باراك أوباما في مواجهة أزمة البطالة الاميركية
شهد الاقتصاد الأميركي في الربع الثالث من العام الحالي 2009 عديدًا من المؤشرات الاقتصادية الإيجابية، في دلالة على بداية مرحلة من الانتعاش الاقتصادي وبداية الخروج من شبح الركود الاقتصادي الذي ألقى بظلاله على الاقتصاد الأميركي والعالمي منذ شهر سبتمبر من عام 2008 حتى وقتنا الراهن .
فقد أشارت الإحصاءات الرسمية الأميركية إلى تحقيق معدل نمو إيجابي في الناتج القومي الإجمالي خلال الربع الثالث من العام الحالي بمعدل وصل إلى 3.5% منهيًا بذلك فترة طويلة من الكساد الاقتصادي تجاوزت العامين شهد فيها الاقتصاد الأميركي انخفاضات متوالية في معدلات النمو الاقتصادية .
وقد تزامن ذلك مع نشر تقرير في صحيفة وول ستريت جورنال The Wall Street Journal أفادت فيه أن وزارة الخزانة الأميركية Department of the Treasury قد خفضت من حجم توقعاتها بشأن التكاليف طويلة الأجل لاعتمادات خطة الحوافز الاقتصادية البالغة نحو 787 مليار دولار بمقدار متوقع يصل إلى 200 مليار دولار وهو ما يتيح للرئيس الأميركي باراك أوباما إمكانية توجيه هذه المبالغ الإضافية نحو المشكلات الاقتصادية التي تتطلب دعمًا إضافيًا مثل مشكلات البطالة وعجز الموازنة الأميركية .
ورغم التحسن الملحوظ في مؤشرات الاقتصاد الأميركي إلا أن مشكلة البطالة ووصولها إلى معدلات قياسية تمثل التحدي الأكبر أمام إدارة الرئيس أوباما الذي صرح مؤخرًا خلال قمة الوظائف Jobs Summit في مدينة الين تاون Allentown في ولاية بنسلفانيا Pennsylvania بأنه بصدد اتخاذ مجموعة من الآليات الجديدة لخلق فرص عمل جديدة وتخفيض معدلات البطالة. يأتي ذلك في الوقت الذي أعلنت فيه وزارة العمل الأميركية The US Department of Laborعن انخفاض معدلات البطالة خلال شهر نوفمبر من العام الحالي إلى 10% من مستواها القياسي السابق خلال شهر أكتوبر والبالغ نحو 10.2%. ويناقش تقريرنا التالي أهم المؤشرات المرتبطة بأزمة البطالة، والآليات المقترحة أمام الإدارة الأميركية لتخفيض معدلاتها.
أزمة البطالة معضلة أمام إدارة أوباما
رغم اتخاذ الرئيس أوباما منذ توليه الرئاسة بداية من شهر يناير 2009، لحزمة من التدابير لمواجهة أزمة البطالة وفقدان أعداد هائلة من الوظائف المعلن عنها شهريًا من مكتب العمل الأميركي U.S. Bureau of Labor، وذلك في إطار خطة الحوافز الاقتصادية البالغ تكاليفها نحو 787 مليار دولار، وإعلانه أن الهدف الأساسي للخطة هو تحقيق انتعاش اقتصادي وخلق فرص عمل جديدة لاستيعاب ما بين 3- 4 مليون عامل، لتخفيض معدلات البطالة، وذلك من خلال سياسة توسعية قائمة على التوسع في الإنفاق الحكومي وتخفيض حجم الضرائب المفروضة على أرباب العمل والمشروعات الصغيرة وخلق وظائف جديدة في مجال تنمية مصادر الطاقة المتجددة. إلا أن هذه التدابير الاقتصادية ورغم مرور ما يزيد على عشرة شهور، لم تؤتِ بثمارها المنشودة. فمعدلات البطالة وصلت إلى معدلات قياسية جديدة ووصلت إلى نحو 10.2% خلال شهر أكتوبر من العام الحالي 2009، وهو الارتفاع الأكبر منذ ما يزيد عن 26 عامًا حينما سجلت معدلات البطالة مستوى 9.7% في عام 1982 ونحو 9.6% في عام 1983 .
ويعود السبب الرئيس لتفاقم مشكلة البطالة في الوقت الراهن بالرغم من التدابير الاقتصادية المتعددة في إطار خطة الحوافز الاقتصادية إلى استمرار تسريح الشركات الخاصة الأميركية إلى عديد من الموظفين في سبيل تخفيض حجم النفقات والتكاليف خاصة مع معاناة هذه الشركات من الركود الاقتصادي وصعوبات في عمليات التسويق وصعوبات أخرى في الحصول على التمويل اللازم للتوسع في حجم استثماراتها وخاصة في القطاع العقاري والمالي الأميركي .
وبالرغم من تحقيق عديدٍ من هذه الشركات الاستقرار الاقتصادي والمالي النسبي في الفترة الأخيرة، إلا أن المخاوف بشأن الأوضاع الاقتصادية في الآجل القصير، وقفت عائقًا أمام خلق مزيد من التوظيف وفرص العمل. واتجهت أغلب هذه الشركات إلى زيادة ساعات العمل بدلاً من التركيز على خلق فرص عمل جديدة، وهو ما دعا الرئيس أوباما إلى دعوة الشركات والمؤسسات الأميركية إلى المساعدة في التصدي لمشكلة البطالة، واعترف "بأنه رغم التحسن الاقتصادي الملحوظ فإن العديد من الشركات ما زالت تحجم عن التوظف"، وصرح أيضا موجه حديثه إلى الشركات والمؤسسات في إشارة إلى حجم الدعم المقدم في إطار خطة الحوافز الاقتصادية "دافعوا الضرائب ساندوكم لتصحيح أخطائكم عليكم الآن مسئولية مساعدة المجتمع ".
معدلات البطالة لعام 2009
يشار إلى أن مشكلة البطالة قد وصلت إلى معدلات قياسية خلال عام 2009 وارتفعت إلى معدلات قياسية بالرغم من الانخفاض التدريجي في معدلات طلبات إعانة البطالة، ومعدلات فقدان الوظائف التي شهدت تحسنًا ملموسًا خلال شهر نوفمبر ووصلت إلى نحو 11 ألف وظيفة من مستوى 111 ألف وظيفة في الشهر السابق لها.
وقد أشارت الإحصاءات الصادرة مؤخرًا عن مكتب العمل الأميركي إلى انخفاض معدل البطالة إلى نحو 10% في شهر نوفمبر 2009 وذلك من مستوى 10.2% خلال شهر أكتوبر من العام ذاته، وأن معدل ساعات العمل الأسبوعية قد ارتفع بشكل طفيف من 33 ساعة أسبوعيًا إلى نحو 33.2 ساعة، وأن متوسط الدخل في الساعة قد ارتفع من 18.73 دولارًا/ساعة في شهر أكتوبر إلى نحو 18.74 دولارًا/الساعة في شهر نوفمبر 2009 .
وبالرغم من ارتفاع معدلات البطالة إلى نحو 10% قياسًا إلى معدلاتها قبل فترة تولي أوباما للرئاسة، إلا أن معدل فقد الوظائف الشهرية قد شهد انخفاضًا ملحوظًا في الشهور الأخيرة، وقد عزى عديدٌ من المحللين هذا الانخفاض إلى الآثار التوسعية لخطة الحوافز الاقتصادية، بينما أكد البعض الآخر من المحللين على أن هذه الآثار مؤقتة وقصيرة الأجل، وستعاود معدلات فقدان الوظائف مستوياتها العالية مرة أخرى مع زوال الآثار الإيجابية للخطة. ويؤيد عديد من الأعضاء الجمهوريين هذا الرأي ويرون أن المعدلات الإيجابية للنمو الاقتصادي التي تحققت في الربع الثالث من عام 2009 تعود إلى ارتفاع معدلات الإنفاق الاستهلاكي المسئول عمَّا يزيد عن 70% من معدلات النمو المحققة، وأن خطة الحوافز الاقتصادية فشلت في خلق فرص عمل جديدة وتسببت في تفاقم عجز الميزانية الأميركية .
وهناك اتجاه سائد في الأوساط الاقتصادية الأميركية بأن الإدارة الأميركية الحالية تتعمد تضليل الرأي العام الأميركي عبر نشر إحصاءات مضللة بشأن مستويات البطالة الحقيقية، ويرون أنها تتجاوز الإحصاءات الرسمية بمعدلات كبيرة إذا ما تمت إضافة الأعداد الهائلة من العاملين في أعمال بشكل جزئي أو من توقفوا عن البحث عن عمل جديد، ويرون أن التقديرات الحقيقية لمستويات البطالة تتجاوز 17.5% وقد تصل إلى 20% وهي مستويات تقارب المعدلات المحققة خلال فترة الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي، ومن هؤلاء الاقتصاديين، جون ويليامز John Williams في مؤسسة حكومة الظل الإحصائية Shadow Government Statistics، وتيد ماكلولين Ted McLaughlin وهو محلل اقتصادي أميركي.
وبدراسة توزيع البطالة جغرافيًا، نجد أن ولاية ميتشجان تحتل المرتبة الأولى من حيث نسبة عدد العاطلين بنسبة 15.1%، وتليها ولاية نيفادا بنسبة 13%، ثم ولاية رودأيلاند بنسبة 12.9%، ثم ولاية كاليفورنيا بنسبة 12.5%.
أما أقل الولايات من حيث نسبة عدد العاطلين، فتأتي ولاية داكوتا الشمالية في المقدمة بنسبة لا تتجاوز 4.2% تليها ولاية نبراسكا بنسبة 4.9% ثم ولاية داكوتا الجنوبية بنسبة 5% ثم ولاية مونتانا بنسبة 6.4%.
كما تشير إحصاءات مكتب العمل الأميركي إلى أنه خلال شهر نوفمبر 2009 فإن إجمالي الشركات الخاصة قد استغنت عن 18ألف وظيفة مقابل نحو 157 ألف وظيفة في شهر أكتوبر من العام ذاته، وأن قطاع الصناعة قد فقد 41 ألف وظيفة مقابل 51 ألف وظيفة في الشهر السابق له، وقطاع تجارة التجزئة فقد 15 ألف وظيفة مقابل 44ألف وظيفة في شهر أكتوبر .
أما قطاع تقديم الخدمات الأميركية فقد أضاف نحو 58 ألف وظيفة جديدة، وقطاع خدمات الأعمال أضاف نحو 86 ألف وظيفة جديدة، وقطاع الوظائف المؤقتة أضاف نحو 52 ألف وظيفة جديدة خلال شهر نوفمبر 2009.
آليات جديدة لمواجهة مشكلة البطالة
أشار الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال قمة الوظائف Jobs Summit والذي استدعى خلالها 130 من المسئولين التنفيذيين في الشركات والاقتصاديين وأصحاب الأعمال الصغيرة وزعماء النقابات إلى البيت الأبيض لحثهم نحو تسريع نمو فرص العمل خلال هذه الحالة الاقتصادية السيئة إلى أن تواجه أسواق العمل .
وقد وجه الجمهوريون انتقادات لاذعة لتحركات الرئيس أوباما الأخيرة مؤكدين على أنها خطوات سياسية لتحسن صورة الإدارة الأميركية أمام الرأي العام الأميركي نتيجة الارتفاع الكبير في معدلات البطالة وانخفاض شعبية الرئيس أوباما إلى مستويات متدنية، وألقوا باللائمة على سياسات أوباما فهم يؤكدون أن خطة الحوافز الاقتصادية والبالغ قيمتها بنحو 787 مليار دولار لتحفيز الاقتصاد قد فشلت، ويحذرون من أن الموافقة على إجراءات إصلاح الرعاية الصحية سوف تقوض الظروف الملائمة لتحقيق التقدم الاقتصادي وتعمق من الأزمة الاقتصادية . في حين أن الرئيس أوباما أكد على سعيه نحو اتخاذ مجموعة من التدابير الاقتصادية الجديدة لخلق فرص عمل جديدة، وأكد على أن تقديم حوافز ضريبية كبيرة للشركات إلى أن تقوم بخلق فرص عمل جديدة هو توجه يجب الاهتمام به، مع ضرورة التوسع في منح الإعفاءات الضريبية خاصة للمشروعات الصغيرة التي تخلق مزيدًا من فرص العمل، مشيرًا إلى ضرورة أن تقوم هذه الشركات بمسئوليتها تجاه المجتمع .
كما تضمنت الأفكار التي طرحها أوباما خلال القمة على ضرورة تقديم مساعدات مالية عاجلة إلى الولايات والمدن التي تعاني من تفاقم إعداد العاطلين ومن تباطئ اقتصادي، وذلك لمساعدتها على استيعاب هذه الأعداد وتخفيض معدلات البطالة .
وأشار أوباما أيضًا إلى إمكانية إعادة توجيه حجم من المبالغ المدرجة في خطة الحوافز الاقتصادية نحو مزيدٍ من خلق فرص العمل وتمويل القروض المتعثرة ومساعدة البنوك المتعثرة لحثها على تقديم مزيدٍ من القروض للمشروعات والشركات الصغيرة، مشيرًا إلى أن مرحلة التشديد في عمليات الإقراض كان لابد منها في وقتٍ من الأوقات والآن حان الوقت للتوسع في عمليات الإقراض خاصة الموجهة نحو تمويل المشروعات الصغيرة، يأتي ذلك بالتزامن مع إحصاءات رسمية أميركية أشارت إلى أنه يمكن توفير تكاليف طويلة الأجل قد تصل إلى 200 مليار دولار من إجمالي مخصصات خطة الحوافز الاقتصادية .
كما دعا أوباما إلى ضرورة التركيز على دعم التنافسية بين الشركات وتشجيع التوسع في الاستثمارات ودعم قطاعات التصدير بدلاً من تحقيق معدلات نمو اقتصادية إيجابية قائمة على الإنفاق الاستهلاكي .
وأكد على ضرورة الاهتمام بتنمية مصادر الطاقة المتجددة وتحسين كفاءة الطاقة في المنازل وذلك من أجل خلق فرص عمل جديدة وضرورة المضي قدمًا في السياسة التوسعية والإنفاق على البنية التحتية من أجل خلق فرص عمل جديدة، غير أن أوباما لم يحدد مبالغ محددة لتنفيذ هذه الإجراءات أو تحديد هذه الإجراءات بشكل محدد وواضح، الأمر الذي دفع عديدًا من المحللين إلى القول بأن هذه الإجراءات لم تأتِ بجديد ولا تختلف كثيرًا عن الإجراءات المعلنة في إطار خطة الحوافز الاقتصادية وأن الهدف منها سياسيًا قبل أن يكون اقتصاديًا.
المفضلات