ولما أصبح الحسين يوم عاشوراء تيمّم (عليه السلام) وأصحابه للصلاة
لعدم وجود الماء ، وصلّى بأصحابه صلاة الصبح ،
و دقت طبول الحرب في معسكر ابن زياد ، واتجهت فرقٌ من الجيش تنادي بالحرب أو النزول على حكم ابن مرجانة
فقام الحسين ( ع) خطيباً بأصحْابهِ، حمد الله وأثنى عليه ،
ثم قال : إن الله تعالى أذن في قتلكم ، وقتلي في هذا اليوم فعليكم بالصبر والقتال.
ثمَّ صَفَّهُم للِحَربِ ، وكانوا اثنان وسبعون ، ما بَيَن فارسٍ وراجِلْ ،
فجعلَ زُهيرَ بنَ القَينِ في المَيمنةِ ، وحَبيبَ بنَ مظاهرْ في المَيسَرة ،
وثبتَ هو عَليهِ السَّلام وأهل بيتهِ في القَلبْ ،
وأعْطى رايته أخاهُ العبَّاس(ع)
فقد وجده أكفأ من معه لحملها ، وأحفظهم لذمامه ، وأرأفهم به ،
وادعاهم إلى مبدئه ، وأوصلهم لرحِمه ، وأحماهم لجواره ،
وأثبتهم للطعان ، وأربطهم جأشاً ، وأشدهم مراساً .
وأقبلَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ نحو الحُسين (ع) في ثلاثين ألفاً
فجعل على المَيمنةِ عَمْرو بن الحجْاج الزُّبيدي، وعلى المَيسرةِ شِمرُ بنِ ذي الجَوشَنْ ، وعلى الخَيلِ عُزرةُ بنُ قَيسْ ، وعلى الرَّجالةِ شِبثُ بنُ ربعي، والرايةُ مع ذوَيدٍ مولاه وأقبَلوا يَجولونَ حَولَ البُيوتِ ، فَيَرونَ النَّار تَضْطَرمُ في الخندقِ ، الذي حفره أصحاب الحسين (ع) بأمر منه في مكان منخفض وراء الخيام ، وأمرَ أصحابهُ أن يُقرِّبوا بعض بيوتهم من بعض ، وأن يُدخِلوا الأطناب بعضها في بعض ، وأن يكونوا هم بين البيُوت ، إلّا الوجه الذي يأتيهم منهُ عدوّهُم ، كما أمر بحطب وقصب كان من
وراء البيوت ، وأشعلوا النار فيه .
فَنادى شِمرُ بأعْلى صوتِهِ : يا حُسَينُ تَعَجَّلتَ بالنَّارِ قَبلَ يومِ القيامَةِ.
فقال الحُسينُ(ع ) : منْ هذا ؟ كأَنَّهُ شِمرُ بن ذي الجَوشنْ ؟
قيل : نعم .فقال لهُ(ع ) : ياابنَ راعيةَ المِعْزى ، أنْتَ أولى بها منِّي صِلِيّا ، وَرام مُسلمُ بن عوسجة أنْ يرَميهُ بِسَهمٍ ، فَمَنعهُ الحُسينُ ع وقال: أكْرهُ أنْ أبْدأَهُمْ بِقِتال . وَقالَ : اللّهمَّ أنْتَ ثِقَتي في كُلِّ كْرْبٍ ، وَرَجائي في كُلِّ شِدةٍ ، وأنتَ لي في كُلِّ أمَرٍ نَزَلَ بي ثِقة وعُدَّة ، كَمْ منْ هَمٍ يَضْعَفُ فيهِ الفُؤاد ، وتَقِلُ فيهِ الحِيلة ، ويَخذلُ فيه الصَّديق ، ويَشمَت فيهِ العدو ، أنْزَلتُه بِك ، وشَكَوتُهُ إليك ، رَغْبَةً مِني إليك عمّن سِواك ، فكَشفتَهُ وفَرَّجتَهُ ، فأنتَ وليُّ كلِّ نِعْمَة ، ومُنْتَهى كُلِّ رَغبةٍ
ثُمَّ دَعا براحِلتِه فَرَكِبَها ، ونادى بِصَوتِ عالٍ يَسمَعهُ جلُّهم : أيّها النّاس: إسمعوا قولي ولا تَعْجلوا ، حَتَى أعِظكم بما هو حقٌّ لَكُم عليَّ ، وَحتَى أعتَذِرَ إليكم مِنْ مَقَدمي عَليكمْ ، فإنْ قَبَلتُم عُذري ، وصدّقتم قَولي ، وأعطَيتُموني النّصفَ من أنفُسِكُم ، كُنتُم بِذلِك أسْعدَ ، ولَم يكُنْ لكم عَليَّ سبيل ،
وإنْ لَم تَقبَلوا مِنْيَ العُذرَ ، وَلَم تَعطوا النّصفَ مِنْ أنفُسِكم ، فأجْمَعوا أمْرَكُم وشُركاءَكُم ، ثُمَّ لا يَكُنْ أمرَكُم عَليكُم غُمَّة ، ثُمَّ أقُضوا إليَّ ولا تُنْظِرون ،
إنْ وليّيَ اللّه الذي نَزَّل الكِتابَ ، وهُوَ يَتَولّى الصّالِحينْ ، فلمّا سَمعْنَ النِّساءَ هذا مِنهُ صِحْنَ وبَكيْنَ ، وارتَفَعت أصْواتهُنَّ ،
فأرسلَ إليهنَّ أخاهُ العَبّاس ، وابنهُ علياً الأكبر، وقال لهُما : سكِّتاهُنَّ ، فلِعَمري لَيَكْثُر بكاؤهنّ ،
ولمّا سَكَتْنَ ، حمِدَ اللّه وأثنى عليه ، وصلّى على مُحَمدٍ وأهْل بيته ،وعلى الملائكةِ والأنبياء ، وقال في ذلكَ ما لا يُحْصى ذِكرَهُ ، ولم يُسْمَعْ مُتَكلمٍ قبلهُ ولا بَعدهُ أبلغَ مِنهُ في مَنطِقه





رد مع اقتباس
المفضلات