الحلقة الثالثة
سيدتى..

إن قصة زواجى ما هى إلا مأساة حقيقية. ليست مأساة لى.. ولكنها مأساة لطفل لا ذنب له فى الحياة إلا أن شخصين أتيا به إليها دون علم ولا موافقة منه. قصتى باختصار أننى تزوجت فتاة اختارتها لى والدتى. يعنى كان المفروض أن تكون بنت حلال .. ولكن اتضح العكس. فبعد أن رزقنا بطفلنا الجميل وبعد أن بلغ عامه الأول فوجئت بها تتبدل تماما.. تعرفت على شلة صديقات أغنى منا بكثير. و أصبحت تطلعاتها المادية الحديث الأوحد بيننا. ولما استيقنت من أن مستوانا المادى لن يرتفع كثيرا عما هو عليه .. ولن يصل قطعا لمستوى أى من صديقاتها طلبت الطلاق. ولأن كرامتى فوق كل شئ طلقتها. وما لبثت أن تعرفت على شاب شديد الثراء وسافرت معه إلى بلاد بعيدة. وظللت أنا مع وحيدى ألازمه فى كل شئ، كنت له الأب والأم والدادة بالطبع. أحبه أكثر من أى شئ فى الحياة .. وهو أيضا متعلق بى جدا. وهبته كل حياتى. وبعد أن بلغ الثامنة. أى بعد مضى سبع سنوات على هجر أمه له فوجئت باتصال هاتفى منها. لقد عادت وتريد أن ترى الولد. وعندما أبلغته كان رده الحاسم بالرفض التام حتى لسماع إسمها.
أنا لم أفعل أو أقل أى شئ يجعله يكرهها كل ما يعرفه عن طلاقنا أننا لم نسترح سويا فانفصلنا وصار لكل حياته. وعندما كان يسأل وهو صغير لماذا لا تسأل عنه كنت أقول له إنها أكيد مشغولة. ولكن يبدو أن الأطفال لديهم ردارا يميز كذبنا بدقة شديدة. فحيلى كلها لإقناعه بأن عدم سؤالها عنه كان رغما عنها لم تفلح فى إقناعه. لقد كرهها الولد فعلا لأنها تخلت عنه كل تلك السنين، وربما أيضا لأنها لم تطالب بحضانته كما تفعل الكثير من الأمهات. فمجرد المطالبة بها تدل على اهتمامها بأن يكون قريبا منها. هكذا قال لى صغيرى الحكيم.
عندها شعرت بشدة الندم على هذا الزواج. أنا أحب صغيرى هذا أكثر من أى شئ فى الدنيا، ولكنى بالفعل أسأت اختيار أمه. ولكنى كنت قليل الخبرة بعالم النساء، والمنطق يقول إن أمى ستختار لى بلا شك فتاة فاضلة لأتزوجها. ولكن يبدو أن أمى نفسها انخدعت بمظهرها. أو ربما لم تكن تعرف تأثير شلة السوء عليها والذى لم يكن قد بدأ بالطبع عند زواجنا.
أنا فعلا نادم على كل الألم والتدمير النفسى الذى أصبت به ابنى الذى لا ذنب له إلا أننى أسأت اختيار أمه.


صديقى..

من حق أبناءنا الذين لم يأتوا بعد أن نحسن اختيار الطرف الآخر لهم (الأب أو الأم). وحسن الاختيار يحتاج للخبرة فى الحياة. ولا أعتقد أن أمك أخطأت وإنما الخطأ خطؤك أنت لأنك كنت قليل الخبرة كما قلت. فبعض الخبرة كانت بلا شك كفيلة بأن تكفيك هذا الاختيار الذى ندمت عليه. على أى حال لا تحمل نفسك أكثر مما تطيق. فحالة ابنك ليست فريدة فى أيامنا هذه. المهم فى الأمر ألا تجعله يكره النساء عموما. ونصيحتى أن تعرضه بين الحين والآخر على محلل نفسى.. ليس لأنه مريض ولكن لأنه حالة خاصة تحتاج إلى محلل نفسى ليعرف تأثير هذا الوضع على ابنك وبالتالى يساعدك ويساعده على التعامل الأمثل معه حتى لا تتسبب له هذه التجربة المبكرة فى حياته فى مشاكل قد لا تعرفها إلا بعد عشرين سنة وربما أكثر.