وكان كل من أراد الخروج ودع الحسين صلوات اللّه عليه بقوله : السلام عليك ياابن رسول اللّه ، فيجيبه ريحانة رسول اللّه : وعليك السلام ونحن خلفك ، ثم يقرأ
(فَمِنهُم مَّن قَضَى نَحبَهُ وَمِنهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) .
وخرج سلمان بن مضارب البجلي ، وكان ابن عم زهير ، فقاتل .
قتالاً شديداً فَقَتل جماعة من الأعداء ... حتى قُتِل رضوان اللّه عليه .
وخرج بعده زهير بن القين ، فوضع يده على منكب الحسين(ع) وقال: مستأذناً
أَقدِم حُسيناً هادياً مهديّا اليومَ تَلقى جـدَّك النبيّـا
وحسناً والمرتضى عليَّا وذَا الجَناحَين الفتى الكميّا
وأســـدَ الـلّــهِ الـشـهـيـدَ الـحَـيَّــا
فقال الحسين(ع ) : وأنا ألقاهما على أثرك ، فحمل على الأعداء وهو يقول :
أنا زُهيرٌ وأنا ابنُ القينِ وفي يَميني مُرْهَـفُ الحَدَّيـنِ
أَذودُكُم بالسَّيفِ عَنْ حُسَينِ إنَّ حُسَينا ٍ أَحدَ السِّبطيـنِ
ابنُ عليِّ الطاهرُ الجدَّينِ مِن عترةِ البَرِّ التَّقي الزَّيـنِ
ذاكَ رسولُ اللهِ غيرُ المَينِ يا ليتَ نفسي قُسِّمَت قسمينِ
فقاتل قتالاً شديداً ، حتى أكثر القتل فيهم ، فبلغ ممن قُتِلَ بسيفه مائة وعشرين رجلاً ، ثم عطف عليه كُثير بن عبداللّه الشعبي ، والمهاجر بن أوس فقتلاه ... رضوان اللّه عليه ، فهدّ مقتله الحسين ، فوقف عليه الحسين (ع) ودعا له وجزّاه خيراً وقال : لعن اللّه قاتليك لعن الذين مُسخوا قردة وخنازير وقال(ع ) : عند اللّه أحتسب نفسي وحُماة أصحابي . و جاء عمرو بن قرظة الأنصاري ووقف أمام الحسين ( ع ) يقيه من العدو ، ويتلقى السهام بصدره وجبهته ، فلم يصل إلى الحسين صلوات الله عليه سوء . ولمّا كَثُرَ فيه الجراح ، التفت إلى أبي عبد اللّه وقال : أوفيت يا ابن رسول اللّه ؟ قال(ع) : نعم أنت أمامي في الجنّة ، فأقرأ رسول اللّه مني السلام ، وأعلمه أنّي في الأثر ، ثم وقع شهيداً رضوان اللّه عليه فنادى أخوه علي ،
وكان مع ابن سعد : ياحسين ، غررت أخي ، حتى قتلته . فقال(ع) : إنّي لم أغرر أخاكَ ، ولكنّ اللّه هداه وأضلكَ .. فقال : قتلني اللّه إن لم أقتلك ، ثم حمل على الحسين ليطعنه ، فاعترضه نافع بن هلال الجملي فطعنه حتى صرعه ، فحمله أصحابه وعالجوه وبريء .
ورمى نافع بن هلال الجملي بنبال مسمومة كتب اسمه عليها ، وهو يقول :
أرمي بها معلّمة أفواقُها مسمومةً تجري بها أخفاقُها
ليملأنَّ أرضها رشّا قها والنفس لا ينفعها إشفاقهـا
فقتل اثني عشر رجلاً سوى من جرح ، ولمّا فنيت نباله ، جرّد سيفه يضرب فيهم ويصول ، فأحاطوا به يرمونه بالحجارة والنصال ، حتى كسروا عضديه ، وأخذوه أسيراً فأمسكه الشمر ومعه أصحابه يسوقونه .
فقال له ابن سعد : ما حملك على ما صنعت بنفسك ؟
قال : إنَّ ربي يعلم ما أردت فقال له رجل وقد نظر إلى الدماء تسيل على وجهه ولحيته : أما ترى ما بك ؟ فقال : واللّه لقد قتلت منكم اثني عشر رجلاً سوى من جرحت ... وما ألوم نفسي على الجهد .. ولو بقيت لي عضد ما أسرتموني .. وجرّد الشمر سيفه ... فقال له نافع : واللّه يا شمر لو كنت من المسلمين لعظم عليك أن تلقى اللّه بدمائنا ، فالحمد للّه الذي جعل منايانا على يدي شرار خلقه ، ثم قدّمه الشمر وضرب عنقه رضواناللّه عليه .
فبرز واضح التركي ، مولى الحرث المذحجي وأسلم مولاه ،
البحر من طعني وضربي يصطلي والجو من سهمي ونبلي يمتلي
إذا حسامي في يميني ينجلـي ينشـق قلـب الحاسـد المبجلـي
وقاتلا قتالاً شديداً ، فقتلا منهم جماعة حتى صُرِعا ، فلمّا وقع واضح
استغاث بالحسين(ع ) فأتاه أبو عبد اللّه واعتنقه ...
فقال : من مثلي وابن رسول اللّه واضع خده على خدي ، ثم فاضت نفسه الطاهرة رضوان اللّه عليه . ومشى الحسين(ع )
كذلك إلى أسلم مولاه واعتنقه ، وكان به رمق ،
فتبسّم وافتخر بذلك وفاضت روحه رضوان اللّه عليه .
ونادى يزيد بن معقل : يا برير كيف ترى صنع اللّه بك ؟
فقال : صنع اللّه بي خيراً ، وصنع بك شراً
فقال يزيد : كذبت وقبل اليوم ما كنت كذاباً ... أتذكر يوم كنت أُماشيك في بني لوذان وأنت تقول : كان عثمان مسرفاً ، ومعاوية ضالاً ، وإنّ إمام الهُدى علي بن أبي طالب .
قال برير : بلى أشهد إن هذا رأيي . فقال يزيد : وأنا أشهد أنك من الضالين
فدعاه برير إلى المباهلة ، فرفعا أيديهما إلى اللّه سبحانه يدعوانه أن يلعن الكاذب ويقتله ، ثم تضاربا فضربه برير على رأسه ضربة قدت المغفر والدماغ ، فخر كأنّما هوى من شاهق وهلك ، وسيف برير ثابت في رأسه ، وبينا هو يريد أن يخرجه إذ حمل عليه ابن منقذ العبدي ، واعتنق بريراً واعتركا ، فصرعه برير وجلس على صدره ، فاستغاث العبدي بأصحابه ، فذهب كعب بن جابر بن عمرو الأزدي ليحمل على برير ، فصاح به عفيف بن زهير بن أبي الأخنس : هذا برير بن خضير ، القاريء الذي كان يقرؤنا القرآن في جامع الكوفة ، فلم يلتفت اليه ، وطعن بريراً في ظهره ، فبرك برير على العبدي وعض وجهه وقطع طرف أنفه ، فضربه كعب برمحه وبسيفه فقُتِلَ رضوان اللّه عليه .





رد مع اقتباس
المفضلات