العولمة كما يراها كثير من المفكرين والكتاب : هي سيطرة وغلبة ثقافة من الثقافات على جميع الثقافات في العالم أو كما يقول البعض كونية الثقافة بغية الهيمنة وسلب خيرات الشعوب لصالح تلك الثقافة .
وبدوري أرى العولمة مرحلة جديدة تمر بها البـشرية كنتيجة حتمية لثورة الاتصالات وهي تنطوي على العديد من الســلبيات والإيجابيــات التي بدأنا نلمـسها في واقعنا بالفعل ولم تعد مجــرد توقعات، فعلى الصعيد السياسي تعاني بعض الدول من تدخل الدول الكبرى في شؤونها الداخلية بشكل سلبي يهدد سيادتها وانتماءها القومي للعمل على تقسيمها إلى دويلات وللسيطرة عليها وسلب خيراتها. أما اقتصادياً فنلاحظ انتقال الصناعات الاستهلاكية بشكل عشوائي وغير مدروس إلى الدول النامية ، والتي في حقيقتها لا تستطيع منافسة نظيرتها في الدول المتقدمة على اعتبار أن التطور الصناعي فيها يتخطاها زمنياً بسنوات، مما أدى لتلوث البيئة وانتشار المصانع مقابل انحسار الأراضي الزراعية في حين يتم احتكار الصناعات الثقيلة ( الآلات - الأسلحة – وسائل النقل) في دول معينة و بهذا نرى أن تطبيق العولمة يجري بشكل انتقائي. في المجال الثقافي تتجلى مساوئ العولمة في إعادة صياغة بعض المفاهيم بمصطلحات محدودة الرؤية والترويج لها كمبررات للسياسات الاستعمارية وما يستتبعها من حروب مدمرة ومن هذه المصطلحات (الإرهاب – السلام – الديمقراطية) وهي تبرئ الجلاد وتدين الضحايا ، ولا ننسى على الصعيد العلمي الهجرة المتزايدة لطالبي العلم إلى الدول المتطورة ومن ثم استقرارهم في تلك الدول بشكل نهائي طمعاً في فرص العمل والمناصب المغرية لتبقى أوطانهم غارقة في جهلها متناسين أحلامهم بالعودة للمساهمة في تنمية مجتمعاتهم. أما اجتماعياً فيلاحظ أثر العولمة في تعزيز أهمية الفرد على حساب الأسرة والعمل علي مسح هوية بعض المجتمعات عن طريق تصدير عادات وقيم غريبة إليها(الأزياء الغريبة التي قد لا تناسب تقاليد بعض المجتمعات- إجادة لغات أجنبية مقابل إهمال اللغة الأم - تقديس العمل مقابل إهمال الأسرة - ............) ولا ننكر هنا بعض القيم الحضارية التي تصلنا من الدول المتقدمة ولكننا للأسف لا نحاول الالتزام بها( احترام القوانين لاسيما قانون السير- الحفاظ على نظافة الشوارع والمرافق العامة- احترام الوقت........) .
ولكن دورنا ليس محاربة العولمة بل التعامل معها بحذر لنأخذ عن المجتمعات الأخرى كل ما هو نافع بما يتلاءم مع ظروفنا وقيمنا وأخلاقنا وأن نسعى ليكون لدينا بالمقابل ما نقدمه لتلك المجتمعات حتى لا تكون العولمة باتجاه واحد فقط ولا ننسى هنا إيجابيات العولمة حيث أصبحت المعلومة بكافة أشكالها( ثقافية- علمية- اقتصادية........) متاحة لكل شخص على سطح الكرة الأرضية عن طريق شبكة الانترنت والبث الفضائي مما يسمح لنا بالتعرف على الحضارات المختلفة ويسمح للشعوب الأخرى بالتعرف على حضارتنا العربية والإسلامية وبالتالي ينعكس الأمر بشكل إيجابي على قطاع السياحة في الشرق الأوسط ويساهم في تصحيح الصورة القديمة التي كرست المواطن العربي كإرهابي متخلف حيث بدأت ثقافة المقاومة بالانتشار ويتجلى ذلك في تعاطف شعوب الدول الكبرى مع قضايانا منتقدة أداء قياداتها الرعناء ومن الضروري الإشارة للدور الهام الذي تؤديه الجاليات العربية في دول الاغتراب.
كل ما ذكرته سابقاً عن العولمة هو غيض من فيض فالموضوع متشعب ومتجدد وليس من السهل اختصاره في سطور لكن المهم في النهاية هو الفهم الصحيح للعولمة بأنها كسر الحواجز دون إلغاء الخصوصية وأن نكون قادرين على التأثير الإيجابي في الآخرين كما نتأثر بهم، تماماً كما نفعل في حياتنا كأفراد عندما نتعلم ممن حولنا دون أن نقلدهم ونطور إمكاناتنا دون أن نفقد إنسانيتنا وهويتنا التي تميزنا و إلا فإن العولمة تصبح مجرد مساحيق مهمتها تجميل الوجه القبيح للاستعمار الذي لطالما عرفناه.
ولنتذكر دوماً أن التنوع ضرورة ولا معنى لحياة يسودها لون واحد و قبل أن نبحر بعيداً في العولمة يجب أن نفكر في (العوربة) كي لا نضيع في الزحام وكي لا نفقد حلمنا في إعادة بناء الدولة العربية الواحدة .
ريم منهل حــسان
المفضلات