فلما رجع دقيانوس من عيده سأل عن الفتية فقيل له: انهم اتخذوا الها غيرك وهربوا منك فركب في ثمانين الف فارس وجعلوا يقتفوا آثارهم حتى صعد الجبل وشارف الكهف فنظر اليهم مضطجعين فظنهم نيام , فقال لاصحابه : لو أردت أن أعاقبهم بشيء ماعاقبتهم بأكثر مما عاقبوا به أنفسهم فآتوني بالبنائين فردموا عليهم باب الكهف بالجبس والحجارة ثم قال لاصحابه قولوا لهم يقولوا لربهم الذي في السماء ان كنتم صادقين يخرجهم من هذا الموضع . فمكثوا ثلاث مئة وتسع سنين فنفخ الله فيهم الروح فهموا من رقدتهم لما بزغت الشمس فقال بعضهم لبعض : لقد غفلنا هذه الليلة عن عبادة الله فقوموا بنا الى العين , فاذا العين قد غارت والأشجار قد جفت فقال بعضهم لبعض : ان أمرنا هذا لفي عجب مثل هذه العين قد غارت في ليلة واحدة ومثل هذه الاشجار قد جفت في ليلة واحدة فألقى الله اليهم الجوع فقالوا : ايكم يذهب بورقكم هذا فليأتنا بطعام ولينظر ألا يكون من الطعام الذي يعجن بشحم الخنازير وذلك قوله تعالى (فابعثوا أحدكمبورقكم هذه الى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما) أي أحل وأطيب وأجود . فقال لهم تمليخا : يا أخوتي لا يأتيكم احد بالطعام غيري ولكن ايها الراعي ادفع لي ثيابك وخذ ثيابي , فلبس ثياب الراعي ومر وكان يمر بأماكن لا يعرفها وطريق ينكرها حتى أتى باب المدينة , فإذا عليه علم أخضر مكتوب عليه لاإله الا الله عيسى روح الله صلى الله عليه وعلى نبينا وآلهما وسلم , فطفق الفتى ينظر اليه ويمسح عينيه ويقول أراني نائما , فلما طال عليه الأمر دخل المدينة فمر بأقوام يقرؤون الانجيل واستقبله اقوام لا يعرفهم حتى انتهى الى السوق فإذا هو بخباز فقال له : ياخباز ما اسم مدينتكم هذه ؟فقال : افسوس , قال: وما اسم ملككم ؟ قال : عبدالرحمن , قال تمليخا : ان كنت صادقا فإن أمري عجيب , فادفع الي بهذه الدراهم طعاما وكانت دراهم ذلك الزمان الاولى ثقالا كبارا فعجب الخباز من تلك الدراهم! فوثب اليهودي وقال:
ياعلي ان كنت عالما فاخبرني كم كان وزن الدرهم منها ؟ فقال : يا أخا اليهود أخبرني حبيبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وزن كل درهم عشرة دراهم وثلثا درهم , فقال له الخباز : يا هذا انك قد أصبت كنزا فأعطني بعضه , و الا ذهبت بك الى الملك فقال تمليخا ما أصبت كنزا وانما هذا من ثمن تمر بعته من ثلاثة أيام وقد خرجت من هذه المدينة وأهلها يعبدون الملك دقيانوس فغضب الخباز وقال : ألا ترضى ان أصبت كنزا أن تعطيني بعضه , حتى تذكر رجلا جبارا كان يدعي الربوبية قد مات منذ ثلاثمائة سنة وتسخر بي , ثم أمسكه واجتمه الناس ثم انهم أخذوه الى الملك وكان عادلا عاقلا حكيما فقال لهم : ما قصة هذا الفتى ؟ قالوا أصاب كنزا , فقال له الملك : لا تخف فان نبينا عيسى عليه السلام أمرنا لانأخذ من الكنوز الا خمسها فادفع الي خمس هذا الكنز وامضي سالما , فقال : ايها الملك تثبت في أمري فانما انا من اهل المدينة , فقال له : انت من أهلها ؟ قال : نعم ، قال: او تعرف فيها أحد ؟ قال : نعم قال : فسم لنا , قال : فسمى نحوا من ألف رجل فلم يعرفوا منهم رجلا واحدا قالوا : يا هذا ما نعرف هذه الأسماء وما هي من أهل زماننا ولكن هل لك في هذه المدينة دار ؟ قال نعم ايها الملك , فابعث معي أحدا , فبعث معه جماعة فأتى بهم دارا هي أرفع دار في المدينة , وقال : هذه داري فقرعوا الباب فخرج لهم شيخ كبير قد استرخا حاجباه على عينيه وهو مذعور , وقال: ايها الناس ما بالكم ؟ فقال له الرسول : ان هذا الغلام يدعي ان هذه الدار داره فغضب الشيخ ثم التفت الى الغلام وتبينه ثم قال له : ما اسمك ؟ فقال: تمليخا بن فلسين , فقال الشيخ : أعد علي : فأعاد عليه فانكب على يديه ورجليه يقبلهما وقال : هذا جدي ورب الكعبة وهو أحد
المفضلات