جهاد وتوعية


بحار الأنوار 45/49:
ثمّ إنّ الحسين (عليه السلام) دعا النّاس إلى البراز، فلم يزل يقتل كلّ من دنا منه من عيون الرّجال، حتى قتل منهم مقتلة عظيمة، ثمّ حمل (عليه السلام) على الميمنة، وقال:

الموت خير من ركوب العار *** والعار اولى من دخول النار

ثمّ على الميسرة وهو يقول:

أنا الحسين بن علي *** آليت أن ﻻ أنثني

أحمي عيالات أبي *** أمضي على دين النبي

دروس إنسانية


بحار الأنوار 45/50 ـ 51، عن المناقب واللّهوف:
قال بعض الرواة: فوالله ما رأيت مكثوراً قط قد قتل ولده وأهل بيته وصحبه أربط جأشاً منه، وإن كانت الرجال لتشدّ عليه فيشدّ عليها بسيفه فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب، ولقد كان يحمل فيهم وقد تكمّلوا ألفاً فينهزمون بين يديه كأنّهم الجراد المنتشر، ثمّ يرجع إلى مركزه وهو يقول:

ﻻ حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم.

ولم يزل يقاتل حتّى قتل ألف رجل وتسعمائة رجل وخمسين رجلاً سوى المجروحين.

فقال عمر بن سعد لقومه: الويل لكم أتدرون لمن تقاتلون؟ هذا ابن الأنزع البطين، هذا ابن قتّال العرب فاحملوا عليه من كلّ جانب، وكانت الرماة أربعة آلاف، فرموه بالسهام فحالوا بينه وبين رحله فصاح بهم الحسين (عليه السلام):

ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين، وكنتم ﻻ تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم وارجعوا إلى أحسابكم إذ كنتم أعراباً.

فناداه شمر فقال: ما تقول يابن فاطمة؟

قال: أقول: أنا الذي اقاتلكم، وتقاتلوني، والنساء ليس عليهنّ جناح فامنعوا عتاتكم عن التعرّض لحرمي مادمت حيّاً.

فقال شمر: لك هذا، ثمّ صاح شمر: إليكم عن حرم الرجل، فاقصدوه في نفسه فلعمري لهو كفو كريم.

قال: فقصده القوم وهو في ذلك يطلب شربة من ماء، فكلّما حمل بفرسه على الفرات حملوا عليه بأجمعهم حتّى أحلوه عنه.

يا امّة السوء


بحار الأنوار 45/ 51 ـ 52، عن مقاتل الطالبيين: قال:
ثم جعلو الحسين (عليه السلام) يطلب الماء. فقال له رجل: ألا ترى إلى الفرات يا حسين كأنّه بطون الحيتان والله ﻻ تذوقه أو تموت عطشاً. فقال الحسين (عليه السلام):

اللّهمّ أمته عطشاً.

قال: والله لقد كان هذا الرجل يقول: اسقوني ماء فيؤتى بماء فيشرب حتّى يخرج من فيه، ثمّ يقول: اسقوني قتلني العطش، فلم يزل كذلك حتّى مات.

ثم رماه رجل من القوم يكنّى أبا الحتوف الجعفيّ بسهم فوقع السهم في جبهته، فنزعه من جبهته، فسالت الدماء على وجهه ولحيته.

فقال (عليه السلام): اللّهمّ إنّك ترى ما أنا فيه من عبادك هؤلاء العصاة، اللّهمّ أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تذر على وجه الأرض منهم أحداً، ولا تغفر لهم أبداً.

ثمّ حمل عليهم كاللّيث المغضب، فجعل لايلحق منهم أحداً إلاّ بعجه بسيفه فقتله، والسهام تأخذه من كلّ ناحية وهو يتّقيها بنحره وصدره ويقول: يا امّة السوء بئسما خلفتم محمّداً في عترته، أما إنّكم لن تقتلوا بعدي عبداً من عباد الله فتهابوا قتله، بل يهون عليكم عند قتلكم إيّاي، وأيم الله إنّي لأرجو أن يكرمني ربّي بالشهادة بهوانكم، ثمّ ينتقم لي منكم من حيث ﻻ تشعرون.

قال: فصاح به الحصين بن مالك السكونيّ فقال: يابن فاطمة وبماذا ينتقم لك منّا؟

قال: يلقي بأسكم بينكم ويسفك دماءكم، ثمّ يصبّ عليكم العذاب الأليم، ثمّ لم يزل يقاتل حتّى أصابته جراحات عظيمة.

في رحاب الشهادة


بحار الأنوار 45/53:
وقف الحسين (عليه السلام) يستريح ساعة وقد ضعف عن القتال، فبينما هو واقف إذ أتاه حجر فوقع في جبهته فأخذ الثوب ليمسح الدم عن وجهه، فأتاه سهم محدّد مسموم له ثلاث شعب، فوقع السهم في صدره ـ وفي بعض الروايات على قلبه ـ فقال الحسين (عليه السلام):

(بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله) ورفع رأسه إلى السماء وقال:

إلهي إنّك تعلم أنّهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابن نبيّ غيره، ثمّ أخذ السهم فأخرجه من قفاه فانبعث الدم كالميزاب، فوضع يده على الجرح فلمّا امتلأت رمى به إلى السماء، فما رجع من ذلك الدم قطرة، وما عرفت الحمرة في السماء حتّى رمى الحسين (عليه السلام) بدمه إلى السماء، ثمّ وضع يده ثانياً فلمّا امتلأت لطخ بها رأسه ولحيته، وقال: هكذا أكون حتى ألقي جدّي رسول الله وأنا مخضوب بدمي وأقول: يا رسول الله قتلني فلان وفلان.

في أحضان العمّ


اللّهوف 52 ـ 53، والإرشاد 241:
لمّا سقط الحسين (عليه السلام) على الأرض وأحاط به القوم خرج عبد الله بن الحسن بن علي (عليه السلام) وهو غلام لم يراهق من عند النساء يشتدّ حتى وقف إلى جنب الحسين (عليه السلام) فلحقته زينب بنت عليّ (عليه السلام) لتحبسه فقال الحسين (عليه السلام):

أحبسيه يا اختي!

فأبى وامتنع امتناعاً شديداً وقال: ﻻ والله ﻻ افارق عمّي، فأهوى بحر بن كعب ـ وقيل: حرملة بن كاهل ـ إلى الحسين (عليه السلام) بالسيف فقال له الغلام: ويلك يابن الخبيثة أتقتل عمّي؟

فضربه بالسيف، فاتّقاه الغلام بيده فأطنّها إلى الجلد فإذا هي معلّقة، فنادى الغلام: يا امّاه! فأخذه الحسين (عليه السلام) فضمّه إليه وقال: يابن أخي اصبر على ما نزل بك، واحتسب في ذلك الخير، فإنّ الله يلحقك بآبائك الصالحين.

قال: فرماه حرملة بن كاهل بسهم فذبحه، وهو في حجر عمّه الحسين (عليه السلام).

ولمأسأة ابن فاطمة روحي فداهم بقية رحم الله من ذكر القائم من آل محمد .