..
كـ تية المسافر الذي أنتعل ذاكرته وهرب إلى مدينة الغرباء , وهو بين كل وجه و وجه يبحث عن تقاسيم أحد يشبهه , هو الذي أدرك متأخرا بأنهُ لم يتبقى منه شيء وكل أجزاءه تقاسموها على قارعة طريق لن يعود , وأصبح منذ زمن ليس بعيد مجرد شبح , وأن الصوت الذي في حنجرته مجرد صدى يصطدم بـجدار الفراغ ليرتد إليه بفراغ أكبر , و كـ من ينفض عن عينيه الغشاوه ضل ينفض عنه صورهم المكتنزه في أحداقه إلى أن أصيب بالعِمى , أخبرته جدته بأن الإنسان يرى أنعكاس ذاته في أكثر شخص يحبه على و جه الأرض , وهو منذ أقترف أثم الحب أنعكس عليه الوجع وتكاثرت عليه الشظايا حتى تحول جسده إلى أرزاء , هو لم يفقد ذاته وحسب بل بعثرها وبقى يلملم أشلائها من كل طيف أتاه على حين غفله وظن أنه حب , هو المصباح المعلق في سقف بيت قديم وسقط فجأه , هو اللوحه المزدحمه بالألوان ومزقها صاحبها في لحظة غضب , هو قطعة النرد التي تتهاوى في رقعة شطرنج إلى مربع الخساره , هو البطل الذي يموت في الصفحة الأولى , والولد الذي ينحرف من الصفعة الأولى , هو موت الأمنيات , وحكايا الجدات , و ظلمة الكهوف , هو غصة العمر , وكلالة الجسد...كيف له أن يجتث روحه من بين كل هذا الركام ويتسامق بها نحو السماء !!
هو الذي بات مقتنعا بأن أكثر ما يوجع الطير المسجون في قفصة أجنحته , وهو أكثر مايوجعه قلبه الذي عجز عن التحرر منه ! وفي اليوم الذي قرر أن يتجمد , وأن يستننفد عقارب الساعه في تطوير عقله , ويتجاوز الكلمات والقصائد , ويتوغل في الزحام اللوغارتمي والأرقام المتفانيه في الرؤيه , ليعيد ترتيب حياته بهدوء وجديه , فأصبح هاجسه الفراغ الذي يجب أن لا يجيء , وفي لحظه سهو غير مقصوده تسللت له الذكريات و كـ أعصار هائج يحطم الصخور المتلاصقه و الأبنيه الشاهقه , حطمته الذكريات لتعيده إلى شبح صورته أشد رعبا من الشبح الأول ! ولم تسعفه الأرقام حينها !!!