أقسام الصبر
عن عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ الْيَمَانِيُّ يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إِلَى عَلِيٍّ ( عليه السَّلام ) قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) : " الصَّبْرُ ثَلَاثَةٌ صَبْرٌ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ وَ صَبْرٌ عَلَى الطَّاعَةِ وَ صَبْرٌ عَنِ الْمَعْصِيَةِ فَمَنْ صَبَرَ عَلَى الْمُصِيبَةِ حَتَّى يَرُدَّهَا بِحُسْنِ عَزَائِهَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ ثَلَاثَمِائَةِ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ الدَّرَجَةِ إِلَى الدَّرَجَةِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ وَ مَنْ صَبَرَ عَلَى الطَّاعَةِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ سِتَّمِائَةِ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ الدَّرَجَةِ إِلَى الدَّرَجَةِ كَمَا بَيْنَ تُخُومِ الْأَرْضِ إِلَى الْعَرْشِ وَ مَنْ صَبَرَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ تِسْعَمِائَةِ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ الدَّرَجَةِ إِلَى الدَّرَجَةِ كَمَا بَيْنَ تُخُومِ الْأَرْضِ إِلَى مُنْتَهَى الْعَرْشِ " [1] .
نصيحة للخطباء
عن النبي ( صلى الله عليه و آله ) أن موسى ( عليه السَّلام ) لقي الخضر ( عليه السَّلام ) فقال أوصني .
فقال الخضر : يا طالب العلم إن القائل أقل ملالة من المستمع فلا تمل جلساءك إذا حدثتهم و اعلم أن قلبك وعاء فانظر ما ذا تحشو به وعاءك و اعرف الدنيا و انبذها وراءك فإنها ليست لك بدار و لا لك فيها محل قرار و إنها جعلت بلغة للعباد ليتزودوا منها للمعاد يا موسى وطن نفسك على الصبر تلق الحلم و أشعر قلبك التقوى تنل العلم و رض نفسك على الصبر تخلص من الإثم يا موسى تفرغ للعلم إن كنت تريده فإنما العلم لمن تفرغ له و لا تكونن مكثارا بالمنطق مهذارا إن كثرة المنطق تشين العلماء و تبدي مساوئ السخفاء و لكن عليك بذي اقتصاد فإن ذلك من التوفيق و السداد و أعرض عن الجمال و احلم عن السفهاء فإن ذلك فضل ألح لماء و زين العلماء إذا شتمك الجاهل فاسكت عنه سلما و جانبه حزما فإن ما بقي من جهله عليك و شتمه إياك أكثر يا ابن عمران لا تفتحن بابا لا تدري ما غلقه و لا تغلقن بابا لا تدري ما فتحه يا ابن عمران من لا تنتهي عن الدنيا أهمته و لا تنقضي فيها رغبته كيف يكون عابدا من يحقر حاله و يتهم الله بما قضى له كيف يكون زاهدا يا موسى تعلم ما تعلم لتعمل به و لا تعلمه لتحدث به فيكون عليك بور و يكون على غيرك نوره [2] .
نصرة الحق باللسان
حجَّ هشام بن عبد الملك في أيام أبيه عبد الملك بن مران فطاف بالكعبة المشرفة ، فلما أراد أن يستلم الحجر الأسود لم يتمكن بسبب الزحام ، وكان أهل الشام حوله ، وبينما هو كذلك إذ أقبل الأمام علي بن الحسين ( عليه السَّلام ) ، فلما دنا من الحجر ليستلم تنحى عنه الناس إجلالاً له وهيبةً واحتراماً حتى استلم الحجر بسهولة ويسر ، وهشام وأصحابه ينظرون والغيظ والحسد قد أخذ منهم مأخذاً عظيماً .
فقال رجل من الشاميين لهشام : من هذا الذي هابه الناس هذه الهيبة ؟
فقال هشام ـ كذباً ـ : لا أعرفه .
فسمع الفرز دق [3] ذلك ـ وكان حاضراً ـ فاندفع وقال : أنا أعرفه ، ثم أنشد قصيدته الرائعة و هي :
القصيدة الفرزدقيّة العلويّة [4]
هذَا ابْنُ خَيْرِ عِبادِاللَّهِ كُلِّهِمُ * هذَا التَّقِيُّ النَّقِيُّ الطّاهِرُ الْعَلَمُ
هذَا ابْنُ فاطِمَةَ إِنْ كُنْتَ جاهِلَهُ * بِجَدِّهِ أنْبِياءُاللَّهِ قَدْ خُتِموا
هذَا الَّذي تَعْرِفُ الْبَطْحاءُ وَطْأَتَهُ * وَالْبَيْتُ يَعْرِفُهُ وَالْحِلُّ وَالْحَرَمُ
مَنْ جَدُّهُ دانَ فَضْلُ الْأَنْبِياءِ لَهُ * وَفَضْلُ أُمَّتِهِ دانَتْ لَهُ الْأُمَمُ
وَ لَيْسَ قَوْلُكَ مَنْ هذا بِضائِرِهِ * ألْعُرْبُ تَعْرِفُ مَنْ أنْكَرْتَ وَالْعَجَمُ
أللَّهُ شَرَّفَهُ قِدْماً وَفَضَّلَهُ * جَرى بِذاكَ لَهُ فِي لَوْحِهِ القَلَمُ
مُشْتَقَّةٌ مِنْ رَسولِ اللَّهِ نَبْعَتُهُ * طابَتْ عَناصِرُهُ وَالخِيمُ وَالشِّيَمُ
يَنْشَقُّ ثَوْبُ‏الدُّجى عَنْ نورِ غُرَّتِهِ * كاَلشَّمْسِ يَنْجابُ عَنْ إِشْراقِهَا الْقَتَمُ
إِذا رَأَتْهُ قُرَيْشٌ قالَ قائِلُها * إِلى مَكارِمِ هذا يَنْتَهي الْكَرَمُ
يُغْضِي حَياءً وَيُغْضي مِنْ مَهابَتِهِ * فَما يُكَلَّمُ إِلاّ حِينَ يَبْتَسِمُ
يَكادُ يُمْسِكُهُ عِرفانَ راحَتِهِ * رُكْنُ الْحَطِيمِ إِذا ما جاءَ يَسْتَلِمُ
كِلْتا يَدَيْهِ غِياثٌ عَمَّ نَفْعُهُما * يَسْتَوْكِفانِ وَلا يَعْروُهُمَا الْعَدَمُ
سَهْلُ الْخَلِيقَةِ لا تُخْشى بَوادِرُهُ * يُزِينُهُ إِثْنانِ حُسْنُ الْخُلْقِ وَالْكَرَمُ
حَمّالُ أَثْقالِ أَقْوامٍ إِذا فُدِحوا * حُلْوُ الشَّمائلِ تَحْلوُ عِنْدَهُ نَعَمُ
لا يُخْلِفُ الْوَعْدَ مَيْمُونٌ نَقيبَتُهُ * رَحْبُ الْفِناءِ أَريبٌ حِينَ يَعْتَزِمُ
عَمَّ الْبَرِيَّةَ بِالْإِحْسانِ فَانْقَشَعَتْ * عَنْهاَ الغَيابَةُ وَالْإِمْلاقُ وَ الْعَدَمُ
يُنْمى إِلى ذُرْوَةِ الْعِزِّ الَّتي قَصُرَتْ * عَنْ نَّيْلِها عَرَبُ الْإِسْلامِ وَالْعَجَمُ
مِنْ مَعْشَرٍ حُبُّهُمْ دينٌ وَ بُغْضُهُمُ * كُفْرٌ وَ قُرْبُهُمُ مَنْجى وَمُعْتَصَمُ
إِنْ عُدَّ أَهْلُ التُّقى كانوا أَئِمَّتَهُمْ * أَوْ قِيلَ مَنْ خَيْرُ أَهْلِ‏الْأرْضِ‏قِيلَ هُمُ
لا يَسْتَطِيعُ جَوادٌ بُعْدَ غايَتِهِمْ * وَلايُدانِيِهِمُ قَوْمٌ وَ إِنْ كَرُموا
هُمُ الْغُيوثُ إِذا ما أَزْمَةٌ أَزَمَتْ * وَالْأُسْدُ أُسْدُ الشَّرى وَالْبَأْسُ مُحْتَدِمُ
لا يَقْبِضُ الْعُسْرُ بَسْطاً مِنْ أَكُفِّهِمُ * سِيِّانَ ذلكَ إِنْ أَثْرَوْا وَ إِنْ عَدِموا
يُسْتَدْفَعُ السُّوءُ وَالْبَلْوى بِحُبِّهِمُ * ويُسْتَرَبُّ بِهِ الْإِحْسانُ وَالنِّعَمُ
مُقَدَّمٌ بَعْدَ ذِكْرِ اللَّهِ ذِكْرُهُمُ * في كُلِّ بَدْءٍ وَ مَخْتومٍ بِهِ الْكَلِمُ
يَأْبى لَهُمْ أَنْ يَحِلَّ الذَمُّ ساحَتَهُمْ * خِيمٌ كرِيمٌ وَ أَيْدٍ بِالنَّدى هُضُمُ
أَيُّ الْخَلائِقِ لَيْسَتْ في رِقابِهِمُ * لِأَوَّلِيَّةِ هذا أَوْلَهُ نَعَمُ
مَنْ يَعْرِفِ اللَّهَ يَعْرِفْ أَوَّلِيَّةَ ذا * فَالدِّينُ مِنْ بَيْتِ هذا نالَهُ الْأُمَمُ [5]
ثم قال الفرز دق هذا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب .
فثار هشام و أمر باعتقال الفرز دق ، فاعتقل واودع في سجون عسفان [6] ، وبلغ ذلك الإمام زين العابدين ( عليه السَّلام ) فبعث إليه بإثنى عشر ألف درهم ، فردها الفرز دق ، وقال : إني لم أقل ما قلت إلا غضباً لله ولرسوله ، ولا آخذ على طاعة الله أجراً ، فأعادها الإمام ( عليه السَّلام ) وأرسل إليه : نحن أهل بيت لا يعود إلينا ما اعطينا ، فقبلها الفرز دق .
الصدقة أفضل أم القرض
قال الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) :
مكتوبٌ على باب الجنة : الصّدقةُ بعشرَةٍ والقرضُ بثمانيةَ عشرَ ، إنما صارَ القرضُ أفضلَ من الصّدقة لأنّ المستقرِضَ لايستقرضُ إلاّ من حاجةٍ ، و قد يطلبُ الصّدقةَ مَن لا يحتاجُ إليها [7] .
دور الأمل في حياة الإنسان
قيل : بينما عيسى بن مريم ( عليه السَّلام ) جالس و شيخ يعمل بمسحاة و يثير الأرض .
فقال عيسى ( عليه السَّلام ) : اللهم انزع منه الأمل .
فوضع الشيخ المسحاة و اضطجع ، فلبث ساعة .
فقال عيسى : اللهم أردد إليه الأمل .
فقام فجعل يعمل .
فسأله عيسى عن ذلك .
فقال : بينما أنا أعمل إذ قالت لي نفسي : إلى متى تعمل و أنت شيخ كبير ؟ فألقيت المسحاة و أضطجعت ، ثم قالت لي نفسي : و الله لا بدَّ لك من عيش ما بقيت ، فقمت إلى مسحاتي .

مركز الإشعاع الإسلامي للدراسات و البحوث الإسلامية
http://www.islam4u.com