الله يعطيك الف عافيه
وفي ميزان حسناتك ان شاء الله
ورحم الله والديك بحق الصلاة على محمد وال محمد
س : ما هو معنى الدِين ، و ما هو المقصود منه في المُصطلح الإسلامي و القرآني ؟
جواب : استُعملت كلمة " الدِين " في اللغة العربية في معاني عديدة منها :
1. الجزاء : و قد استُعملت كلمة " الدين " بمعنى الجزاء في عدة مواضع من القرآن الكريم منها :
· قول الله عَزَّ و جَلَّ : { مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ } [1] أي مالك يوم الجزاء .
· قول الله جَلَّ جَلالُه : { وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ } [2] .
و استُعمل الدين في الأحاديث الشريفة أيضا بمعنى الجزاء في مواضع ، منها : " أبن آدم : كن كيف شئت ، كما تَدِين تُدان " [3] أي كما تُجازي تُجازى .
2. الطاعة : و استُعمل " الدين " بمعنى الطاعة في القرآن الكريم في مواضع منها :
· قول الله عَزَّ و جَلَّ : { وَلَهُ مَا فِي الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللّهِ تَتَّقُونَ } [4] .
· و قوله تعالى : { قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } [5] .
و قد استُعملت كلمة الدين في الأحاديث الشريفة بمعنى الطاعة في مواضع كثيرة ، منها : " العلم دينٌ يُدان به " [6] أي طاعة يُطاع الله به ، و دانَ الرَجُلُ بالإسلام ديناً ، أي تَعبَّد الرجل بالإسلام و تديّن به .
الدين في تعاريف العلماء :
عَرَّف العلماءُ الدينَ بتعاريفٍ مختلفة نشير إلى أهمها كالتالي :
1. بأنه : " أسم لجميع ما يُعبد به الله " [7] .
2. بأنه : " وضع إلهي لأولي الألباب يتناول الأصول و الفروع " [8] .
3. بأنه : " ما يدان به من الطاعات مع اجتناب المحرمات " [9] .
4. بأنه : " وضع الهي سائق لذوي العقول باختيارهم المحمود إلى ما هو خير بالذات " [10] .
5. بأنه : " وضع الهي سائق لذوي العقول باختيارهم المحمود إلى الخير بالذات قلبياً كان أو قالبياً ، كالاعتقاد و الصلاة " [11] .
تعريفنا للدين :
و لو أردنا أن نُعرِّف الدين بتعريف جامع و مختصر قلنا : الدين : " معرفة و طاعة حسب النهج الإلهي " .
و لتوضيح ذلك نقول :
إن الأصول و الأسس التحتية لفكر الإنسان و سلوكه العقائدي و الفكري تسمى بأصول الدين ، و يراد بها الأمور التي ترتبط بعقيدة الإنسان و سلوكه الفكري و التي تبتنى عليها فروع الدين التي ترتبط بأفعال الإنسان أي سلوكه العملي ، فما يرتبط من أحكام الدين بتوجيه السلوك النظري للإنسان ـ أي المعرفة و العقيدة ـ تُسمى بأصول الدين ، و ما شُرِّعت لتوجيه سلوك الإنسان العملي و تنظيم حياته الفردية و الاجتماعية و إرشاده إلى ما فيه خيره و صلاحه سُمّيت بفروع الدين ، فالدين معرفة و طاعة ، معرفة بأصول الدين ، و طاعة في فروعه .
الدين في المفهوم القرآني :
هذا و إن المتتبّع يجد أن معنى الدين في المفهوم القرآني هو معنى دقيق جداً ، يقول العلامة المحقق آية الله الشيخ جعفر السبحاني ( حفظه الله ) :
" إن الدين حسب اصطلاح القرآن هو الطريقة الإلهية العامة التي تشمل كل أبناء البشر في كل زمان و مكان ، و لا تقبل أي تغيير و تحويل مع مرور الزمن و تطوّر الأجيال ، و يجب على كل أبناء البشر إتباعها ، و هي تُعرض على البشرية في كل أدوار التاريخ بنحو واحد دون ما تناقض و تباين ، و لأجل ذلك نجد القرآن لا يستعمل لفظة الدين بصيغة الجمع مطلقاً ، فلا يقول : " الأديان " و إنما يذكره بصيغة المفرد ، كما يقول : { إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ } [12] { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [13] ، في حين أن " الشريعة " تعني مجموعة التعاليم الأخلاقية و الاجتماعية التي يمكن أن ينالها التغيير مع مرور الزمن و تطوّر المجتمعات و تكامل الأمم ، و لذلك لا يضير استعمال هذه اللفظة في صورة الجمع ، فيقال " شرائع " و قد صرّح القرآن بتعدد الشريعة .
فهو رغم تصريحه بوحدة الدين ـ كما مرّ في الآية السابقة ـ يُخبر عن وجود شريعة لكل أمة ، و يكشف بذلك عن تعدد الشريعة إذ يقول : { ... لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ... } [14] .
و على هذا فان البشرية دُعيت في الحقيقة إلى دين واحد و هو الإسلام الذي كان متحد الأصول في كل الأدوار و الأزمنة ، و كانت الشرائع في كل زمن و ظرف طريقاً للوصول إلى الدين الواحد ، و لم تكن الشرائع إلا طرقاً للأمم و الأقوام ، لكل قوم حسب مقتضيات عصره و مدى احتياجه .
و أما الملّة ، فهي بمعنى السنن التي بها تقوم الحياة البشرية و تستقيم ، تلك السنن التي أودع في مفهومها " الأخذ و الاقتباس من الغير " .
و لذلك يضيف القرآن الكريم هذه العبارة ـ لدى استعمالها ـ إلى الرُسل و الأقوام ، إذ يقول مثلاً : { ... قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } [15] ، { ... إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } [16] .
و على هذا تكون الملة و الشريعة متحدين معنى و مفاداً مع فارق واحد هو أن الملة تضاف إلى غير الله ، فيقال : " ملّة محمد " و " ملّة إبراهيم " و لا تضاف إلى الله تعالى ، فلا يقال : " ملّة الله " [17] .
..................
[1] سورة الفاتحة ( 1 ) ، الآية : 4 .
[2] سورة الذاريات ( 51 ) ، الآية : 6 .
[3] الكافي : 2/ 138 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني ، المُلَقَّب بثقة الإسلام ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، الطبعة الثالثة / طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1388 هجرية .
[4] سورة النحل ( 16 ) ، الآية : 52 .
[5] سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 29 .
[6] نهج البلاغة : 4 / 36 ، شرح الشيخ محمد عبده ، دار المعرفة ، بيروت / لبنان .
[7] المنجد : مادة " دان " .
[8] مجمع البحرين : 6 / 215 ، للعلامة فخر الدين بن محمد الطريحي ، المولود سنة : 979 هجرية بالنجف الأشرف / العراق ، و المتوفى سنة : 1087 هجرية بالرماحية ، و المدفون بالنجف الأشرف / العراق ، الطبعة الثانية سنة : 1365 شمسية ، مكتبة المرتضوي ، طهران / إيران .
[9] شرح المصطلحات الكلامية : 149 ، إعداد قسم الكلام في مجمع البحوث الإسلامية بمشهد / إيران ، الطبعة الأولى ، سنة : 1415 هجرية ، نقلاً عن المعتمد في أصول الدين : 192 .
[10] شرح المصطلحات الكلامية : 149 ، نقلاً عن العقائد النسفية : 1 / 6 .
[11] شرح المصطلحات الكلامية : 150 ، نقلاً عن الكليات : 168 .
[12] سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 19 .
[13] سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 85 .
[14] سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 48 .
[15] سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 135 .
[16] سورة يوسف ( 12 ) ، الآية : 37 .
[17] مفاهيم القرآن : 1 / 545 ، للعلامة المُحقق آية الله الشيخ جعفر السُبحاني ، الطبعة الثانية سنة : 1404 هجرية ، قم / إيران .
نسألكم الدعاء
الله يعطيك الف عافيه
وفي ميزان حسناتك ان شاء الله
ورحم الله والديك بحق الصلاة على محمد وال محمد
اللهم صلي وسلم على محمد وال محمدمشكوررررررر على الطرح
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات