مزارع القطيف المهجورة تتحول إلى مأوى للمخالفين والمطلوبين ومروجي الممنوعات

**سعيد درويش** · 02-06-2007, 08:55 PM

الأهالي يطالبون بإعداد دراسة تطويرية وتكثيف الرقابة عليها
مزارع القطيف المهجورة تتحول إلى مأوى للمخالفين والمطلوبين ومروجي الممنوعات

القطيف: سفر العزمان
لم يكن يتوقع أصحاب مزارع القطيف والتي هجر بعضها أصحابها منذ عشرات السنين أن تتحول مزارعهم المنتجة للمحاصيل الزراعية والتمور إلى بيئة خصبة يستغلها ضعاف النفوس كمكان لإيواء المخالفين والمشبوهين ويحولونها إلى مصانع للخمور والترويج للممنوعات ومستودع للأسلحة دون أن يعوا ما تشكله لهم من مخاطر.
وطالب بعض الأهالي في وقت سابق وزارة الزراعة بالحد من إزالة مزارعهم وإيجاد دراسة تطويرية تساهم في الحفاظ على هذه الثروة كما طالبوا الجهات الأمنية بتكثيف الرقابة الأمنية على هذه المزارع والتي أخذت تشكل لهم منحنى خطرا عليهم وعلى أسرهم مشيرين في مطالبتهم للمسؤولين عما يعانون منه من استخدام بعض الشباب والأحداث للأسلحة غير المرخصة وكذلك كثرة المتعاطين والمروجين للسموم التي تفتك بأبنائهم وخروج البعض منهم عن التحلي بالآداب الشرعية مؤكدين تعاونهم مع رجال الأمن والإبلاغ عن كل ما يخل بأمن وممتلكات هذا الوطن.وأشار المواطن حسين الجمعان في حديثه لـ"الوطن" إلى ما كانت عليه مزارع القطيف قبل عشرات السنين من مزارع منتجة للأطنان من التمور والفواكه والحبوب قبل أن تتحول إلى أماكن يستغلها بعض ضعاف النفوس لموقعها وتأجيرها بمبالغ زهيدة إلى عمالة مخالفة لأنظمة الإقامة والتي حولتها إلى مصانع للخمور وترويج للمخدرات ومأوى لهم.
وحمل الجمعان المسؤولين في وزارة الزراعة مسؤولية ذلك معتبراً أنهم هم من تسببوا في عزوف الكثير من الأهالي عن استمرار الزراعة في مزارعهم حتى إن الكثير منها ماتت ويبست وأصبحت تدكها الشيولات وتحولها إلى مناطق عمرانية للباحثين عن الربح السريع من أصحاب العقار.وطالب الجمعان المجلس البلدي في محافظة القطيف بالنظر فيما يجري للنخيل في محافظة القطيف من اجتثاث وتقطيع وتغيير والعمل على إيقاف ذلك للحفاظ على هذه الثروة.
أما مهدي الحريري فيقول كانت مزارع القطيف تعتبر من أفضل المزارع في الإنتاج وتنافس العديد من المناطق في منتجاتها أما اليوم فنجد البعض من أصحابها هجرها والبعض الآخر ولى مهامها لعمالة مخالفة حتى أصبحت تشكل خطراً على أهالي المحافظة.
مستشهداً الحريري على العديد من المزارع والتي استخدمها البعض من ضعاف النفوس في ارتكاب بعض الأمور المنافية للآداب والبعض الآخر حول مجاري الري بها إلى مجرى لصنع الخمور وآخرون حولوها لمستودع للذخيرة وترويج المخدرات.
وناشد الحريري بتدخل الجهات المعنية والعمل على دراسة تطوير هذه المزارع بكل ما يحفظ لأهالي المحافظة تراثها والعمل على إنزال أشد العقوبات بحق من يسعى إلى هدمها ويستغلها في أمور غير الأمور التي أوجدت من أجلها منذ عشرات السنين.
أما المواطن حسين العبدالكريم فتحدث عن هجر العديد من أهالي المحافظة لتلك المزارع حتى إن البعض منها أصبحت مأوى للمخالفين بعد أن كانت تنتج أطنان التمور والعديد من أصناف الفواكه والخضار ذات المذاق الرائع.
وأشار العبدالكريم إلى أن هذه المزارع لها ذكرى تاريخية لا تزال راسخة في أذهان الكثير من الأهالي ولذلك نجد البعض منهم يحدد يوماً من كل أسبوع للذهاب إلى تلك المزارع للتنزه فيها برفقة العائلة وتعريفهم بالأيام الماضية وتاريخ الآباء والأجداد.
وتساءل العبدالكريم عن دور وزارة الزراعة في المحافظة على تلك المحاصيل من الهدم والإزالة وعن دور الجهات الرقابية في الحفاظ على النواحي الأمنية بها ومنع ضعاف النفوس من استغلالها مؤكداً أن الجميع مستعدون للتعاون مع الجهات المعنية للحد من ذلك.
وتجولت "الوطن" في بعض تلك المزارع حيث رصدت العديد من المواقف التي تُعيد تاريخ الأهالي وكيف أن الكثير منهم هجرها دون عودة حيث رصدت المباني القديمة التي كان يعيش فيها أهلها وأساليب الري التي كانوا يستخدمونها لري محاصيلهم، وعيون المياه التي أوشكت على الجفاف بعد أن تخلى عنها أهلها وبعض برك المياه التي كانت تستخدم في الماضي لتعلم السباحة والغوص.
كما رصدت عشرات النخيل وهي جاثمة على الأرض محترقة بعد أن أكل أهلها من خيراتها العشرات من أطنان التمور والعديد من المزارع الخاوية والتي لا تسمع فيها سوى خفافيش الظلام بعد أن كانت تكسوها خضرة الأرض وجمال المنظر، كما رصدت البعض منها وقد تحولت إلى مرمى للنفايات والبعض الآخر مسكن للمخالفين والذين لاذ بعضهم بالفرار لحظة دخولنا المزرعة خشية القبض عليهم، كما رصدت بعضاً من المواطنين برفقة عائلاتهم وهم يزورون تلك المزارع لتعريف أبنائهم بتلك المزارع وكيف كانت آباؤهم وأجدادهم يعيشون فيها.
وتواصل مسلسل المخالفات الأمنية والتي يتخذ العديد من المشبوهين المزارع ستاراً لهم بعيدا عن أعين رجال الأمن حيث ضبطت الجهات الأمنية بالمحافظة العام الماضي في إحدى مزارع بلدة العوامية التابعة للمحافظة مجموعة من الأسلحة والذخيرة تمت تخبئتها بطريقة احترافية وتم ضبط أصحابها ومصادرتها.
وفي منتصف ربيع الآخر العام الماضي ألقت السلطات الأمنية في المحافظة القبض على 92 شاباً كانوا مجتمعين في إحدى الاستراحات وكانوا يقومون بالرقص بطريقة مثيرة بحضور العديد من المدعوين في حفل صاخب اختلط بشرب الخمور وتعاطي المخدرات وبرسوم رمزية.
كما تمكن رجال الحسبة في المحافظة خلال العام نفسه من ضبط مواقع مخصصة لتصنيع الخمور داخل عدد من المزارع وفي أوقات متقاربة لم تتجاوز بضعة أيام حيث ضبطت ستة أوكار لتصنيع الخمور تديرها عمالة آسيوية وعربية استأجرت تلك المزارع وعملت على تصنيع هذه السموم وبيعها وذكر أحد المصادر في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمنطقة الشرقية لـ"الوطن" في وقت سابق أن الكمية كانت ضخمة لم تشهد المنطقة الشرقية مثل هذه الكمية وتقدر الطاقة التي يمكن للمصانع تصنيعها بـ 150 ألف لتر في حين تم إتلاف 6 آلاف لتر خمر كانت جاهزة للبيع مرجعاً المصدر ضخامة الكمية إلى أن من كانوا يديرون تصنيع الخمر كانوا يخمرون المواد في عدد من برك السباحة الضخمة جداً إضافة إلى الكمية الكبيرة التي كانت تستخدم في التصنيع والإنتاج مثل 36 أسطوانة غاز و42 موقد نار.
وأصبحت المزارع تشكل هاجساً أمنياً لدى القيادات الأمنية في المحافظة بعد أن أخذت معدلات الجرائم والتجمعات الشبابية تكثر بها مؤخراً.
وكشفت الحوادث والمضبوطات التي شهدتها بعض المزارع في ضواحي محافظة القطيف مؤخراً ضرورة إعداد الجهات الأمنية في المنطقة الشرقية لحملات تفتيشية بعد أن أصبحت ملجأ يختبئ بها المخالفون لأنظمة الإقامة والعمل وكذلك المجرمون والمروجون للخمور والمخدرات والأسلحة إضافة إلى تجمعات مشبوهة.
موقعها وحدودها
تحتل القطيف موقعا إستراتيجياً هاماً حيث تقع على خط طول (50) شرقا وخط عرض (26) شمالا, وتبعد (20) كيلومترا عن مدينة الدمام عاصمة المنطقة الشرقية وهي واحة خضراء ذات تربة زراعية مميزة. وتحيط بها غابات كثيفة من النخيل وتكثر بها العيون العذبة. ويحد القطيف من الشرق مياه الخليج العربي ومن الغرب تحدها صحراء الدهناء برمالها الصفراء التي تتخللها مرتفعات صخرية صغيرة ويقطنها أكثر من 300 ألف نسمة.
وتتألف محافظة القطيف من مدن رئيسية هي: القطيف وعنك والنابية وسيهات وصفوى ومن عدة قرى هي: الجش, أم الحمام, القديح, العوامية, جزيرة تاروت, الملاحة, حلة محيش, الجارودية, دارين، الخويلدية, التوبي, البحاري, الأوجام, وأم الساهك.
الجهات الأمنية ومتابعة الجرائم
من جهته أوضح الناطق الإعلامي بشرطة المنطقة الشرقية العقيد يوسف القحطاني لـ "الوطن" أن الجهات الأمنية تأخذ في الاعتبار ما يحدث من جرائم في المزارع المهجورة بالقطيف لكنها لا ترقى إلى أن تصل درجة الظاهرة.
وقال إن هناك حملات أمنية تتم بين الحين والآخر في تلك المزارع لتعقب المجرمين والمخالفين مضيفا أن المجرم أياً كان هدفه الإجرامي يبحث دائماً عن مكان يبتعد فيه عن الأعين لتنفيذ جريمته سواء كان ذلك المكان مزرعة أو غيرها.
ومن جهته علق مدير الإدارة العامة لشؤون الزراعة بالمنطقة الشرقية سعد المقبل لـ "الوطن" على الإجراءات التي تتخذ بحق أصحاب المزارع المهجورة قال وزارة الزراعة لا تألو جهدا في بذل كل ما من شأنه خدمة المزارعين بكافة مناطق المملكة انطلاقا من اهتمامها بالمزارع بشكل عام لحمايتها ودفع الضرر عنها مهما كان نوع ذلك الضرر.
وأضاف المقبل أن الوزارة تولي اهتماما للمزارع المهجورة أو المهملة سوى كانت لأسباب شخصية أو بيئية وقامت بالفعل بإزالة أعداد كبيرة من أشجار النخيل المهملة لكونها أصبحت مصدر ضرر وتتكاثر بها الآفات الزراعية المضرة بالإنتاج الزراعي أبرزها حشرة سوسة النخيل الحمراء.. ويتم ذلك بالتنسيق مع جهات الاختصاص.
وعن إعداد المزارع المهجورة بالقطيف ذكر المقبل أنه يصعب حصرها ولا توجد أرقام دقيقة عن أعدادها نظرا لاتساع الرقعة الزراعية التابعة لفرع وزارة الزراعة وللتغيير المستمر في الأحوال والظروف المحيطة بتلك المزارع فمنها ما وقع ضمن مراحل التخطيط العمراني وتحولت إلى أراض سكنية ومنها ما تم بيعها واستثمارها من قبل ملاك جدد قاموا بإحيائها من جديد ومنها ما تمت إزالتها وأصبحت أراضي فضاء.
وأرجع المقبل أسباب إهمال المزارعين لمزارعهم بأنها تعود إلى أمور شخصية أو بيئية فهناك بعض المزارع يهجرها أصحابها لعدم تجديد عقود الإيجار مع ملاكها أو التحاقهم بالأعمال الوظيفية سواء كانت حكومية أو قطاعا خاصا أو اختلاف الورثة في ما بينهم.
في حين تكمن الأسباب البيئية في عدم توفر الظروف المناسبة للاستمرار في الإنتاج الزراعي ومنها على سبيل المثال لا الحصر عدم صلاحية الموقع نظرا لصغر المساحة أو قربها من المناطق السكنية ورغبة مالكها في التخطيط وتحويلها من أرض زراعية إلى سكنية.