بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



القاضـــــــــــــــــي : الضمير

المدعــــــــــي : روح الانسان ونفسه

المجرم او المتهم : شخص الانسان الجسدي

الشهـــــــــــود :الجوارح مع الجوانح


والقضية بالايجاز هي : كنت كعادي اخرج من منزلي لقضاء بعض الاحتياجات اليوميه . بينما كنت امشي في الطريق واذا باشخاص يشيرون اليّ يقولون انه هناك امسكوا به .اعتقدتُ بانهم اخطأوا . وعندما اقتربوا مني سالوني هل انت احمد ابن علي ؟ قلت : بلى . وانا مستغرب من معرفتهم لاسمي .فقلت : عسى ان يكون خيراً . قالوا : اننا مامورون بالامساك بك ,انك متهم ببعض القضايا في المحكمة , واحد الاشخاص مشتكي عليك. ذهبت معهموانا اقول في نفسي اني لم اسرق ولم اقتل ولم افعل اي شيءٍ لاحد فيا ترى ما هي القضيةالمتهم بها ؟. فلربما اشتبهوا .!. وبقيت محتجزاًعندهم الى ان اقيمت القضية في المحكمة , وحضر الجميع وانا معهم .


قال لي القاضي : يا احمد ان المدعي الذي اشتكى عليك يقول انك قداعتديت على حقه بالظلم له لاكثر من مره . فما هو رايك في هذا الاتهام . قلت : سيدي القاضي اني لم اعتدي على حق احدٍ فكيف اتهمُ بهذا فلربما اشتبهَ المدعي . قال القاضي : ان المدعي عنده شهود على ذلك وقد شهدوا بذلك واقروا . فقال احمد : سيدي القاضي هلَّ اخبرتموني بتفاصيل القضية وما هي ؟ حتى اعرف ما هي تهمتي . قال القاضي : لك كل الحق في ذلك . واخبر المدعي بان يقصَّ على احمد تفاصيل القضيه .


ملخص كلام المدعي قال : ان احمد هذا الواقف امامكم بشخصه كأنسان عاقلٌ مذنبٌ غافلٌ ان له روح. وهو يظن انه له جسماً فقط دون روح . وكان يهتم بتغذية جسمه وصحته من كل الجوانب ولم يقصر فيها ابدا ومنه لو عُرِضَ له طعامٌ مسموم او فاسد وعرف بذلك ابتعد عنه . لعلمه انه يؤذيه لو تناوله اما يمرضه او يموته . انه اعطى جسمه كل ما يحتاج اليه . رغم علمه ان جسمه سوف يفنى بالموت .


واستغربت من اهتمامه هذا . ولا اقصد باستغرابي هذا سيدي القاضي بان لا يهتم بجسمه ويهمل صحته وتغذيته .! لا ابداً .وانما استغربتُ من غفلته وعدم اهتمامه بروحه .ولم يهتم بتغذية روحه كما يهتم بجسده . واذا اعطاها غذائها يكون قليلا وغير كافٍ , وقد يكون ملوثاً او فاسداً وهذا غالباً عليه .

قد يمر بمسجد ولا يصلي جماعة او يؤخر الصلاة عن وقتها وحتى يستمع الى كلام الامام في المسجد ولا يعمل ُبه وكأنه ثقيلٌ عليه ثقل الحجر والمدر . وقد يمر بمأتم حسيني قد عُقد ولم يهتم بالدخول والاستماع والفائده وكأنه لم يكن مواليا لاهل البيت (ع) . ويرى المصحف امامه قد تراكم عليه الغبار ولم يهتم بفتحه , واذا فتحهُ قرأءه وهو متثائب متملل ويشعر بالنوم بعكس قراءته لقصةاو مجلة يقبل عليها بكل دقه . وغير ذلك كثير وبعضه لا يصح ان يذكر احتراما لاسماعكن والله يستر على الجميع .


فذلك آلمني جدا ما رأيته من احمد .لانه لم يهتم بالغذاء الروحي وبصحتهِ الروحيه فهي دائما مريضه وميته . ولو استمر على ذلك فسياتي اليوم الذي يندم فيه عندما يرمى في الحاطمه .فاردت ان انقذه من غفلته وسباته وموته .فكلما وقفتُ في وجهه ونبهتهُ مما هو واقع فيه لايسمع كلامي ولا يصغي اليَّ ابدا في البداية كان متردداًولآن لا آذان صاغيه ولا عين ترى غفلته كبيره كبيرةٌ جدا . ولكني لم أيأس من ذلك حاولت مرات عديده فصرت أصرخ بوجهه انك مخطىء انك غافل .انتبه.! .والا ضيعت نفسك . انك لا تعيش لوحدك بجسم واحد وان لك روحاً انتبه .!. فلم يستمع لكلامي ابداً . فهو في كل يوم يقذفُ سهامه نحوي يقتلني بها اكثر من مره . فيؤلمني بها وهو لا يشعر بي ابداً.


فآلمني ذلك كثيراً. فقررت ان اشتكي عليه وهو الحل الوحيد الذي رايتهكي ينتبه من غفلته وسباته .اني لم اشتكي من اجل ان اطالب بحقي وحدي وانما من اجل ان اعلمه انه لا يعيش بهذا الجسم لوحده وانما هو اثنان في واحد (روح + جسد = انسان ناطق) ولا يتحركجسمه بدون الروح . وان الروح هي الاساس . ان كانت الروح سليمة بَانَ ذلك على الجسد , وان كانت مريضه ايضا كذلك .فيظهر كل ذلك من خلال حركات جسمه امام العقلاء والواعين انه اما سليم النفس واما مريض بها . واريد من احمد ان يكون سليما في نفسه من الذنوب والغفلة حتى يكون مرتاحاً سعيداً في حياته وحتى بعد موته . هذا كل ما عندي سيدي القاضي .


القاضي : ما رايك يا احمد بذلك . اتحبُ ان تسمع قول الشهود ايضاعلى صحة كلام المدعي ؟قال احمد : ومن هم هؤلاء الشهود يا سيدي القاضي .؟اولم تعلم من كلام المدعي من هم ؟ قال احمد : لا . قال القاضي : انها جوارحك وجوانحك كلها .اتحب ان تسمع شهادتها ؟

فشهدت بما لامزيد عليه على كلام المدعي .

قال احمد : بعد ان كاد يغمى عليه وكاد ينهار مما سمع .لا اجد احداً معي يساندني سوى ان اعترف بما قاله المدعي والشهود . ولكن سيدي القاضي اذا تسمحُ لي ان ارتاح قليلا ثم اقول وجهة نظري .قال القاضي : لك ذلك متى ما احببت ان تقول رايك فتفضل بقوله .


يقول احمد : بعد استراحة قصيره اني الى الآن لم اعلم اني اثنان كنت اظن اني واحد بجسمي فقط كما قاله المدعي بكلامه واني لم اتعمد فعل ذلك له بان اقتله بسهامي كل يوم او اتجاهلهُ ولا اصغي اليه واعرضُ . اني بالفعل لم اسمعه ولم انتبه له فهلاَّ ذكرني ببعض المواقف التي تدل على انه كلمني عليِّ اتذكر ذلك . القاضي ايها المدعي المحترم هلاَّ ذكرته ببعض نداءاتك له لتذكره ببعض مواقفه . بكل سرور سيدي القاضي .


عندما سافرت الى بلد اجنبي ووصلت اليه وانت متعب وجائع جدا وقعت عيناك على امراءه اعجبت بها وبدات بملاحقتها قليلا رغم تعبك وجوعك ولم تغض بصرك عنها قلت لك غض بصرك عنها يا احمد ولا تقع في الحرام . ولكنك بدات تتكلم اليها وانت معجب بها من داخلك كل الاعجاب بشكلها قلت لك هذه قشور اتركها .ولكن لا مجيب . رغم جوعك وتعبك ولكنك اوقعت نفسك في الحرام ولم تستحي حتى من الله . ودعوتها الى احدى المطاعم لتناول الغذاء معها فلبت طلبك وكنت في غاية السعاده وطلبت لحم حرام فاكلت معها . هذا موقف وموقف اخر : ذات يوم كنت جالس في مجلس مع بعض الاصحاب والاهل وانت مستمتع بالكلام معهم . وكان في مجلسُغيبة وكذب وغير ذلك . وقلت لك ابتعد عنه بالخروج منه او انصهم على الاقل كي يتركوا الغيبة والكذب .قلت انك تشعر بالملل وتريد ان تستانس معهم فالى اين تخرج .او تتكلم بالنصح وتعكر عليهم مزاجهم وانت تريد الوناسة معهم . هذا موقف . وموقف اخر . ذات يوم كنت جالسا امام التلفاز وتشاهد احدى المسلسلات ورايت احدى النساء العربيات متبرجه فاعجبك جمالها جدا وتحركت نفسك .قلت لك غض بصرك عنها لاتطع الشيطان وهواك اتقي الله ولكن اين المجيب ؟ وما تفتح حتى القران كي تقراءه وما اراك الا تنفض الغبار عنه وتقبله من الخارج ولكن لا تقراءه وانت شاب حتى يخالط لحمك ودمك دائما تقول اوه ممل .وكنت دائما بافعلك هذه تؤلمني وتقتلني يوما بعد يوم وانت لاتشعر يا غافل . وما زال هناك الكثير الكثير من المواقف التي لم اذكرها . فاذا تحب ان اذكر لك المزيد انا مستعد لذلك .


القاضي : ما رايك يا احمد . هل تذكرت نداء روحك الذي يناديك ولم تسمعه . يقول احمد : وهو باكي من افعاله . بلى . سيدي القاضي وهو محق في كل ما قاله . وكـأني انهار الآن مما سمعت ويلي ويلي من ربي . فانا مجرم بصدق الان وانا مستعد لاي عقوبه . فاني استحق العقاب .

القاضي : ايها المدعي يا روح احمد ما هي العقوبة التي تريدنا ان نعاقب بها احمد ؟. المدعي : اني راض بتي عقاب تصدره على احمد . يا سيدي القاضي . لاني عرفتك راجحا طيبا عطوفا .


القاضي : اذاً تقبلون اي عقاب اصدره . اني حكمت على احمد بان ياخذ دروس عديده واولها دروس في التربية والاخلاق والسلوك ثم دروس في الاحكام العباديه حتى يعرف كيف يتعامل مع ربه ثم دروس في الاحكام المعاملات حتى يعرف كيف يتعامل مع الناس وفقَ القوانين الشرعيه بادب واحترام . ولكن سوف تواجه صعوبه في البداية يا احمد فعليك اولا ان تروض نفسك شيئا فشيء حتى تتعود وتتقبل وتقبل نفسك على الحق وهي راضيه محبه طائعه . وعليك ان تصلح ما افسدته بين الله وبينك وبين الناس وبينك من ناحية الحقوق الشرعية المفترضة عليك كما يريدها المشرع الاسلامي . فان كنت صادقا في ذلك فان الله سوف يسهل الامر عليك . فابدا اولاً بالله ثم بالناس . والتفت الى روحك ولا تنساها فان الله اودع في الانسان نبي باكني وهو العقل وهذه نعمة عظيمه يمنها الله علينا . وعليك بشكر المنعم دائما يا احمد . واسال الله ان يبارك لك ويوفقك لكل خير . فهل انت راضي بهذا الحكم والقضاء الذي اصدرته عليك ؟

بالطبع سيدي القاضي . وانا شاكر لك لطفك وطيبتك رغم اني توقعت ان تحكموا علي بالسجن مع التعذيب او حتى الاعدام . القاضي : يكفي سجن روحك داخل بدنك عليك ونحن هنا يا احمد لا نعملُ بالظلم وانما نحاول الاصلاح ما استطعنا وان نصلح الاخرين ونهديهم الى طريق الخير والصلاح . وهذا واجبي وواجب كل مسلم .


اشكرك سيدي القاضي قد اعدت لي املا كبيرا في الحياة واني من اليوم فصاعدا لن انسى جانب الروح . وارجوا ان تعذرني روحي على غفلتي . واني من اليوم سوف اعمل بما يوافق الشرع .



القاضي ان كلامك اسعدني وادخل السرور في قلبي . واسال الله ان يوفقك ولكن لا تياس من طلب الحق ابدا . لاننا نسعى يا احمد نحو غاية واحده وهي الوصول الى الحق ( انا لله وانا اليه راجعون ) ونسلك الطريق الذ ي يوصلنا اليه تبارك وتعالىبشكل سليم لقوله ( اهدنا الصراط المستقيم . صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) واعلم ان اي انحراف عن طريق الحق والهداية يوصلك الى طريق الضلال وانت لا تعلم . لان طريق الحق مستقيم واضح لا عوج فيه. وان تختار لك معلما يعينك على ذلك ..


منقوول ..