ثم استشهدهم عن نفسه المقدّسة ، وما عليه من سيف النبي ودرعه وعمامته فأجابوه بالتصديق فسألهم عمّا أقدمهم على قتله ؟
قالوا: طاعةً للأمير عُبيدِ اللّه بن زياد !
فقال(ع ) : تبّاً لكم أيتّها الجماعَةُ وترحاً ، أحين استصرختُمونا والهين ، فأصرخناكم موجفين و سللتم علينا سيفاً لنا في أيمانِكم ، وحششتُم علينا ناراً اقتد حناها على عدوّنا وعدوّكم ، فأصبحتُم ألْباً لأعدائِكم على أوليائِكم، بغير عدلٍ أفشوهُ فيكم ، ولا أملَ أصبح لَكُم فيهم ...
فهلاّ لكمُ الويلات تركتمونا والسيفُ مشيم ، والجأش طامن ،
والرأي لمّا يُستصحَف ،
ولكن أسرعتم إليها كطَيرة الدُّبا ، وتداعيتم عليها كتهافُت الفراش ، ثمّ نقضتموها فسُحقاً لكم يا عَبيد الاُمّة ، وشُذاذ الأحزاب ، ونَبَذةَ الكتاب ومحرّفي الكَلِم ، وعصبة الإثم ، ونفَثةَ الشيطان ، ومطفئي السُننْ .
ويحكم أهؤلاء تعضدون ، وعنّا تتخاذلون ! أجلْ واللّه غدرُ فيكم قديم وشجتْ عليه أصولكم وتأزّرت فروعكم ، فكنتم أخبث ثمر شجيٍ للناظر ، وأكلةٍ للغاصب ... ألا وإنّ الدّعيَّ ابن الدّعي - أعني ابن زياد - قدْ ركز بين اثنتين ، بين السّلة والذّلة ، وهيهات منّا الذّلة ، يأبى اللّه لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجُور طابت ، وحُجور طهُرتَ ، وأنوف حمية ، ونفوس أبيّة ، مِن أن نؤثرَ طاعة اللئام على مصارعِ الكِرام ... ألا وإنّي زاحف بهذه الاُسرة ، على قلّة العدد وخُذلان الناصر .
ثم أنشدَ أبيات فروة بنِ مُسيك المرادي:
فإن نَهزِ م فهزّامون قُدُماً وإن نُهْزَم فغير مُهزَّمينا
وما إنْ طَبَّنا جُبْنُ ولكن منايانا ودولـة آخرينـا
إذا ما الموت رفَّعَ عن أناسٍ بكلكلةٍ أناخ َ بآخرينا
فقُل للشاميتين بنا أفيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا
أما واللّه لا تلبثون بعدها إلّا كريثما يركب الفرس ، حتى تدور بكم دور الرحى وتقلِقَ بكم قلق المحور ، عهدٌ عَهِدهُ إليَّ أبي ، عن جدِّي رسولِ اللّه(ص )
{ فَأجمِعُوا أمْرَكُم وَشُرَكَاءَكُم ثُمّ لَايَكُنْ أمرُكُم عَليْكُم غُمَّةً ثُمّ أقْضُوا إليَّ وَلَا تُنظِروُنِ}
{ إنّي تَوَكَّلتُ عَلى اللّهِ رَبّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَابَّةٍ. إلّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِها إنَّ رَبّي عَلَى صِراطٍ مُّستَقِيمٍ }
ثم رفع يديه وقال : اللّهم أحبس عنهم قطر السماء ، وأبعث عليهم سنين كسنيّ يوسُف ، وسلّط عليهم غُلام ثقيف ، يسقيهم كأساً مصبّرة ، فإنّهم كذّبونا وخذلونا ، ( ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ).
واستدعى عمر بن سعد فدُعي له ، وكان كارهاً لا يُحِبُّ أن يأتيه ...
فقال أي عُمر : أتَزعم أنّكَ تقتلني ويوليكَ بلادَ الري وجرجان ؟
واللّه لا تهنيء بذلكَ أبداً ... عهدُ معهود ، فأصنع ما أنتَ صانع ، فإنكَ لا تغرم بعدي بدنيا ولا آخرة ، وكأني برأسكَ على قصَبةٍ يتراماه الصبيان بالكوفة ، ويتخذونه غرضاً بينهم ، فصرف بوجهه عنه مغضباً .
وأنشأ يقول :
دعاني عُبَيدُ اللهِ مِن دونِ قومهِ إلى خُطَّة ٍفيها خرجـتُ لحينـي
فو اللّه ما أدري وإني حائرٌ أُفكِّر فـي أمـري علـى خطريـنِ
أأتركُ ملكَ الرَّيِّ والرَّيُّ مُنيتي أمْ أرجعُ مأثومـاً بقتـلِ حُسيـنِ
حُسينُ ابنُ عمي والحوادثُ جمّةٌ لَعمري ولي في الريِّ قُرّةُ عيني
فان كنتُ اقتلهٌ فقد فاز موعدي يقينـاً و أعلـو عالـمَ الجيشيـن
وإنّ إلهَ العرشِ يغفرُ زلّتـي ولـو كنـتُ فيهـا أظلـمَ الثقليـن
ألا إنّما الدُّنيا بخيرِ معجّـلٍ ومـا عاقـلٌ بـاعَ الوجـودَ بدَيـن
يقولونَ إنّ اللّـه خالـقُ جنَّـة ونـارٍ وتعذيـب ٍوغـلِّ يديـن
فان صدقوا فيما يقولون إنني أتوب إلى الرحمـنِ مـن سنتيـن
وان كذَبوا فٌزنا بدنيـا عظيمـةٍ ومُلـك ٍعظيـمٍ دائـمِ الحَجَليـن





رد مع اقتباس
المفضلات