بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على اشرف الخلق محمد وعلى اله الطبيبن الطاهرين
أراد الله سبحانه وتعالى للإنسان أن يتحرك في الإنفاق على المحتاج، حيث يقول سبحانه: {وآت ذا القربى حقّه والمسكين وابن السبيل ولا تبذّر تبذيراً* إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً}[الإسراء:26ـ27]، حيث رزقك الله مالاً، وجعله طاقة لعباده في الحياة، وقد أعطاك بعض هذه الطاقة وأراد لك أن تحركها وتقوم بمسؤوليتها في الإنفاق على من يحتاج إلى الإنفاق، بأن تنفق على ذوي القربى وعلى المسكين وابن السبيل، وأن تنفق على نفسك بشرط أن لا تبذر، فتصرف الشيء من دون فائدة وفي غير محله، ومن دون دراسة للنتائج العملية التي يمكن أن يقدمها هذا المال لحياتك ولحياة الناس.
يقول الله سبحانه وتعالى يمكنك أن تلهو بعض اللهو بوقتك لتجدد طاقتك على أن تقوم بمسؤوليتك، ولكن إياك أن تلهو بمالك وبجهدك وبثروتك كما يلهو الإنسان من دون أن يخطط للإنفاق، لأن التبذير ليس مجرد مسألة اقتصادية يعود ضررها عليك من ناحية ذاتية على أساس حالتك الاقتصادية، ولكنها مسألة تتصل بروحيتك وبانفتاحك على ربك في مسؤوليتك، لأن الله عندما أعطانا طاقاتنا، طاقة العلم، القوة، المال، حمّلنا مسؤولية هذه الطاقات بأن نصرفها في ما ينفعنا وينفع الناس وينفع الحياة، لا نبذرها ولا نتلفها، وأن لا نوجهها إلى ما يفسد الناس أو إلى ما لا ينفعهم فنكون بهذه الحال نبذل جهداً ضائعاً.
إذا كنت الإنسان المبذر فأنت الإنسان الذي يعيش أخوة الشيطان في سلوكه وفي تصرفه، لأنه عندما أنعم الله عليك بنعمة المال، فإنه أراد منك أن تشكر النعمة، وشكر النعمة ليس أن تقول بلسانك أشكر الله أو الشكر لله، بل أن شكر النعمة إنما يكون بتوجيه النعمة في خط المسؤولية التي جعلها الله على عاتقك في كل شيء، فإذا وجهت النعمة في غير الوجهة التي تنفع بها، فإنك بذلك تكون قد كفرت بنعمة الله من الناحية العملية وأي كفر للنعمة هو أعظم من أن تقتل النعمة فتجعلها شيئاً ضائعاً في الحياة.
يقول الله سبحانه وتعالى: {إن المبذرين كانوا أخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً}[الإسراء:27]، وأخوان الشياطين كالشياطين، لأنهم ينطلقون في خط الكفر لله، وكفر النعمة الذي قد يؤدي إلى كفر العقيدة وكفر العمل باعتبار أن الإنسان الذي يعيش أجواء الشيطان في موقع من المواقع، فإنه يمكن أن يجره إلى المواقع الأخرى من خلال أجواء الألفة والأخوة الشيطانية {وإما تعرضنّ عنهم ابتغاء رحمةٍ من ربّك ترجوها فقل لهما قولاً ميسوراً}[الإسراء:28]، إذا كانت المصلحة تقضي بأن تعرض عن هؤلاء المبذرين والشياطين فلا تصدهم بقوة، بل تحدث معهم بشكل ميسور لكي تبعدهم عن هذا الجو.
ويحدد الله لنا بعد ذلك طرق إنفاقنا للأموال، وقد يفكر بعض الناس بطريقة تجعله يكدّس الأموال لمواجهة الظروف الصعبة على طريقة "وفّر قرشك الأبيض ليومك الأسود"، حتى ولو احتاج الناس إلى مساعدته وعلا صراخهم من حوله، فلا يساعدهم بحجة أنه ليس رباً وإنما للناس رب خلقهم {أنطعم من لو يشاء الله أطعمه}[يس:47]، كما أن بعض الناس يعمل على صرف كل ما في جيبه اعتماداً على قول: "اصرف ما في الجيب يأتي ما في الغيب"، وهذا لا يبقي ليرة واحدة في جيبه، ولكن المعيار الصحيح لصرف المال هو أن توازن في الإنفاق، {ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط}[الإسراء:29]، أي أن لا تمنع العطاء عن الناس ولا تصرف كل ما في جيبك، بل اتخذ حداً وسطاً.
فالوسطية وخط التوازن هو أن تبقي لنفسك ما يمكن لك أن تحفظ به ظروفك الحاضرة والمستقبل القريب، وأن تعطي من نفسك ما يحتاجه الآخرون.
وقال تعالى في القرآن الكريم في آية أخرى {إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر لمن يشاء من عباده إنه كان بعباده خبيراً بصيراً}[الإسراء:30]، أي اتبع خط الله في الإنفاق والله يريد لك أن تتوازن، فلا تجعل نفسك وأولادك كلاًّ على الناس ولا تحرم الناس من عطاياك.
المفضلات