ثم شدّ على الأعداء ولم يزل يقاتلهم ، حتى قَتل جماعة ، ثمّ رجع الى أُمه ،
وهو يقول : أرضيت يا أماه ؟
فقالت : ما رضيت حتى تُقتَل بين يدي أبي عبد اللّه الحسين(ع )
فقالت زوجته : باللّه عليك لا تفجعني بنفسك .
فقالت اُمه : يا بني أُعزب عن قولها وارجع وانصر ابن بنت نبيك ..
لتنل شفاعة جده يوم القيامة ! فرجع وهو يقول :




إنّي زعيمٌ لكِ أُمَّ وهب ِ بالطعنِ فيهم تارةً والضـربِ
ضربَ غلامٍ مؤمنٍ بالرَّبِّ حتى يٌذيقَ القومَ مُرَّ الحربِ
حسـبـي بــه مـــولاي فـهــو حـسـبـي





فلم يزل يقاتل الأعداء قتال الأبطال ، حتى قُطِعت يداه ، فأخذت زوجته
عموداً وأقبلت نحوه تقول : فداكَ أبي وأُمي قاتل دون الطيبين ،
ذرية محمد(ص) فأراد أن يردّها الى الخيمة ، فلم تُطاوعه ، وأخذت تجاذبه ثوبه وتقول : لن أدعكَ دون أن أموت معكَ !!
فقال لها : الآن كنت تنهينني عن القتال ، وقد أتيت تقاتلين معي ؟
قالت : لا تلمني إنّ واعية الحسين كسرت قلبي . فقال : ما الذي سمعتي منه ؟
قالت : ياوهب سمعته وهو بباب الخيمة ينادي ، واقلة ناصراه ،
فبكى وهب بكاءً كثيراً ، وقال لها : ارجعي الى النساء رحمك اللّه ، فأبت ،
فنادى وهب : سيدي أبا عبد اللّه ردها إلى الخيمة ... فردها الإمام الحسين(ع ) واجتمع عليه القوم وأردوه قتيلاً .. رضوان اللّه عليه
وحمل الشمر مع جماعة ، حتى طعن فسطاط الحسين (ع ) بالرمح ،
وقال : عَلَيَّ بالنار لاُحرقه على أهله .. فتصايَحَت النساء وخَرجن من الفسطاط ، فناداه الحسين(ع ) : يا بن ذي الجو شن أحرقكَ اللّه بالنار...
فحمل عليهم زهير بن القين في عشرة من أصحابه ، حتى كشفوهم عن البيوت، ولمّا رأى عزرة بن قيس، وهو على الخيل ، الوهنَ والفشل في أصحابه ،كلّما حملوا
بعث إلى عمر بن سعد ، يستمدّه الرجال .. فمدّه بالحُصين بن نُمير في
خمسمائة من الرّماة ، وأشتدّ القتال وأكثرَ أصحاب الحسين(ع ) فيهم الجراح ،
حتى عقروا خيولهم ، ولم يقدروا أن يأتوهم إلّا من وجه واحد
وكان أبو الشعثاء الكندي ، وهو يزيد بن زياد رامياً ، فجثا على ركبتيه
وهو يرتجز : ويقول




أنا يزيد وأبي مهاصرْ أشجع من ليث بِغيلٍ ‏خـادرْ
يا ربّ إني للحسين ناصرْ ولابن سعد تاركـوهاجرْ





بين يدي الحسين( ع ) ورمى بمائة سهم والحسين ) يقول : اللّهم سدّد رميته وأجعل ثوابه الجنة ... ثمّ حمل على القوم فقتل تسعة عشر رجلاً ، ثمّ قُتل
رضوان اللّه عليه .
والتفت أبو ثمامة ألصائدي إلى الشمس قد زالت ،
قال للحسين(ع) نفسي لنفسكَ الفداء ، إنّي أرى هؤلاء قد اقتربوا منكَ لا واللّه
لا تُقتل حتى أُقتل دونك ، وأحب أن ألقى اللّه تعالى وقد صلّيت هذه الصلاة التي
قد دنا وقتها..« وقد كان الموت منه كقاب قوسين أو أدنى ،
وهو لم يغفل عن ذكر ربّه ، ولا عن أداء فرائضه ، وجميع أصحاب الإمام
كانوا على هذا السمت إيمانا باللّه ، وإخلاصاً في أداء فرائضه .
فرفع الإمام رأسه ، فجعل يتأمّل في الوقت ، فرأى أن قد حلّ أداء الفريضة فقال له : ذكرتَ الصلاةَ ، جعلكَ اللّه من المصلّين الذاكرين ،
نعم هذا أول وقتها .
فقال الحسين سلوهم أن يكفّوا عنّا حتى نصلي .
فقال الحصين بن نُمير : لا تقبل منكم !
فقال حبيب بن مظاهر : زعمت أنها لا تقبل الصلاة
من آل رسول‏اللّه
وتقبل منكَ يا حمار ! ! .
وحمل عليه الحصين ، فسارع إليه حبيب
فضرب وجه فرسه بالسيف
فشبت به الفرس فسقط عنها ،
وبادر إليه أصحابه فاستنقذوه