النتائج 1 إلى 12 من 12

الموضوع: من كتاب المجالس الفاخرة :: حسيني

  1. #1
    عضو ذهبي الصورة الرمزية أبو سلطان
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    الدولة
    UAE
    المشاركات
    1,674
    شكراً
    0
    تم شكره مرة واحدة في مشاركة واحدة
    معدل تقييم المستوى
    2823

    من كتاب المجالس الفاخرة :: حسيني

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته



    أقرأ إليكم في كتاب المجالس الفاخرة للمرحوم السيد عبد الحسين شرف الدين

    و منه أنقل إليكم قصة مقتل إمامنا الحسين عليه السلام و به هوامش تركتها لمن يريد الإطلاع عليها فعليه باقتناء هذا الكتاب فهو كتاب جليل

    أكتبها لكم و لآلاف الشيعة الذين يدخلون هذا المنتدى المبارك و هم بعيدون عما يتمتع به البقية من أبناء جلدتهم من حضور للمجالس الحسينية لكونهم يعيشون الغربة

    (1)

    كان مولد الحسين عليه السلام لخمس خلون من شعبان سنة أربع للهجرة و روي غير ذلك. و لما و لد هبط جبرائيل عليه السلام في ألف ملك يهنئون النبي صلى الله عليه و آله و قد سر به و سماه حسينا.

    و عن أم الفضل قالت: رأيت في منامي قبل مولد الحسين عليه السلام كأن قطعة من لحم رسول الله صلى الله عليه و آله قد قطعت و وضعت في حجري، فقصصت ذلك على رسول الله صلى الله عليه و آله فقال: رأيتِ خيرا إن صدقت رأياك فإن فاطمة تلد غلاما، و أدفعه إليك لترضعيه.

    قالت: فجرى الأمر على ذّلك، فجئت به يوما إليه، فوضعته في حجره فبينما هو يقبله بال فقطرت على ثوب النبي صلى الله عليه و آله فقرصته فبكى، فقال النبي صلى الله عليه و آله كالمغضب: مهلا يا أم الفضل فهذا ثوبي يغسل و قد أوجعت إبني، قالت فتركته في حجره و قمت لآتيه فجئت إليه فوجدته يبكي، فقلت: مما بكائك يا رسول الله؟ فقال: إن جبرئيل أتاني فأخبرني أن أمتك ستقتل ولدي لا أنالهم شفاعتي يوم القيامة.

    و لما أتت على الحسين عليه السلام من مولده سنة كاملة هبط على رسول الله صلى الله عليه و آله اثنا عشر ملكا محمرة وجوههم، باكية عيونهم، و هم يقولون: إنه سينزل بولدك الحسين ما نزل بهابيل من قابيل، و سيعطى مثل أجر هابيل، و يحمل قاتله مثل وزر قابيل.


    و لم يبقى في السماوات ملك مقرب إلا و نزل إلى النبي صلى الله عليه و آله يقرؤه السلام، و يعزيه عن الحسين، و يخبره في ثواب ما يعطى، و يعرض عليه تربته و النبي صلى الله عليه و آله يقول، اللهم اخذل من خذله، و اقتل من قتله، و لا تمتعه بما طلب.

    فلما أتى على مولده سنتان خرج النبي صلى الله عليه و آله في سفر له فوقف في بعض الطريق و استرجع و دمعت عيناه، فسئل عن ذلك، فقال: جبرئيل يخبرني عن أرض بشط الفرات يقال لها: كربلاء يقتل فيها ولدي الحسين، و كأني انظر إلى مصرعه و مدفنه.

    ثم رجع صلى الله عليه و آله من سفره مهموما مغموما فصعد المنبر فخطب و الحسن و الحسين بين يديه، ثم نزل فوضع يده اليمنى على رأس الحسن و يده اليسرى على رأس الحسين، وقد رفع رأسه إلا السماء فقال: اللهم إني محمد عبدك و نبيك و هذان من أطائب عترتي و خيار ذريتي و من اخلفهما في أمتي، و قد أخبرني جبرائيل إن ولدي هذا مخذول مقتول.

    اللهم بارك له في قتله، و اجعله من سادات الشهداء.

    اللهم و لا تبارك في قاتله و خاذله.

    فضج الناس في المسجد بالبكاء، ثم رجع صلى الله عليه و آله فخطب خطبة أخرى موجزة و هو متغير اللون و عيناه تهملان دموعا فقال: ايها الناس إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله عز و جل، و عترتي أهل بيتي، و إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، ألا و إني أنتظرهما، و إني لا أسألكم في ذلك إلا ما أمرني ربي ألمودة في القربى، ألا و إنه سترد علي ثلاث رايات في هذه الأمة:
    الأولى سوداء مظلمة قد فزعت منها الملائكة فتقف علي فأقول:
    من أنتم؟
    فينسون ذكري، فيقولون: نحن أهل التوحيد من العرب.
    فأقول: أنا أحمد نبي العرب و العجم.
    فيقولون: نحن من أمتك.
    فأقول لهم: كيف خلفتموني في أمتي و كتاب ربي؟
    فيقولون: أما الكتاب فضيعناه، و أما عترتك فحرصنا على أن نبيدهم عن آخرهم،
    فأولي عنهم وجهي،
    فيصدرون عطاشاء مسودة وجوههم.
    ثم ترد علي راية أخرى أشد سوادا من الأولى فأقول لهم:
    كيف خلفتموني في الثقلين الأكبر و الأصغر كتاب ربي و عترتي؟
    فيقولون: أما الأكبر فخالفناه، و أما الأصغر فخذلناه و مزقناه كل ممزق.
    فأقول: إليكم عني! فيصدرون ظمأى عطاشى مسودة وجوههم.
    ثم ترد علي راية أخرى تلمع وجوههم نورا، فأقول:
    من أنتم؟
    فيقولون: نحن أهل كلمة التوحيد و التقوى، فنحن أمة المصطفى، و نحن بقية أهل
    الحق، حملنا كتاب ربنا فحللنا حلاله، و حرمنا حرامه، و أحببنا ذريته و قاتلنا معهم
    فأقول لهم: ابشروا فإني نبيكم محمد صلى الله عليه و آله و لقد كنتم في دار الدنيا كما وصفتم، ثم أسقيهم من حوضي فيصدرون مرويين مستبشرين، ثم يدخلون الجنة خالدين فيها أبد الآبدين.

    و روى الشيخ في الأمالي بأسانيده إلى الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن أسماء بنت عميس، قالت: لما ولدت فاطمة الحسين عليهما السلام كنت أخدمها في نفاسها به، فجاء النبي صلى الله عليه و آله فقال: هلمي إبني يا أسماء فدفعته إليه في خرقة بيضاء فأخذه و جعله في حجره و أذن في إذنه اليمنى و أقام في أذنه اليسرى. قالت: و بكى رسول الله صلى الله عليه و آله ثم قال: إنه سيكون لك حديث اللهم العن قاتله، لا تعلمي فاطمة بذلك، قالت أسماء: فلما كان يوم السابع من مولده جاء النبي صلى الله عليه و آله فعق عنه كبشا أملح، و أعطى القابلة الورك و رجلا و حلق رأس الحسين و تصدق بوزن الشعر ورقا، و خلق رأسه بالخلوق، قالت: ثم وضعه في حجره فقال: يا أبا عبد الله عزيز علي ثم بكى، فقلت: بأبي أنت و أمي مما بكائك في هذا اليوم و في اليوم الأول؟ قال صلى الله عليه و آله: أبكي على إبني هذا تقتله فئة باغية كافرة من بني أمية لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة، ثم قال: اللهم إني أسألك فيهما ما سألت إبراهيم عليه السلام في ذريته: اللهم أحبهما و أحب من يحبهما، و العن من يبغضهما ملء السماء و الأرض.


    أشــــــدد يدا بحب آل محــــمد *** فإنها عــــقدة فوز و لا بـــــــخل


    وابعث لــــــهم مراثيا و مدحا *** صفوة من راض الضمير و نخـل


    و ما الخبيثان ابن هند و ابنه *** و أن أمرهــــــما بعـــــد وجــــــل


    بمـــــبدعين للـــــذي جـاء به *** و إنما تقـــــفيا تـــــــلك الســــبل

    الطريق إلى شلالات شيص

  2. #2
    مشرفة كربلائيات ( كربلاء " الطف " ) الصورة الرمزية أميرة باحساسي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    الدولة
    هنــاك ...... !
    المشاركات
    6,815
    شكراً
    15
    تم شكره 36 مرة في 33 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    905

    رد: من كتاب المجالس الفاخرة :: حسيني

    اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم ياكريم .
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .

    السلام عليك ياابا عبدالله وعلى الارواح التي حلت بفنائك
    عليكم مني جميعا سلام الله ابدا مابقيت وبقي الليل والنهار .

    إن ذكرناك بمـهدك / كان ذاك اليــوم عيدا
    او ذكــــرناك بلحدك / قرح الدمع الخـــدودا
    كيف ننساك شهيدا / لو ذكرناك وليـــــــدا .

    عظم اللهُ اُجورنا بمُصابنا بالْحُسَيْنِ عَلَيْهَ السَّلامُ وَجعلْنا وَايّاكُم مِنَ الطّالِبينَ بِثارِهِ
    مَعَ ولِيِّه الامام المَهْدى مِنْ آلِ مُحَمد عَليْهمُ السلامُ

    ابو سلطان
    بارك الله لك في جهودك .. وجزاك خير الجزاء واوفــاهـ على ماخطته
    يــداك .. وبيض وجهك بنور العترة الطاهرة .
    دمت موالــي .
    لا إله إلا الله بعزتك وقدرتك
    لا إله إلا الله بحقك وحرمتك
    لا إله إلا الله فـــرج برحمتك


    سيـدي أيها العزيز
    مسّنا وأهلنا الذل
    وارتضينا الهوان
    فهب لنا من عزّتك
    وتصدّق علينا من كرامتك .








    رَبيْ هَبْ لي " صَبرآآ ../ آرتَشُفهُ آوقَآت آلـالـمـ


  3. #3
    عضو ذهبي الصورة الرمزية أبو سلطان
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    الدولة
    UAE
    المشاركات
    1,674
    شكراً
    0
    تم شكره مرة واحدة في مشاركة واحدة
    معدل تقييم المستوى
    2823

    رد: من كتاب المجالس الفاخرة :: حسيني

    (2)



    و يسترسل المؤلف رحمة الله عليه قائلا:


    كانت إمامة الحسين بعد أخيه الحسن عليهما السلام ثابتة، و طاعته على جميع الخلق فريضة، بنص أبيه و جده عليهما السلام، عليه، و عهد أخيه الحسن و وصيته اليه، و كانا سيدي شباب أهل الجنة، بشهادة جدهما رسول الله صلى الله عليه و آله و هما سبطاه بالإتفاق الذي لا مرية فيه، و ريحانته في الدنيا و حبيباه من جميع أهله، و هما حجتا الله لنبيه صلى الله عليه و آله في المباهلة، و حجتا الله بعده على الأمة في الدين و الملة.

    و إن من برهان كمالهما، و حجة اختصاص الله لهما بفضله، بيعة رسول الله صلى الله عليه و آله لهما، و لم يبايع صبيا غيرهما، و كان من عناية الله الخاصة بهما الدالة على تفضيلهما نزول القرآن بإيجاب الجنة ثوابا على عملهما أيام طفولتيهما حيث كانوا "يوفون بالنذر و يخافون يوما كان شره مستطيرا و يطعمون الطعام على حبه مسكينا و يتيما و أسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً و لا شكورا إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا فوقاهم الله شر ذلك اليوم و لقاهم نظرة و سرورا و جزاهم بما صبروا جنة و حريرا، و لم ينزل قرآن في طفلين سواهما.

    و قد نص رسول الله صلى الله عليه و آله على إمامتهما بقوله: إبناي هذين إمامان قاما أو قعدا.

    و دلت وصية الحسن عليه السلام إلى الحسين على إمامته، كما ذلت وصية أمير المؤمنين إلى الحسن على إمامته، و وصية رسول الله صلى الله عليه و آله إلى أمير المؤمنين عليه السلام على إمامته من بعده. و تفصيل هذا في مظانه من كتب الأعلام من علمائنا رضي الله عنهم و رضوا عنه.

    فالحسين إمام بعد صنوه المجتبى، و إن لم يدع إلى نفسه أيام معاوية للتقية التي كانوا عليها، و الحال التي آل أمرهم بعد النبي صلى الله عليه، و آله إليها، فهو في ذلك كأبيه أمير المؤمنين عليه السلام حيث يقول: و طفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء، أو أصبر على طخية عمياء إلى أن قال: فصبرت و في العين قذى، و في الحلق شجى، أرى تراثي نهبا.

    و على هذا المنوال نسج الحسن – بأبي و أمي – أيام الهدنة إذ تغلب عليه ابن آكلة الأكباد، و هم جميعا على سنن النبي في أول أمره حيث لم يتمكن صلى الله عليه و آله من دعوة أحد إلى الله حينئذٍ أصلا، و حال أوصيائه من بعده كحاله حين كان في الشعب محصورا، و في الغار مستورا، و لئن كانت هذه الحال غير منافية للنبوة فهي غير منافية للإمامة بطريق أولى كما يعلمه أولو الألباب.

    و لما هلك معاوية و انقضت الهدنة التي كانت تمنع الحسين عليه السلام من الدعوة إلى نفسه و وجد في ظاهر الحال من الأنصار ما يتسنى له القيام بالدعوة إلى الله تعالى، نهض بأعبائها، و توجه بولده و أهل بيته من حرم الله تعالى و حرم رسوله إلى العراق للإنتصار على الظالمين، بمن دعاه إلى ذلك من أهل الكوفة، و قدم أمامه ابن عمه مسلما للدعوة إلى الله عز و جل، و البيعة له على الجهاد في إعلاء كلمته تعالى، و إنقاد الدين و المسلمين من أولئك المنافقين فبايعه أهل الكوفة على ذلك و عاهدوه و ضمنوا له النصرة و النصيحة و واثقوه. ثم لم تطل المدة حتى نكثوا البيعة و أسلموا مسلما فقتل بينهم غريبا مظلوما و حيدا شهيد، و خرجوا إلى حرب الحسين عليه السلام ففعلوا به ما لم يفعلوه بالخوارج، و قابلوه بما لم يقابلوا به أهل الخنا و الريب، جعجعوا به و منعوه المسير إلى بلاد الله، و حالوا بينه و بين ماء الفرات، حتى قضى شهيدا ضمآن مظلوما مهموما مجاهدا مكابدا صابرا محتسبا. قد نكثت بيعته، و استحلت حرمته، و لا روعيت فيه ذمة و عقد، و انتهبوا أمواله، و سبوا عياله، فلهفي لآل الرسول، و للخفرات من عقائل البتول، و قد ضاقت بهم المذاهب، و ارتجت عليهم المسالك، مولهين مدلهين، خائفين مترقبين.


    كانت بحيث عليها قومها ضــــربت *** سرادقا أرضه من عــــزهم حـــرم


    يكــــاد من هيبة أن لا يطــــوف به *** حتى الملائك لو لا أنـــــــــهم خـــدم


    فغودرت بين أيدي القــــوم خاسرة *** تسبى و ليس لها من فيـــه تعتصم


    نعم لــــوت جيــــــدها للعتب هاتفة *** بفومها و حشــــــاها ملؤه ضـــرم


    عجت بهم مذ على أبرادها اختلفت *** أيدي العدو و لكن مـــــــن لها بهم


    قومي الأولى عقـــدوا قِدمامآزرهم *** على الحمية ما ضيموا و لا اهتضم


    ما بالهم لا عفت منـــهم رسومهم *** قروا وقد حملــــتنا الأنيق الرســـــــم

    الطريق إلى شلالات شيص

  4. #4
    عضو ذهبي الصورة الرمزية أبو سلطان
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    الدولة
    UAE
    المشاركات
    1,674
    شكراً
    0
    تم شكره مرة واحدة في مشاركة واحدة
    معدل تقييم المستوى
    2823

    رد: من كتاب المجالس الفاخرة :: حسيني

    (3)


    لما اختار الله تعالى للإمام أبي محمد الحسن السبط عليه السلام دار كرامته و مأوى أصغيائه، كتب الشيعة في العراق إلى الحسين عليه السلام يعرضون عليه البيعة و يبذلون له النصرة فأبى عليهم، و ذكر أن بينهم صلوات الله عليهم و بين معاوية هدنة لا يجوز لهم ثقضها، فلما مات معاوية و ذلك للنصف من رجب سنة ستين للهجرة قام من بعده ولي عهده يزيده المتهتك، و سكيره المفضوح، و هو صبي يشرب الشراب، و يلعب بالكلاب، و لا يعرف من الدين موطيء قدمه، و لا يرقب إلاً و لا ذمة.

    فكتب إلى ابن عمه الوليد ابن عتبة – و كان واليا على المدينة – يأمره بأخد البيعة له من الناس عامة، و من الحسين خاصة، و يقول له: إن أبى عليك الحسين فاضرب عنقه، و ابعث إلي برأسه.

    فاستشار الوليد مروان في ذلك، فقال له: إنه لا يبايع، و لو كنت مكانك لضربت عنقه.

    ثم بعث إلى الحسين عليه السلام فجاءه – بأبي و أمي – في ثلاثين رجلا من أهل بيته و مواليه، فنعى إليه معاوية و كلفه بالبيعة.

    فقال له عليه السلام: إن البيعة لا تكون سرا فإذا دعوت الناس غدا فادعنا معهم.

    فقال مروان: لا تقبل يا أمير عذره، فإن بايع الآن و إلا فاضرب عنقه.

    فغضب الحسين عليه السلام ثم قال: ويل لك يابن الزرقاء أنت تقتلني أم هو؟ كذبت و الله و أثمت، ثم أقبل عى الوليد فقال: إنا أهل بيت النبوة، و معدن الرسالة، و مختلف الملائكة، و بنا فتح الله، و بنا ختم، و يزيد رجل شارب الخمور، قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق، و مثلي لا يبايع مثله.

    ثم خرج عليه السلام.

    فقال مروان للوليد عصيتني.

    فقال: ويحك إنك أشرت علي بذهاب ديني و دنياي، و الله ما أحب أن الدنيا بأسرها تكون لي و إني قتلت حسينا أن قال: لا أبايع، و الله ما أظن أن أحدا يلقى الله بدم الحسين عليه السلام إلا و هو خفيف الميزان يوم القيامة، لا ينظر الله إليه و لا يزكيه و له عذاب أليم.

    فأقام الحسين عليه السلام في منزله تلك الليلة، و هي ليلة السبت لثلاث بقين من رجب سنة ستين.

    فلما أصبح – بأبي و أمي – خرج يستمع الأخبار فلقيه مروان فقال: يا أبا عبد الله إني لك ناصح، فأطعني ترشد.

    فقال الحسين عليه السلام: و ما ذاك؟ قل حتى أسمع.

    فقال إني آمرك ببيعة يزيد فإنه خير لك في دينك و دنياك.

    فقال عليه السلام: إنا لله و إنا إليه راجعون على الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد. و طال الحديث بينهما حتى و لى مروان غضبان.

    فلما كان آخر يوم السبت بعث الوليد برجاله إلى الحسين ليحضر فيبايع، فقال له الحسين عليه السلام: أصبحوا ثم ترون و نرى.

    فكفوا عنه و لم يلحوا عليه.

    فخرج – بأبي و أمي – من تحت ليلته و هي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب متوجها نحو مكة و معه بنوه و بنوا أخيه و إخوته و جل أهل بيته، سار من المدينة و هو يقرأ: فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين.

    و لزم الطريق الأعظم، فسئل أن يتنكب الطريق كما فعل ابن الزبير كيلا يلحقه الطلب، فابى و قال: لا أفارقه حتى يقضي الله ما هو قاض، و كان دخوله مكة ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان دخلها و هو يقرأ: و لما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل.

    فأقام فيها باقي شعبان و شهر رمضان و شوال و ذي القعدة و ثمان ليال من ذي الحجة، ثم لم يأمن على نفسه، و لم يتمكن من تمام حجه مخافة أن يقبض عليه بمكة فينفد به إلى يزيد بن معاوية فأحل من إحرامه و جعلها عمرة مفردة، و خرج من مكة و هي حرم الله الذي يؤمن فيه الوحش و الطير، كما خرج من المدينة و هي حرم جده رسول الله خائفا يترقب.

    فوا لهفتاه و وا جزعاه عليك يا وديعة المصطفى، و ريحانته من الدنيا، و وا حر قلباه لك يا خامس أصحاب الكساء، و قرة عين سيدة النساء، يابن مكة و منى و ابن زمزم و الصفا، خفت على نفسك في الحرم، و أنت آمن الخائفين، فيا لله من هذه الفادحة و التي أثكلت جبرائيل، و وا مصيبتاه من هذه النازلة إذ عظمت على الرب الجليل,


    مثـــل ابن فاطمة يبيت مشـــــردا و يزيد في لذاتـــــــــه متنعم


    و يضيـــق الدنيا على ابن محمد حتى تقاذفه الفـضاء الأعـظم


    خرج الحسين من المدينة خـائفا كخروج موسى خائـــفا يتكتم


    و قد انجلى عن مكة و هو ابنها و به تشرفت الحطيم و زمزم


    لم يدر أين يريـــــــح بدن ركابه فكأنما المــــأوى عليه محرم


    فمشت تؤم به العــــراق نجائب مثل النعام به تخـــب و ترسم




    رجاء:

    أن تسمحوا لي على الأغلاط الإملائية إن وجدت

    أبو سلطان

    الطريق إلى شلالات شيص

  5. #5
    عضو ذهبي الصورة الرمزية أبو سلطان
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    الدولة
    UAE
    المشاركات
    1,674
    شكراً
    0
    تم شكره مرة واحدة في مشاركة واحدة
    معدل تقييم المستوى
    2823

    رد: من كتاب المجالس الفاخرة :: حسيني

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أميرة باحساسي مشاهدة المشاركة
    اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم ياكريم .

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .

    السلام عليك ياابا عبدالله وعلى الارواح التي حلت بفنائك
    عليكم مني جميعا سلام الله ابدا مابقيت وبقي الليل والنهار .

    إن ذكرناك بمـهدك / كان ذاك اليــوم عيدا
    او ذكــــرناك بلحدك / قرح الدمع الخـــدودا
    كيف ننساك شهيدا / لو ذكرناك وليـــــــدا .


    عظم اللهُ اُجورنا بمُصابنا بالْحُسَيْنِ عَلَيْهَ السَّلامُ وَجعلْنا وَايّاكُم مِنَ الطّالِبينَ بِثارِهِ
    مَعَ ولِيِّه الامام المَهْدى مِنْ آلِ مُحَمد عَليْهمُ السلامُ

    ابو سلطان
    بارك الله لك في جهودك .. وجزاك خير الجزاء واوفــاهـ على ماخطته
    يــداك .. وبيض وجهك بنور العترة الطاهرة .

    دمت موالــي .
    شكرا لك أختي أميرة باحساسي و بارك الله لكِ و بكِ و دمتي موالية لمحمد و آل بيت محمد صلى الله عليه و آله

    الطريق إلى شلالات شيص

  6. #6
    عضو ذهبي الصورة الرمزية أبو سلطان
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    الدولة
    UAE
    المشاركات
    1,674
    شكراً
    0
    تم شكره مرة واحدة في مشاركة واحدة
    معدل تقييم المستوى
    2823

    رد: من كتاب المجالس الفاخرة :: حسيني

    (4)


    ولما نزل الحسين عليه السلام مكة اقبل اهلها ومن كان فيها من المعترين واهل الآ فاق يختلفون اليه . وجاءه ابن الزبير فأ شارا عليه بالامساك فقال:
    ((ان رسول الله صلى الله عليه و آله امرني بأمر وانا ماض فيه )).
    فخرج ابن عباس وهو يقول:(( وا حسيناه )).
    وجاءه ابن عمر فاشار عليه بالصلح.
    فقال عله السلام: ((يا ابا عبدالرحمن أما علمت ان من هوان الدانا على الله أن رأس يحبى بن زكريا اهدي الى بغي من بغايا بني اسرائيل , اما تعلم ان بني اسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر والشمس سبعين نبيا, ثم
    يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأنهم لم يضنعوا شيئا فلم يعجل الله عليهم ثم اخدهم اخد عزيز دي انتقام, اتق الله يا أبا عبدالرحمن ولا تدعن نصرتي))
    .
    وبلغ أهل الكوفق هلاك معاوية فارجفوا بيزيد, وعرفوا بامتناع الحسين من بيعته , ومجيئه الى مكة اجتمعت الشيعة في منزل سليمان وخرج الى
    الخزاعي, فلما تكاملوا فام سليمان فقال:
    ان معلوية قد هلك , وان حسينا قد تقبض على القوم يبيعته وخرج الى مكة, وانتم شيعته ابيه, فان كنتم تعلمون انكم ناصروه ومجاهدو عدوه, ونقتل انفسا دونه فا كتبوا اليه, وان خفتم الفشل والوهن فلا تغروا الرجل.

    قالو: لا. بل نقاتل عدوه ونقتل أنفسنا دونه.

    قال: فا كتبوا ادا اليه . فكتبوا اليه :


    بسم الله الرحمن الرحيم



    للحسين بن علي عليهما السلام.
    من سليمان بن صرد والمسيب بن نجية . ورفاعه بن شداد . وحبيب ابن مظاهر. وشيعته المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة.

    سلام عليك فانا نحمد اليك الله الدي لا له الا هو.

    اما بعد: فالحمدلله الدي قصم عدوك الجبال العنيد, الدي انتزى على هده الامة فابتزها أمرها, و غصبها فيئها، و تآمر عليها بغير رضا منها، ثم قتل خيارها، و استبقى شرارها، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وأغنيائها,
    فبعدا له كما بعدت ثمود, وانه ليس عليها امام , فاقبل لعل الله ان يجعنا بك على الحق؛ والنعمان بن بشير في قصر الامارة لسنا نجتمع معه في جمعة‘ ولا نخرج معه الى عيد، ولو بلغنا انك قد أقبلت الينا اخرخناة حتى نلحقه بالشام إن شاء الله تعالى، والسلام عليك يابن رسول الله وعلى أبيك من قبلك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

    ثم سرحوا الكتاب مع عبد الله بن مسمع الهمداني، وعبدالله بن وال، وأمروهما بالنجاء. فخرجا مسرعين حتى قدما على الامام عليه الصلاة والسلام بمكة لعشر مضين من شهر رمضان.

    وبعد يومين من تسريحهم بالكتاب أنفذوا قيس بن مسهر الصيداوي وعبدالله وعبدالرحمن ابني شداد الأرحبي، وعمارة بن عبدالله السلولي، ومهم نحو مائة وخمسين صحيفة من الرجل والاثنين و الاربعة، ثم لبثوا يومين آخرين وسرحوا اليه عليه الصلاة والسلام هاني السبيعي بن عبدالله الحنقي و كتبوا اليه :


    بسم الله الرحمن الرحيم

    للحين بن علي عليه الصلاة والسلام
    .
    من شيعته من المؤ منين و السلمين.

    أما بعد : فحيّ هلا فان الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك ، فالعجل العجل ثم العجل العجل.

    ثم كتب شبث ابن ربعي، و حجار ابن أبجر، و يزيد ابن الحرث، و عروة ابن قيس. وعمرو بن حجاج الزبيدي. ومحمد بن عمرو التميمي :

    أما بعد :فقد اخضر الجناب‘ وأينعت الثمار, فاذا شئت فاقبل على جند لك مجندة والسلام.

    وتواترت عليه الكتب حتى اجمتع عنده في نوب متفرفة اثنا عشر الف كتاب , وهو مع ذلك يتأنى ولا يجيبهم.

    فرود عليه في يوم واحد ست مائة كتاب, و تلاقت الرسل كلها عنده فسألهم عن الناس, و قال لهاني بن هاني السبيعي و سعيد بن عبدالله الحنفي:

    ((خبراني من اجتمع على هذا الكتاب ؟))

    فذكرا له وجوه أهل الكوفة, و اولي الرأي منهم.

    فقام- بأبي و امي- عند ذلك فصلى ركعتين بين الركن و المقام, ثم كتب مع هاني و سعيد:


    بسم الله الرحمن الرحيم

    من الحسين بن علي .

    الى الملأ من المؤمنين و المسلمين:

    أما بعد: فان هانيا و سعيدا قدما علي بكتبكم, و كانا آخر من قدم علي من رسلكم و قد فهمت كل الذي اقتصصتم و ذكرتم، و مقالة جلكم: إنه ليس علينا إمام فاقبل لعل الله يجمعنا بك على الحق و الهدى.

    و إني باعث إليكم أخي و ابن عمي و ثقتي من أهل بيتي مسلم ابن عقيل. فإن كتب إلي أنه قد اجتمع رأي ملئكم، و ذوي الحجى و الفضل منكم على ما قدمت به رسائلكم، و قرأت في كتبكم، فإني أقدم إليكم و شيكا إن شاء الله تعالى فلعمري ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، الداين بدين الحق، الحابس نفسه على ذات الله، و السلام.

    و دعا سلام الله عليه مسلم ابن عقيل فسرحه مع قيس بن مسهر الصيداوي و عمارة ابن عبد الله السلولي و عبد الله و عبد الرحمن الأرحبيين، و أمره بالتقوى و كتمان أمره و اللطف، فإن رأى الناس مجتمعين مستوسقين عجل إليه بذلك.

    فأقبل مسلم رضوان الله عليه حتى أتى المدينة فصلى في مسجد رسول الله صلى الله عليه و آله و ودع أهله و من يحب.

    و سار حتى وصل الكوفة فنزل في دار المختار بن عبيدة الثقفي، و أقبلت الشيعة تختلف إليه، و كلما اجتمع إليه منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الحسين عليه السلام و هم يبكون.

    و بايعه الناس حتى بايعه منهم ثمانية عشر ألفاً.

    فكتب مسلم إلى الحسين عليه السلام بذلك، و طلب منه القدوم عليهم.

    و جعلت الشيعة تختلف إلى مسلم ابن عقيل، حتى علم النعمان بن بشير بذلك – و كان واليا على الكوفة من قبل معاوية فأقره يزيد عليها- و علم بمكان مسلم فلم يتعرض له بسوء.

    فقام إليه عبد الله ابن مسلم بن ربيعة الحضرمي حليف بني أمية فقال له: إنه ما يصلح ما ترى أيها الأمير إلا الغشم – أي الظلم – و إن هذا الذي أنت عليه فيما بينك و بين عدوك لرأي المستضعفين.

    و كتب إلى يزيد كتابا فيه: أن مسلم ابن عقيل قدم الكوفة و بايعت الشيعة للحسين، فإن يكن لك فيها حاجة فابعث إليها قويا ينفذ أمرك و يعمل مثل عملك في عدوك، فإن النعمان رجل ضعيف أو يتضاعف.

    ثم كتب كل من عمارة بن عقبة و عمر ابن سعد بنحو من ذلك.

    و بعد وصول كتبهم إلى يزيد كتب إلى عبيد الله ابن زياد – و كان واليا على البصرة – بأنه قد ولاه الكوفة و ضمها إليه، و عرفه أمر مسلم بن عقيل و شدد عليه في تحصيله و قتله.

    فأسرع اللعين إلى الكوفة، و استخلف أخاه عثمان على البصرة، و كان دخوله إلى الكوفة ليلا فظن أهلها أنه الحسين عليه السلام فتباشروا بقدومه و دنوا منه، فلما عرفوا أنه ابن مرجانه تفرقوا عنه.

    فدخل قصر الإمارة و بات فيه إلى الغداة ثم خرج فأبرق و أرعد، و وعد و توعد.

    فلما سمع مسلم بن عقيل بذلك خاف على نفسه، فقصد هاني ابن عروة فآواه و أكرم مثواه، و كثر اختلاف أصحابه إليه يبايعونه على السمع و الطاعة.

    لكنهم نقضوا بعد ذلك بيعته، و أخفروا ذمته، و لم يثبتوا معه على عهد، و لا وفوا له بعقد، و كان – بأبي هو و أمي – من أسود الوقائع، و سقات الحتوف و أبات الذل، و أولي الحفائض، و له – حين أسلمه أصحابه، و اشتد البأس بينه و بين عدوه _ مقام كريم، و موقف عظيم، إذ جاءه العدو من فوقه و تحته و أحاط به من جميع نواحيه، و هو وحيد فريد، لا ناصر له و لا معين، فأبلى بلاء ً حسناً، و صبر صبر الأحرارعلى ضرب سيوفهم، و رضخ أحجارهم و ما ناله من ضباطهم الشحيدة، و أطنان قصبهم الملتهبة، التي كانوا يرمونها من فوق البيوت عليه، حتى و قع في أيديهم أسيرا، بعد أن فتك بهم، و أذاقهم و بال أمرهم، ثم قتلوه ظمآنا، و هو يكبر الله و يستغفره، و يصلي على رسوله صلى الله عليه و آله، و صلبوا جثته بالكناسة، و بعثوا برأسه إلى الشام.


    رعى الله جســــما بالكنائس مصلبا و رأســــــا له فوق الســـــنان مركبا

    لقد سامه الأعداء خفضا فما ارتضى سوى الرفع فوق السمهرية منصـبا

    وقفت بمستن النزال فلم تجد سوى الموت في الهيجاء من الضـيم مهربا

    إلى أن وردت المـوت و الموت سنة لكم عرفت تحت الأسـنة و الضـــــبا

    و لا عيب في الحر الكريم إذا قضى بحــد الضبا حرا كريمــــــــا مــــهذبا

    الطريق إلى شلالات شيص

  7. #7
    عضو ذهبي الصورة الرمزية أبو سلطان
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    الدولة
    UAE
    المشاركات
    1,674
    شكراً
    0
    تم شكره مرة واحدة في مشاركة واحدة
    معدل تقييم المستوى
    2823

    رد: من كتاب المجالس الفاخرة :: حسيني

    (5)


    لما جاء عبيد الله ابن زياد إلى الكوفة، وضع المراصد، و بث الجواسيس فيها على مسلم عليه السلام، حتى علم أنه في دار هاني، فدعا محمد ابن الأشعث، و حسان ابن أسماء بن خارجة، و عمرو بن الحجاج، فقال:

    ما يمنع هانيا من إتياننا؟

    فقالوا ما ندري و قد قيل إنه يشتكي.

    فقال: بلغني ذالك، ثم علمت أنه بريء و أنه يجلس على باب داره، و لو أعلم أنه شاك لعدته، فألقوه و مروه أن لا يدع ما يجب عليه من حقنا فإني لا أحب أن يفسد عندي مثله من أشراف العرب.

    فأتوه و وقفوا عشية على باب داره، فقالوا له:

    ما يمنعك من لقاء الأمير فإنه ذكرك و قال: لو أعلم أنه شاك لعدته؟

    فقال: الشكوى تمنعني.

    فقالوا قد بلغه جلوسك كل عشية على باب دارك، و قد استبطأك، و الإبطاء و الجفاء لا يتحمله السلطان من مثلك لأنك سيد قومك، و نحن نقسم عليك إلا ركبت معنا.

    و ما زالوا به حتى غلبوه على رأيه، فدعا بثيابه فلبسها، ثم دعا ببغلته فركبها، فلما دنا من القصر أحس ببعض الذي كان، فقال لحسان بن أسماء ابن خارجة:

    يا ابن أخي إني و الله لخائف من هذا الرجل فما ترى؟

    فقال: و الله يا عم ما أتخوف عليك شيئا، لا تجعل على نفسك سبيلا، و لم يكن حسان يعلم الذي أضمر ابن مرجانة لهاني رضوان الله عليه.

    فجاء رحمه الله تعالى و القوم معه حتى دخلوا جميعا على ابن زياد، فلما رأى هانيا قال: أتتك بخائن رجلاه، ثم تمثل قائل:


    أريد حياته و يريد قتلي عذيرك من خليلك من مراد

    فقال له هاني: و ما ذاك يا أمير؟

    فقال: إيه يا هاني ما هذه الأمور التي تربص في دارك لأمير المؤمنين و عامة المسلمين، جئت بابن عقيل فأدخلته دارك، و جمعت له السلاح و الرجال في الدور من حولك، و ظننت أن ذلك يخفى علي.

    فقال: ما فعلت.

    قال: بلى قد فعلت.

    فلما كثر ذلك بينهما و أبى هاني إلا الإنكار، دعا ابن زياد بمعقل مولاه حتى وقف بين يديه و كان عينا له على أخبارهم من حيث لا يدرون، و قد عرف كثيرا من أسرارهم إذ كان يظهر لهم الإخلاص لأهل البيت و التفاني في حبهم، فلما رآه هاني علم أنه عينا عليهم، و أنه قد أتاه بأخبارهم، فأسقط في يده، ثم راجعته نفسه فقال:

    أصلح الله الأمير و الله ما بعثت إلى مسلم ابن عقيل، و لا دعوته، و لكن جاءني مستجيرا فأجرته، و استحييت من رده، و دخلني من ذلك ذمام فضيفته و آويته، و الآن فخلى سبيلي حتى أرجع إليه و آمره بالخروج من داري إلى حيث شاء من الأرض لأخرج بذلك من ذمامه و جواره، ثم أرجع إليك حتى أضع يدي في يدك.

    فقال له ابن زياد: و الله لا تفارقني حتى تأتيني به.

    فقال: و الله لا آتيك به أبدا، آتيك بضيفي تقتله؟

    فقال: و الله لتأتيني به.

    فقال: و الله لا آيتك به، فلما كثر الكلام بينهما قام مسلم بن عمرو الباهلي فقال:

    أصلح الله الأمير خلني و إياه حتى أكلمه.

    فقام فخلى به ناحية و هما بحيث يراهما ابن زياد و يسمع كلامهما فبينما هما يتناجيان إذ رفعا أصواتهما، فقال الباهلي:

    يا هاني أنشدك بالله لا تقتل نفسك، و لا تدخل البلاء على عشيرتك فو الله إني لأنفس بك عن القتل، إن هذا الرجل ابن عم القوم و ليسوا قاتليه و لا ضائريه، فادفعه إليهم فإنه ليس عليك بذلك مخزاة و لا منقصة و إنما تدفعه إلى السلطان.

    فقال هاني: و الله إن علي في ذلك الخزي و العار أن أدفع جاري و ضيفي و رسول ابن بنت رسول الله و أنا صحيح الساعدين كثير الأعوان، و الله لو لم أكن إلا واحدا ليس لي ناصر لم أدفعه حتى أموت دونه، فأخد يناشده و هو يقول: و الله لا أدفعه أبدا.

    فسمع ابن زياد ذلك فقال: إدنوه مني فأدني منه، فقال: و الله لتأتيني به أو لأضربن عنقك.

    فقال هاني إذا تكثر البارقة حول دارك.

    فقال ابن زياد: أبالبارقة تخوفني، و هاني يظن أن عشيرته يمنعونه، ثم قال:

    إدنوه مني فأدنوه منه. فاستعرض و جهه بالقضيب فلم يزل يضرب أنفه و جبهته و خده حتى كسر أنفه و سال الدماء على ثيابه و نثر لحم خده و جبينه على لحيته الشريفة فانكسر القضيب.

    و ضرب هاني يده على قائم سيف شرطي فجاذبه ذلك الرجل، فصاح اللعين ابن مرجانه: خذوه. فجروه حتى ألقوه في بيت من بيوت الدار، و أغلقوا عليه بابه و جعلوا عليه حرساً.

    فقام حسان ابن أسماء بن خارجة إلى ابن زياد فقال: أرسل غدر – نحن – سائر القوم أيها الأمير، أرسلتنا إلى الرجل، أمرتنا أن نجيئك به، حتى إذا جئناك به هشمت وجهه , أسلت دماءه و زعمت أنك تقتله؟

    فغضب ابن مرجانة فقال: و إنك لها هنا، ثم أمر به و ضرب و قيد و حبس.

    فقال: إنا لله و إنا إليه راجعون إلى نفسي أنعاك يا هاني.

    و بلغ عمرو ابن الحجاج أن هانيا قد قتل، و كان هاني صهره على بنته رويحة، فأقبل عمرو في مدحج كافة حتى أحاط بالقصر، و نادى:

    أنا عمرو ابن الحجاج و هذه فرسان مدحج و وجوهها لم تخلع طاعة، و لم تفارق جماعة، و قد بلغنا أن صاحبنا قد قتل.

    فأتاهم القاضي شريح – و كان مع ابن زياد في القصر حين دخل عليه هاني و فعل معه ما فعل – فأخبرهم بسلامته فرضوا بقوله و انصرفوا.

    تبا لهم و ترحا، لقد خطمهم ابن مرجانة بالذل، و قادهم ببرة الهوان، و عفر وجوههم إذ هشم وجه سيدهم، و أرغم آنافهم إذ كسر أنفه، و ألقاهم في مراغة الذل إذ ألقاه في الحبس، و مرغهم في حمأة الهوان إذ جروه قتيلا برجله في الأسواق.

    أما هاني فقد فاز بالشهادة، و ختمت أيامه بالسعادة.


    و واسى الرجال الصالحين بنفسه و فارق مثبورا و خالف مجرما


    و قد ثارت به الحمية لله عز و جل، و عصفت في رأسه لرسول الله صلى الله عليه و آله و أخذته حفائظ الولاية لآل الطيبين الطاهرين، فبذل نفسه، و وقاهم بمهجته.

    فوا لهفاه له ما أعز جانبه.

    و أسفا عليه ما أمنع حوزته.

    و حزنا لوجهه الميمون المشرق و قد شوهه اللعين ضربا بعصاه.

    و نفسي الفداء لذلك الأنف الحمي و قد كسر في سبيل الله.

    و لله تناثر اللحم من جبينه الوضاح، و خده الزاهر و جبهته المباركة على كريمته الشريفة.

    و في عين الله خضبت تلك الشيبة العزيزة بدماء ذلك الأغر، دون أن يهتضم جاره أو يستباح دماره.


    كريم أبى شـــم الدنـــية أنفه فأشمــمه شـوك الوشيج المسدد


    و قال: قفي يانفس وقفة وارد حياض الردى لا وقفة المتردد



    يتبع

    الطريق إلى شلالات شيص

  8. #8
    عضو ذهبي الصورة الرمزية أبو سلطان
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    الدولة
    UAE
    المشاركات
    1,674
    شكراً
    0
    تم شكره مرة واحدة في مشاركة واحدة
    معدل تقييم المستوى
    2823

    رد: من كتاب المجالس الفاخرة :: حسيني

    (6)


    لما عزم الحسين عليه السلام على الخروج إلى العراق قام خطيبا، فكان مما قال:

    و ما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، و خير لي مصرع أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلاة بين النواويس و كربلاء، فيملأن مني أكراشا جوفأ، و أجربة سغبا، لا محيص عن يوم خط بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت، نصير على بلائه، و يوفينا أجر الصابرين، لن تشد عن رسول الله صلى الله عليه و آله لحمته، بل هي مجموعة له في حضيرة القدس، تقر به عينه، و ينجز به وعده، ألا و من كان باذلا فينا مهجته، و موطنا على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا فإني راحل مصبحا إن شاء الله تعالى.

    و جاءه تلك الليلة أخوه محمد ابن الحنفية فقال له:

    يا أخي إن أهل الكوفة من قد عرفت غدرهم بأبيك و أخيك، و قد خفت أن يكون حالك حال من مضى، فإن رأيت أن تقيم فإنك أعز من في الحرم و أمنعه.

    فقال: يا أخي قد خفت أن يغتالني يزيد في الحرم فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت.

    فقال له ابن الحنفية: فإن خفت ذلك فسر إلى اليمن، أو بعض نواحي البر، فإنك أمنع الناس به، و لا يقدر عليك.

    فقال: أنظر فيما قلت.

    فلما كان في السحر ارتحل عليه السلام، فبلغ ذلك ابن الحنفية فأتاه فأخذ زمام ناقته التي ركبها.

    فقال له: يا أخي ألم تعدني النظر في ما سألتك؟

    فقال: بلى.

    قال: فما حداك على الخروج عاجلا؟

    قال: أتاني رسول الله صلى الله عليه و آله بعد ما فارقتك، فقال: يا حسين اخرج فأن الله شاء أن يراك قتيلا.

    فقال له ابن الحنفية: إنا لله و إنا إليه راجعون فما معنا حملك هؤلاء النساء معك على مثل هذا الحال؟

    فقال له: قد قال لي: إن الله شاء أن يراهن سبايا.

    و لقيه أبو محمد الرافدي و زرارة ابن خلع قبل أن يخرج عليه السلام إلى العراق فأخبراه ضعف الناس بالكوفة، و أن قلوبهم معه و سيوفهم عليه. فأومأ بيده نحو السماء ففتحت أبوابها، و نزلت الملائكة عدد لا يحصيهم إلا الله عز وجل فقال: لو لا تقارب الأشياء، و هبوط الأجل لقاتلتهم بهؤلاء، و لكن اعلم يقينا أن هناك مصرعي، و مصرع أصحابي لا ينجو منهم إلا ولدي علي.

    و خرج – بأبي و أمي – يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة سنة ستين. قال معمر ابن المثنى – في كتاب مقتل الحسين -: فلما كان يوم التروية قدم عمر ابن سعد ابن أبي وقاص إلى مكة في جند كثيف، قد أمره يزيد أن يناجز الحسين القتال إن هو ناجزه، أو يقتله إن قدر عليه.

    فخرج الحسين عليه السلام يوم التروية، حين يخرج إلى عرفة إذ لم يتمكن من إتمام حجه، مخافة أن تستباح حرمات بيت الله الحرام، و مشاعره العظام، فأحل – بأبي و أمي – من إحرامه، و جعلها عمرة مفردة.


    و قد انجلى عن مكة و هو ابنها و به تشرفت الحطيم و زمزم


    لم يدري أين يريح بدن ركـــــابه فكأنما المأوى عليه مـــــحرم


    و عن الصادق عليه السلام – فيما رواه الشيخ المفيد بإسناده إليه – قال: لما سار الحسين صلوات الله عليه من مكة لقيه أفواج من الملائكة المسومين و المردفين في أيديهم الحراب على نجب من نجب الجنة فسلموا عليه و قالوا:

    يا حجة الله على خلقه بعد جده و أبيه و أخيه إن الله عز و جل أمد جدك رسول الله صلى الله عليه و آله بنا في مواطن كثيرة، و إن الله أمدك بنا.

    فقال لهم: الموعد حفرتي و بقعتي التي استشهد فيها و هي كربلاء فإذا وردتها فأتـوني.

    فقالوا: يا حجة الله إن الله أمرنا أن نسمع لك و نطيع، فهل تخشى من عدو يلقاك فنكون معك.

    فقال: لا سبيل لهم علي، و لا يلقوني بكريهة أو أصل إلى بقعتي.

    و أتته أفواج من مؤمني الجن فقالوا له:

    يا مولانا نحن شيعتك و أنصارك فمرنا بما تشاء، فلو أمرتنا بقتل كل عدو لك و أنت بمكانك لكفيناك ذلك، فجزّاهم خيرا

    و قال لهم: أما قرأتم كتاب الله المنزل على جدي رسول الله صلى الله عليه و آله في قوله:

    قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم.

    فإذا أقمت في مكاني فبما يمتحن هذا الخلق المتعوس، و بما يختبرون، و من ذا يكون ساكن حفرتي، و قد اختارها الله تعالى لي يوم دحى الأرض.

    و جعلها معقلا لشيعتنا و محبينا، تقبل فيها أعمالهم و صلواتهم، و يجاب دعائهم، و تسكن إليها شيعتنا، فنكون لهم أمانا في الدنيا و الآخرة، و لكن تحضرون يوم عاشورا الذي في آخره أقتل، و لا يبقى بعدي مطلوب من أهلي و نسبي و إخوتي و أهل بيتي، و يسار برأسي إلى يزيد ابن معاوية.


    ساروا برأسك يابن بنت محمد متزملا بدمــــــــائه تزميلا


    قتلوك عكشانا و لمــــا يرقبوا في قتلك التأويل و التنزيلا


    و يكبرون بأن قتــــلت و إنما قتلوا بك التكبير و التهليلا



    * * *



    رأس ابن بنت محمد و وصـيه للناظرين على قنــــاة يرفع


    و المسلمون بمنظر و بمسمع لا منكر منهم و لا متفـــجع


    كحلت بمنظرك العيون عماية و اسم رزؤك كل إذن تسمع

    يتبع

    الطريق إلى شلالات شيص

  9. #9
    عضو ذهبي الصورة الرمزية أبو سلطان
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    الدولة
    UAE
    المشاركات
    1,674
    شكراً
    0
    تم شكره مرة واحدة في مشاركة واحدة
    معدل تقييم المستوى
    2823

    رد: من كتاب المجالس الفاخرة :: حسيني

    (7)


    كان توجه الحسين عليه السلام من مكة إلى العراق يوم خروج مسلم عليه السلام للقتال بالكوفة، و هو يوم التروية، و استشهد مسلم في الثامن من خروجه و هو يوم عرفه، و كان قد اجتمع إلى الحسين نفر من أهل الحجاز و البصرة انضافوا إلى أهل بيته و مواليه.

    و لما أراد التوجه إلى العراق طاف و سعى و حل من إحرامه، و جعلها عمرة مفردة، و خرج مبادرا بأهله و ولده، و من انضم إليه من شيعته.

    و لما بلغ الحسين عليه السلام الحاجز من بطن الرمة بعث قيس ابن مسهر الصيداوي – و قيل بل بعث أخاه من الرضاعة عبد الله ابن يقطر – إلى الكوفة، و لم يكن عليه السلام علم بخبر ابن عقيل، و كتب إليهم:


    بسم الله الرحمن الرحيم


    من الحسين ابن علي.

    إلى إخوانه من المؤمنين و المسلمين:

    سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو.

    أما بعد فإن كتاب مسلم ابن عقيل جاءني يخبر فيه بحسن رأيكم، و اجتماع ملأكم على نصرنا، و الطلب بحقنا، فسألت الله أن يحسن لكم الصنع، و أن يثبنكم على ذلك أحسن الأجر، و قد شخصت إليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية فإذا قدم عليكم رسولي فانكمشوا في أمركم و جدوا فإني قادم عليكم في أيامي هذه و السلام.

    و كان مسلم كتب إليه قبل أن يقتل بسبع و عشرين ليلة، و كتب إليه أهل الكوفة: أن لك هنا مائة ألف سيف فلا تتأخر.

    و أقبل قيس ابن مسهر إلى الكوفة بكتاب الحسين عليه السلام حتى انتهى إلى القادسية، أخده الحصين ابن نمير فبعث به إلى ابن زياد فأمره اللعين أن يسب الحسين و أباه و أخاه على المنبر، فصعد قيس فحمد الله و أثنى عليه، ثم قال:

    أيها الناس إن هذا الحسين بن علي خير خلق الله، و ابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و أنا رسوله إليكم فأجيبوه، ثم لعن عبيد الله ابن زياد و أباه، و استغفر لعلي ابن أبي طالب و صلى عليه.

    فأمر ابن زياد أن يرمى به من فوق القصر، فرموا به فتقطع.

    و كان ابن زياد أمر فأخذ ما بين واقصة إلى طريق الشام إلى طريق البصرة فلا يدعون أحد يلج، و لا أحد يخرج.

    و هنا له عليه أفضل الصلات و السلام قصة مع زهير ابن القين البجلي ، قال جماعة من فزارة و بجيله أنه التقى بزهير و قد أتى من مكة يقولوا: فكنا نساير الحسين عليه السلام لكن لم يكن شيء أبغض إلينا من أن ننازله عليه السلام.

    و إذا نزل بمنزل نزلنا بجانب آخر منه.

    فبينا نحن جلوس نتغدى من طعام لنا إذ أقبل رسول الحسين عليه السلام حتى سلم، فقال:

    يا زهير إن أبا عبد الله الحسين عليه السلام بعثني إليك لتأتيه.

    فطرح كل إنسان منا ما في يده حتى كأن على رؤوسنا الطير. فقالت له امرأته – و هي ديلم بنت عمر -:

    سبحان الله أيبعث إليك ابن بنت رسول الله صلى الله عليه و آله ثم لا تأتيه؟ فلو أتـيته و سمعت من كلامه.

    فمضى إليه زهير فما لبث أن جاء مستبشرا قد أشرق وجهه، فأمر بفسطاطه و ثقله و رحله و متاعه فحول إلى الحسين عليه السلام، ثم قال لامرأته:

    أنت طالق الحقي بأهلك فإني لا أحب أن يصيبك بسبي إلا خيرا، و قد عزمت على صحبة الحسين لأفديه بروحي، و أقيه بنفسي، ثم أعطاها ما لها و سلمها إلى بعض بني عمها ليوصلها إلى أهلها.

    و روى عبد الله ابن سليمان و المنذر بن مشعل الأسديان أنهما التقيا بشخص اسمه بكر و هو قادم من الكوفة و قال لهما:

    لم أخرج من الكوفة حتى قتل مسلم ابن عقيل و هاني ابن عروة و رأيتهما يجران بأرجلهما بالسوق.

    فأقبلنا حتى لحقنا الحسين عليه السلام فسايرناه حتى نزلنا الثعلبية ممسيا فجئنا حين نزل فسلمنا عليه فرد علينا السلام.

    فقلنا له: رحمك الله إن عندنا خبرا إن شئت حدثناك به علانية، و إن شئت سرا.

    فنظر إلينا و إلى أصحابه، فقال: ما دون هؤلاء سر.

    فقلنا له: أرأيت الراكب الذي استقبلته مساء أمس؟

    قال: نعم، و قد أردت مسألته.

    فقلنا: قد و الله استبرأنا لك خبره و كفيناك مسألته، و هو امرؤ منا ذو رأي صادق و عقل، و أنه حدثنا أنه لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم و هاني، و رآهما يجران في السوق بأرجلهما.

    فقال: إنا لله و إنا إليه راجعون رحمة الله عليهما يردد ذلك مرارا.

    ثم ارتحل الحسين عليه السلام و أصحابه حتى انتهى إلى زبالة، فأتاه خبر عبد الله ابن يقطر، فأخرج إلى الناس كتابا قرأ عليهم و فيه:


    بسم الله الرحمن الرحيم


    أما بعد: فإنه قد أتانا خبر فضيع قتل مسلم ابن عقيل و هاني ابن عروة و عبد الله ابن يقطر، و قد خذلتنا شيعتنا، فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف في غير حرج ليس معه ذّمام.

    فتفرق الناس عنه، و أخذوا يمينا و شمالا حتى بقي في أصحابة الذين جاءوا معه من المدينة، و نفر يسير ممن انظموا إليه، و إنما فعل ذلك لأنه عليه السلام علم أن الأعراب الذين اتبعوه إنما اتبعوه لأنهم ظنوا أنه بلدا استقامت له طاعة أهله، فكره أن يسيروا معه، إلا و هم يعلمون ما يقدمون.

    ثم سار حتى مر على بطن العقبة فنزل عليها، فلقيه شيخ من بني عكرمة يقال له بن لوذان، فسأله:

    أين تريد؟

    فقال عليه السلام: الكوفة.

    فقال الشيخ: أنشدك لما انصرفت، فو الله ما تقدم إلا على الأسنة و حد السيوف، و إن هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤنه القتال، و وطؤا لك الأشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأيا، فأما على هذه الحال التي تذكر فإني لا أرى لك أن تفعل.

    فقال له: يا عبد الله لا يخفى علي الرأي، لكن الله تعالى لا يغلب على أمره.

    ثم قال عليه السلام: و الله لا يدعونني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي، فإذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل فرق الأمم.

    إن يقتلـوك فلا عن فقــد معـــــرفة الشمس معروفة بالعـــين و الأثر

    قد كنت في مشرق الدنيا و مغربها كالحمد لم تغن عنها سائر السور

    الطريق إلى شلالات شيص

  10. #10
    عضو ذهبي الصورة الرمزية أبو سلطان
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    الدولة
    UAE
    المشاركات
    1,674
    شكراً
    0
    تم شكره مرة واحدة في مشاركة واحدة
    معدل تقييم المستوى
    2823

    رد: من كتاب المجالس الفاخرة :: حسيني

    (8)

    سار الحسين عليه السلام حتى صار على مرحلتين من الكوفة، فإذا بالحر ابن يزيد الرياحي في ألف فارس، فقال له الحسين عليه السلام:

    ألنا أم علينا؟

    فقال: بل عليك يا أبا عبد الله.

    فقال عليه السلام: لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم . ثم تردد الكلام بينهما حتى قال الحسين عليه السلام: فإن كنتم على خلاف ما أتتني به كتبكم، و قدمت عليه رسائلكم، فإني أرجع إلى الموضع الذي أتيت منه، فمنعه الحر و أصحابه، و قال: بل خذ يا بن رسول الله طريقا لا يدخلك الكوفة، و لا يصلك إلى المدينة، لأعتذر إلى ابن زياد بأنك خالفتني الطريق.

    فتياسر الحسين عليه السلام حتى إذا وصل إلى عذيب الهجانات، ورد كتاب عبيد الله ابن زياد لعنه الله إلى الحر يلومه في أمر الحسين عليه السلام، و يأمره بالتضييق عليه فعرض له الحر و أصحابه و منعوه من السير.


    فقال له الحسين عليه السلام: ألم تأمرنا بالعدول عن الطريق؟

    فقال له الحر: بلى و لكن كتاب الأمير قد وصل يأمرني فيه بالتضييق عليك، و قد جعل عينا يطالبني بذلك.

    فقام الحسين عليه السلام: خطيبا في أصحابه، فحمد الله و أثنى عليه و ذكر جده فصلى عليه، ثم قال:

    إنه قد نزل بنا من الأمر ما قد ترون، و إن الدنيا قد تغيرت و تنكرت و أدبر معروفها و استمرت هذاء، و لم يبقى منها إلا صبابة كصبابة الإناء، و خسيس عيش كمرعى الوبيل، ألا ترون إلى الحق لا يعمل به، و إلى الباطل لا يتناها عنه، فليرغب المؤمن في لقاء ربه محقا، فإني لا أرى الموت إلى سعادة، و الحياة مع الظالمين إلا برما.

    فقام زهير ابن القين رضي الله عنه فقال: سمعنا يا بن رسول الله مقالتك، و لو كانت الدنيا لنا باقية، و كنا فيها مخلدين، لآثرنا النهوض معك على الإقامة.

    و قام هلال بن نافع البجلي رضي الله عنه فقال: و الله ما كرهنا لقاء ربنا، و إنا على نياتنا و بصائرنا نوالي من والاك و نعادي من عاداك.

    و قام برير ابن خضير رضي الله عنه فقال: و الله يا بن رسول الله لقد من الله بك علينا أن نقاتل بين يديك، و تقطع فيك أعضائنا ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة.

    ثم إن الحسين عليه السلام ركب و سار، و كلما إراد المسير يمنعونه تارة، و يسايرونه أخرى – و قد عظم رعب النساء و وجل الأطفال حينئذٍ بما لا مزيد عليه – حتى بلغوا كربلاء في الثاني من المحرم فسأل الحسين عليه السلام عن اسم الأرض.

    فقيل: كربلاء.

    فقال عليه السلام: اللهم إني أعوذ بك من الكرب و البلاء، ثم قال: هذا موضع كرب و بلاء، أنزلوا، ها هنا محط ركابنا، ها هنا محل قبورنا، بهذا حدثني جدي رسول الله صلى الله عليه و آله. فنزلوا جميعا:

    و نزل الحر و أصحابه ناحية.

    و جلس الحسين عليه السلام يصلح سيفه و يقول:

    يا دهر أف لك من خـليل كم لك بالإشراق و الأصــيل

    من طالب و صاحب قتيل و الدهر لا يقنــــع بالبــديل

    و كل حي سالــــك سبـيل ما أقرب الوعد من الرحيل

    و أنما الأمر إلى الجلــيل

    فسمعت أخته زينب سلام الله عليها فقالت: يا أخي هذا كلام من أيقن بالقتل.


    فقال نعم يا أختاه.

    فقالت زينب عليها السلام: وا ثكلاه ينعى الحسين إلي نفسه، و بكى النسوة و لطمن الخدود، و شققن الجيوب، و جعلت أم كلثوم عليها السلام تنادي:

    وا محمداه وا علياه وا أماه وا أخاه وا حسيناه وا ضيعتنا بعدك يابن بنت رسول الله.

    فعزاها الحسين عليه السلام و قال لها: يا أختاه تعزي بعزاء الله فإن سكان السماوات يفنون، و أهل الأرض لا يبقون، و جميع البرية يهلكون.

    فقالت عليها السلام: بأبي أنت و أمي أستقتل؟ نفسي لك الفداء.

    فردت عليه غصته، و تغرغرت عيناه بالدموع، ثم قال عليه السلام: و لو ترك القطا ليلا لنام.

    ثم قالت: يا ويلتاه أفتغتصب نفسك اغتصابا، فذلك أقرح لقلبي، و أشد على نفسي ، و خرت مغشيا عليها.

    فقام عليه السلام: فصب عليها الماء حتى أفاقت:

    نادت فقطعت القلـــوب بشجوها لكنما انتظم البيــــــــان فريدا

    إنسان عيني يا حســـين أخي يا أملي و عقد جماني المنضودا

    إن تنـــع أعطت كل قلب حسـرة أو تدع صـدعت الجبال الميدا

    عبراتها تحيي الثرى أو لم تكن ز فراتها تدع الـرياض همودا

    الطريق إلى شلالات شيص

  11. #11
    عضو ذهبي الصورة الرمزية أبو سلطان
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    الدولة
    UAE
    المشاركات
    1,674
    شكراً
    0
    تم شكره مرة واحدة في مشاركة واحدة
    معدل تقييم المستوى
    2823

    رد: من كتاب المجالس الفاخرة :: حسيني

    (9)


    عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال: سمعت أبي يقول: لما التقى الحسين عليه السلام و عمر ابن سعد و قامت الحرب أنزل الله النصر حتى رفرف على رأس الحسين عليه السلام ثم خير بين النصر على أعداءه و بين لقاء الله فاختار لقاء الله.

    ثم صاح الحسين عليه السلام:

    أما من مغيث يغيثنا لوجه الله؟ أما من ذاب يذب عن حرم رسول الله صلى الله عليه و آله ؟

    [قال]: فإذا الحر ابن يزيد الرياحي قد أقبل إلى ابن سعد فقال:

    أمقاتل أنت هذا الرجل؟

    فقال: إي و الله قتال أيسره أن تطير الرؤوس و تطيح الأيدي.

    [قال]: فمضى الحر و وقف موقفا من أصحابه و أخذه مثل الأفكل.

    فقال له المهاجر ابن أوس: و الله إن أمرك لمريب، و لو قيل لي مَن أشجع أهل الكوفة لما عدوتك فما هذا الذي أرى منك؟

    فقال: و الله إني أخير نفسي بين الجنة و النار فو الله لا أختار على الجنة شيء و لو قطعت و حرقت.

    ثم ضري فرسه قاصدا إلى الحسين عليه السلام و يده على رأسه و هو يقول:

    اللهم إليك أنبت فتب علي فقد أرعبت قلوب أولئك أولاد بنت نبيك.

    و قال للحسين عليه السلام: جعلت فداك أنا صاحبك الذي حبسك عن الرجوع و جعجع بك، و ما ظننت أن القوم يبلغون بك ما أرى و أنا تائب إلى الله تعالى فهل ترى لي توبة.

    فقال له الحسين نعم يتوب الله عليك فانزل.

    فقال: أنا لك فارسا خير مني لك راجلا و إلى النزول يصير آخر أمري.

    ثم قال: كنت أول من خرج عليك فأذن لي أن أكون أول قتيل بين يديك لعلي أكون ممن يصافح جدك محمد صلى الله عليه و آله غدا في القيامة.

    فأذن له فجعل يقاتل أحسن قتال حتى قتل جماعة من الشجعان و الأبطال ثم استشهد رحمه الله تعالى فحمل إلى الحسين عليه السلام فجعل يمسح التراب عن وجهه و يقول:

    أنت الحر كما سمتك أمك حرا في الدنيا و الآخرة.

    [قال]: و خرج برير بن خضير و كان زاهدا عابدا فخرج إليه يزيد بن المنفل فاتفقا على المباهلة إلى الله تعالى في أن يقتل المحق منهما المبطل، و تلاقيا فقتله برير و لم يزل يقاتل حتى قتل رحمه الله تعالى.

    [قال]: و خرج وهب بن حباب الكلبي فأحسن في الجلاد و بالغ في الجهاد، و كانت معه امرأته و والدته فرجع إليهما و قال:

    يا أماه أرضيتِ أم لا؟

    فقالت الأم: ما رضيت حتى تقتل بين يدي الحسين عليه السلام.

    و قالت امرأته: بالله عليك لا تفجعني بنفسك.

    فقالت له أمه: يا بني أعزب عن قول زوجتك و ارجع فقاتل بين يدي ابن بنت نبيك تنل شفاعة جده يوم القيامة.

    فرجع و لم يزل يقاتل حتى قطعت يداه.

    و أخذت امرأته عمودا و أقبلت نحوه و هي تقول: فداك أبي و أمي قاتل دون الطيبين حرم رسول الله.

    فأقبل كي يردها إلى النساء فأخذت بجانب ثويه و قالت: لن أعود دون أن أموت معك.

    فقال الحسين عليه السلام: جزيتم من أهل بيت خيرا أرجعي إلى النساء رحمك الله فانصرفت إليهن، و لم يزل الكلبي يقاتل حتى قتل رضوان الله عليه.

    [قال]: ثم خرج مسلم ابن عوسجة رحمه الله فبالغ في قتال الأعداء و صبر على أهوال البلاء حتى سقط إلى الأرض و به رمق فمشى إليه الحسين عليه السلام و معه حبيب ابن مظاهر.

    فقال له الحسين عليه السلام: رحمك الله يا مسلم فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا.

    و دنا منه حبيب رضي الله عنه و قال: عز علي مصرعك يا اخي يا مسلم أبشر بالجنة.

    فقال له مسلم: قولا ضعيفا: بشرك الله بخير.

    ثم قال له حبيب: لو لا أعلم أنني في الأثر لأحببت أن توصي إلي بكل ما أهمك.

    فقال له مسلم: فإني أوصيك بهذا – و أشار بيده إلى الحسين عليه السلام – قاتل دونه حتى تموت.

    فقال له حبيب: لأنعمنك عينا، ثم مات رضوان الله عليه.

    إلى أن [قال]: و حضرت صلاة الظهر فأمر الحسين عليه السلام زهير ابن القين و سعيد ابن عبد الله الحنفي أن يتقدما أمامه بنصف من تخلف معه ثم صلى بهم صلاة الخوف فوصل إلى الحسين سهم فتقدم سعيد ابن عبد الله الحنفي يقيه بنفسه ما زال و لا تخطى حتى سقط إلى الأرض و هو يقول:

    اللهم العنهم لعن عاد و ثمود.

    اللهم أبلغ نبيك عني السلام و أبلغه ما لقيت من ألم الجراح فإني أردت ثوابك في نصر ذّرية نبيك.

    ثم قضى نحبه فوجد به ثلاثة عشرة سهما سوى ما به من ضرب السيوف و طعن الرماح.

    [قال]: و تقدم سويد ابن عمرو ابن أبي المطاع و كان شريفا كثير الصلاة فقاتل قتال الأسد الباسل، و بالغ في الصبر على الخطب النازل حتى سقط بين القتلى و قد أثخن بالجراح فلم يزل كذلك و ليس به حراك حتى سمعهم يقولون:

    قتل الحسين عليه السلام فتحامل و أخرج سكينا و جعل يقاتل بها حتى قتل ...

    و جعل أصحاب الحسين عليه السلام يسارعون إلى القتال بين يديه فكانوا كما قيل:

    قـــــــــــوم إذا نودوا لدفع ملــمة و الخيل بين مدعس و مكردس
    لبسوا القلوب على الدروع كانهم يتـــهافتون على ذهاب الأنفس

    الطريق إلى شلالات شيص

  12. #12
    عضو ذهبي الصورة الرمزية أبو سلطان
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    الدولة
    UAE
    المشاركات
    1,674
    شكراً
    0
    تم شكره مرة واحدة في مشاركة واحدة
    معدل تقييم المستوى
    2823

    رد: من كتاب المجالس الفاخرة :: حسيني

    (10)


    لما زحف القوم نحو الحسين عليه السلام و طلب العباس منهم تأجيل القتال إلى غد، أمر الحسين عليه السلام أصحابه أن يقربوا بيوتهم، و يدخلوا الأطناب بعضها ببعض، و يكونوا أمام البيوت فيستقبلوا القوم من وجه واحد، و البيوت من ورائهم و عن أيمانهم و شمائلهم.

    و قام الحسين عليه السلام و أصحابه الليل كله يصلون و يستغفرون و يدعون و يتضرعون و باتوا و لهم دوي كدوي النحل، ما بين قائم و قاعد و راكع و ساجد فعبر عليهم في تلك الليلة من عسكر ابن زياد اثنان و ثلاثون رجلا.

    و لما ضيقوا على الحسين عليه السلام و نال منه و من أصحابه العطش قام و اتكأ على قائم سيفه، و نادى بأعلى صوته فقال:

    أنشدكم الله هل تعرفوني؟

    قالوا: نعم أنت ابن رسول الله و سبطه.

    قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن جدي رسول الله؟

    قالوا: اللهم نعم.

    قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن أمي فاطمة بنت محمد صلى الله عليه و آله؟

    قالوا: اللهم نعم.

    قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن أبي علي ابن أبي طالب؟

    قالوا: اللهم نعم.

    قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن جدتي خديجة بنت خويلد أول نساء هذه الأمة إسلاما.

    قالوا: اللهم نعم.

    قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن جعفر الطيار في الجنة عمي؟

    قالوا اللهم نعم.

    قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن هذا سيف رسول الله أنا متقلده؟

    قالوا: اللهم نعم.

    قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن هذه عمامة رسول الله صلى الله عليه و آله أنا لابسها؟

    قالوا: اللهم نعم.

    قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن عليا عليه السلام كان أول القوم إسلاما و أعلمهم علما و أعظمهم حلما و أنه ولي كل مؤمن و مؤمنة.

    قالوا: اللهم نعم.

    قال: فيما تستحلون دمي و أبي الذائد عن الحوض يذود عنه رجالا كما يذاد البعير الصادر عن الماء، و لواء الحمد بيد أبي يوم القيامة.

    قالوا: اللهم نعم.

    قالوا: قد علمنا ذلك كله و نحن غير تاركيك حتى تذوق الموت عطشا.

    فلما خطب هذه الخطبة و سمع بناته و أخته زينب كلامه بكين و نادين و لطمن الخدود و ارتفعت أصواتهم، فوجه إليهن أخاه العباس عليه السلام و عليا ابنه و قال لهما: سكناهن فلعمري ليكثر بكائهن.

    فلما لم يبقى معه سوى أهل بيته خرج علي ابن الحسين عليه السلام و كان من أصبح الناس وجها و أحسنهم خلقا فاستأذن أباه في القتال فأذن له ثم نظر إليه نظرة آيس منه و أرخى عينيه بالدموع و بكى، ثم قال:

    اللهم اشهد فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا و خلقا و منطقا برسولك و كنا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا إليه فصاح و قال:

    يا بن سعد قطع الله رحمك كما قطعت رحمي.

    فتقدم نحو القوم و قاتل قتالا شديدا و قتل جمعا كثيرا، ثم رجع إلى أبيه و قال:

    يا أبه العطش قد قتلني و ثقل الحديد قد أجهدني فهل إلى شربة ماء من سبيل أتقوى بها على الأعداء.

    فبكى الحسين عليه السلام و قال: وا غوثاه يا بني من أين آتي لك بالماء؟

    قاتل قليلا فما أسرع ما تلقى جدك محمد صلى الله عليه و آله فيسقيك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا.

    فرجع إلى موقف النزال و قاتل أعظم قتال فرماه منقذ بن مرة العبدي بسهم فصرعه فنادى:

    يا أبتاه عليك مني السلام هذا جدي يقرأك السلام و يقول لك: عجل القدوم إلينا، ثم شهق شهقة فمات عليه السلام.

    فجاء الحسين عليه السلام حتى وقف عليه و وضع خده على خده و قال:

    قتل الله قوما قتلوك يا بني ما أجرأهم على الله و على انتهاك حرمة الرسول، على الدنيا بعدك العفا.

    [قال]: و خرجت زينب بنت علي عليهما السلام تنادي: يا حبيباه يا بن أخاه و جاءت فانكبت عليه، فجاء الحسين عليه السلام فأخذها و ردها إلى النساء.

    ثم جعل أهل بيته يخرج منهم الرجل بعد الرجل حتى قتل القوم منهم جماعة.

    فصاح الحسين عليه السلام في تلك الحال: صبرا يا بني عمومتي صبرا يا أهل بيتي فو الله لا رأيتم هوانا بعد هذا اليوم أبدا.

    قال: و خرج غلام كأن وجهه شقة قمر فجعل يقاتل فضربه ابن فضيل الأزدي على رأسه ففلقه فوقع الغلام لوجهه.

    و صاح: يا عماه!

    فجلس الحسين كما يجلس الصقر، ثم شد شدة ليث أغضب، فضرب ابن فضيل بالسيف فأنقاها بالساعد فأطنه من لدن المفرق فصاح صيحة سمعه أهل العسكر، و حمل أهل الكوفة ليستنقذوه فوطأته الخيل حتى هلك.

    [قال]: ثم قام الحسين على رأس الغلام و هو يفحص برجليه و الحسين يقول: بعدا لقوم قتلوك، و من خصمهم يوم القيامة جدك و أبوك، ثم قال: عز و الله على عمك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك فلا ينفعك، صوت و الله كثر واتره و قل ناصره.

    ثم حمل عليه السلام الغلام على صدره حتى ألقاه بين القتلى من أهل بيته.

    و لما رأى الحسين عليه السلام مصارع فتيانه و أحبته عزم على لقاء القوم بمهجته الشريفة و نادى:

    هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله صلى الله عليه و آله؟

    هل من موحد يخاف الله فينا؟

    هل من مغيث يرجو الله بإغاثتنا؟

    هل من معين يرجو الله في إعانتنا؟

    فارتفعت أصوات النساء بالعويل، فتقدم إلى باب الخيمة و قال لزينب عليها السلام:

    ناوليني ولدي الصغير حتى أودعه، فأخذه و أومأ إليه ليقبله فرماه حرملة ابن كاهل بسهم فوقع في نحره فذبحه.

    فقال لزينب: خديه، ثم تلقى الدم بكفيه فلما امتلأتا رمى بالدم نحو السماء ثم قال:

    هون علي ما نزل بي إنه بعين الله تعالى.

    [قال الباقر عليه السلام]: فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض.

    [قال الراوي]: و اشتد العطش بالحسين عليه السلام فركب المسنات يريد الفرات و العباس أخوه بين يديه فاعترضته خيل ابن سعد فرمى رجل من بني دارم الحسين عليه السلام بسهم فأثبته في حنكه الشريف فانتزع السهم و بسط يديه تحت حنكه حتى امتلأت راحتاه من الدم ثم رما به و قال:

    اللهم إني أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيك، ثم إنهم اقتطعوا العباس عنه و أحاطوا به من كل جانب حتى قتلوه قدس الله روحه، فبكى الحسين عليه السلام لقتله بكاءا شديدا، و في ذلك يقول الشاعر:


    أحق الناس أن يبكي عليه فتى أبكى الحسين بكـــربلاء


    أخوه و ابن والده عـــــلي أبو الفضل المضرج بالدماء


    و من واساه لا يثنيه شيء و جاد له على عطش بماء


    ثم إن الحسين عليه السلام دعا الناس إلى البراز فلم يزل يقتل كل من برز إليه حتى قتل مقتلة عظيمة و هو في ذلك يقول:


    القتل أولى من ركوب العار و العار أولى من دخول النار


    قال بعض الروات: فو الله ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده و أهل بيته و أصحابه أربط جاشا منه و إن كانت الرجال لتشد عليه فيشد عليها بسيفه فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب و لقد كان يحمل فيهم و قد تكفلوا ثلاثين ألف فينهزمون بين يديه و كأنهم الجراد المنتشر، ثم يرجع إلى مركزه و هو يقول: لا حول و لا قوة إلا بالله.

    [قال الراوي]: و لم يزل يقاتلهم حتى حالوا بينه و بين رحله فصاح:

    ويلكم يا شيعة أبي سفيان إن لم يكن لكم دين و كنتم لا تخافون الميعاد فكونوا أحرارا في دنياكم هذه، و ارجعوا إلي أحاسبكم إن كنتم عربا كما تزعمون.

    [قال]: فناداه شمر: ما تقول يا بن فاطمة؟

    [فقال]: أقول إني أقاتلكم و تقاتلوني و النساء ليس عليهن جناح فامنعوا عتاتكم و جهالكم و أطفالكم و طغاتكم من التعرض لحرمي ما دمت حيا.

    فقال شمر: لك ذلك يا بن فاطمة.

    فقصدوه بالحرب فجعل يحمل عليهم و يحملون عليه و هو في ذلك يطلب شربة من ماء فلا يجد، حتى أصابه إثنان و سبعون جراحة، فوقف يستريح ساعة و قد ضعف عن القتال فبينا هو واقف إذ أتاه حجر فوقع على جبهته، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن جبهته فأتاه سهم مسموم له ثلاث شعب فوقع على قلبه فقال:

    بسم الله و بالله و على ملة رسول الله.

    ثم رفع رأسه و قال: إلهي أنت تعلم أنهم يقتلون رجلا ليس على وجه الأرض ابن بنت نبي غيره، ثم أخذ السهم فأخرجه من وراء ظهره فانبعث الدم كأنه ميزاب فضعف عن القتال و وقف.

    فكلما أتاه رجل انصرف عنه كراهة أن يلقى الله بدمه، حتى جاءه رجل من كنده يقال له مالك ابن النسر فشتم الحسين عليه السلام و ضربه على رأسه الشريف بالسيف فقطع البرنس و وصل السيف إلى رأسه فامتلأ البرنس دما.

    [قال الراوي]: فاستدعى الحسين عليه السلام بخرقة فشد بها رأسه، و استدعى بقلنسوة فلبسها و اعتم عليها، فلبثوا هنيئة ثم عادوا إليه و أحاطوا به.

    فخرج عبد الله ابن الحسن ابن علي و هو غلام لم يراهق من عند النساء يشتد حتى و قف إلى جنب الحسين عليه السلام فلحقته زينب عليها السلام لتحبسه فأبى و امتنع امتناعا شديدا فقال:

    لا و الله لا أفارق عمي.

    فأهوى بحجر بن كعب [و قيل] حرملة بن كاهل إلى الحسين عليه السلام بالسيف، قال له الغلام: ويلك يابن الخبيثة أتقتل عمي فضربه بالسيف فاتقاها الغلام بيده فأطنها إلى الجلد فإذا هي معلقة.

    فنادى الغلام يا عماه!

    فأخذه الحسين و ضمه إليه و قال: يابن أخي اصبر على ما نزل بك و احتسب في ذلك الخير فإن الله يلحقك بآبائك الصالحين.

    [قال الراوي] فرماه حرملة بن كاهل بسهم فذبحه و هو في حجر عمه الحسين عليه السلام.

    و لما أثخن الحسين عليه السلام بالجراح و بقي كالقنفذ طعنه صالح بن وهب المري على خاصرته فسقط الحسين عليه السلام عن فرسه إلى الأرض على خده الأيمن و هو يقول:

    بسم الله و بالله و على ملة رسول الله.

    و خرجت زينب من باب الفسطاط و هي تنادي: وا أخاه وا سيداه وا أهل بيتاه ليت السماء أطبقت على الأرض و ليت الجبال تدكدكت على السهل,


    يا رسول الله لو عايـــــــنتهم و هم ما بـــــين قتل و سبا


    من رميض يمنع الضل و من عاطش يسقي أنابيب القنا


    جزروا جزر الأضــاحي نسله ثم ساقوا أهله سوق الأمـا


    قتلوه بعد علم منـــــــــــــــهم أنه خامس أصحاب الكسا


    ليس هذا لرسول الله يـــــــــا أمة الطغيان و الكــفر جزا

    تمت

    الطريق إلى شلالات شيص

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. زينة المجالس
    بواسطة سيد جلال الحسيني في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 421
    آخر مشاركة: 04-18-2012, 04:20 AM
  2. كتاب سليم بن قيس الهلالي- اول كتاب في الاسلام
    بواسطة سيد جلال الحسيني في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 09-07-2008, 10:14 PM
  3. حلى كرات الشوكو الفاخرة بخطوات مصورة
    بواسطة اسيرة شوق في المنتدى مالذ وطاب في فن الاطباق
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 01-29-2008, 10:14 PM
  4. إقامة المجالس ( 1 محرم )
    بواسطة بنوتة توتة في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 02-12-2005, 08:46 AM
  5. إقامة المجالس ( 1 محرم )
    بواسطة بنوتة توتة في المنتدى المنتدى العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 02-10-2005, 10:59 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •