت الشيعة بذلك فا جتمعوا لتشييع الإمام ففزع من وقوع الفتنة ، فخرج محمد بن الصادق بامر من المامون ، وفرق الناس ، قائلاً لهم ان امر الجنازة قد اخر إلى الغد .

فلما تفرق الناس ، اخرج المامون الجنازة الطاهرة ، ثم ان الإمام غسل وكفن وصلى عليه من يعلم الله - وهو الإمام الجواد في جوف الليل ثم أمر المأمون بدفن الإمام بجوار قبر أبيه ، بحيث يكون قبر أبيه امام قبر الإمام فلم تؤثر المعاول ولم تحفر شيئاً ، فتعجب المأمون في ذلك واستدعى احد مقربي الإمام وكان يدعى هرثمة الذي كان الإمام يسر له بكثير من المغيبات ، فاقترح هرثمه ان يجعل قبر الإمام أمام قبر هارون ففعلوا ذلك وإلى ذلك يشير دعبل الخزاعي الشاعر الشيعي الطائر الصيت


قبران في طوس خير الناس كلّهم ... و قبر شرهم هذا من العبرِ

ما ينفعُ الرجسُ من قرب الزكي وما ... علي الزكي بقرب الرجس من ضرر

هيهات كل امرئٍ بما كسبت ... له يداه فخذ ما شئت او فذر