ثم قال : الحمدُ للّهِ الذي خلَقَ الدُّنيا فَجَعلها دارَ فناءٍ وزوالٍ ، مُتَصرِّفةً بأهلِها
حالاً بَعدَ حالِّ ، فالمغْرور مَنْ غَرَّتَهُ ، والشّقيِّ من فَتَنْته ،فلا تَغُرنَّكم هذه الدُّنيا فإنّها تَقْطعُ رجاءَ مَنْ رَكَن إليها ، وتُخَيبُ طَمعَ من طَمعَ فيها ، وأراكُم قدْ اجتَمْعتم على أمرٍ ، قَدْ أسْخطتُمُ اللّه فيهِ عَليكم ، وأعرَض بِوجْهِهِ الكَريم عنْكم ، وأحلَّ بِكم نِقمَته ، وَجَنّبكُم رَحْمته ، فنِعمَ الرَّبُ ربُّنا ، وبئس العَبيد أنتمُ ، أقررتُم بالطاعَهِ ، وآمنتُم بالرَّسولِ مُحَمّدٌ (ص) وزَحفتُم إلى ذُريّتِه وعِتْرتِه ، تُريدون قَتْلَهم... لَقد إستَحَوذَ عَليكم الشيَّطان ، فأنْساكُم ذِكْرَ اللّهِ العَظيم ، فَتَباً لَكُم ولِما تُريدون .
إنّا للّه وإنّا اليه راجعون .. هؤلاءِ قومُ كَفَروا بعَدَ إيمانِهم ، فَبُعداً للقومِ الظالمين
أيُّها الناس ... أنسِبوني من أنا ؟ ثُمًّ إرجعوا إلى أنفُسكم وعاتُبوها ،
وأُنظروا هَلْ يَحلُّ لَكمُ قَتْلي ؟ وإنتِهاك حُرمَتي ؟
ألَستُ ابنَ بِنتِ نبيّكم ؟ وابنُ وصيِّه ؟ وابنُ عمّه ؟ وأولُ المؤمنين باللّه؟ والمُصَدِّق لِرسولهِ بما جاءَ مِنْ عِندِ رَبِّه ؟
أوَلَم يَبلُغكُم قولَ رسول اللّه (ص) لي ولأخي : هذان سيِّدا شبابِ أهل الجنَّة ؟
فإنّْ صدَّقَتُموني بِما أقولُ وهو الحقّ ، واللّهِ ما تَعَمَّدتُ الكَذِبَ منُذْ عَلِمتُ أنَّ اللّهَ يَمقُتُ عليه أهلهُ ، ويضرّ به من إختَلَقه ، وإنْ كذَّبتُموني .
فإنَّ فيكُم مَن إنْ سألتُموهُ عن ذلك أخبرَكُم ، سَلوا جابرَ بن عبداللّه الأنصاري ، وأبا سعيد الخدري ، وسَهل بن سعد الساعدي ، وزيد بن أرقم ،وأنس بن مالك ، يُخبروكم أنّهمُ سَمِعوا هذه المقالة من رسولاللّه (ص) لي ولأخي ،
أما في هذا حاجزٌ لكم عن سَفكِ دمي ؟
فقالَ الشمرُ : هو يعبد اللّه على حرف إنْ كانَ يدري ما يقول ...
فقال له حبيب بن مظاهر ، واللّه إنّي أراكَ تَعبدُ اللّه على سبعين حرفاً ،
وأنا أشهد انَّكَ صادقٌ ما تدري ما يقول ، قد طبَع اللّهُ على قلبكَ.
ثم قال الحسينُ (ع) : فإن كُنتم في شكٍ من هذا القول ،
أفتَشُكونَ أنّي ابن بنتِ نبيكم ، فواللّه ما بين المشرقِ والمغربِ ،
ابنُ بنتِ نبيِّ غِيري فيكم ، ويحكم أتطلُبوني بقتيلٍ منكم قَتَلتهُ ؟
أو مالٍ لِكُم استهلكتُه ؟ أو بقصاص جُراحةً ؟ فأخذوا لا يُكلّمونه
فنادى(ع) : يا شبثُ بن ربعي ، ويا حَجّارُ بن أبجُر ، ويا قيسُ بن الأشعث ،
ويا زيدُ بن الحارث ، ألم تكتُبوا إليَّ : أن أقدم قد أينعتِ الثمار ، وأخضرَّ الجناب ، وإنّما تَقْدم على جُندٍ لك مجَندة ؟
فقالوا : لم نفعل ... قال سبحان اللّه ، بلى واللّه لقد فعلتم .
ثم قال : أيّها النّاس إذا كرِهتموني فدعوني أنصرفُ عنكم الى مأمن من الأرض
فقال له قيسُ بن الأشعث : أو لا تنزِل على حُكمِ بني عمّكَ ؟
فإنّهم لن يُروك إلّا ما تُحب ! ولن يصلَ إليكَ منهم مكروه
فقال الحسينُ( ع) : أنتَ أخو أخيك ؟
أتُريد أنْ يطلُبك بنو هاشم أكثر من دمِ مُسلم بن عقيل ؟
لا واللّه لا أعطيهم بيدي إعطاءَ الذليل ، ولا أفرُّ فِرار العبيد .
عِبادَ اللّه إنّي عُذْتُ بربي وَربِكُم أن تُرجمون ، أعوذ بربي ورَبِكُم من كلِّ مُتَكبِّرٍ لا يؤمنُ بيومِ الحِسّاب . ثمُّ أناخَ راحلته وأمرَ عُقبةَ بن سمعان فعقلَها .
المفضلات