الشهداء والصدّيقون
دعوات الراوندي 242 ح 681 ومشكاة الأنوار 92: قال زيد بن ارقم قال الحسين بن علي (عليه السلام):
ما من شيعتنا إلاّ صديق شهيد.
قلت: انى يكون ذلك وهم يموتون على فرشهم؟
فقال: اما تتلو كتاب الله (الذين آمنوا بالله ورسله اولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم). ثم قال (عليه السلام): لو لم تكن الشهادة إلاّ لمن قتل بالسيف، لأقل الله الشهداء.
عيد الوصاية والإمامة
بحار الأنوار 97/112 ـ 118: عن السيد ابن طاووس في كتاب مصباح الزائر قال: ومما رويناه وحذفنا اسناده اختصاراً الفيّاض بن محمد الطوسي حدّث بطوس سنة تسع وخمسين ومائتين وقد بلغ التسعين انه شهد ابا الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) في يوم الغدير وبحضرته جماعة من خاصته، قد احتبسهم للافطار، وقد قدّم الى منازلهم الطعام والبر والصلات والكسوة حتى الخواتيم والنعال، وقد غيّر من أحوالهم وأحوال حاشيته، وجدّدت له آلة غير الآلة التي جرى الرسم بابتذالها قبل يومه، وهو يذكر فضل اليوم وقديمه، فكان من قوله (عليه السلام): حدثني الهادي أبي قال: حدثني جدي الصادق (عليه السلام) قال: حدثني الباقر (عليه السلام) قال: حدثني سيد العابدين (عليه السلام) قال: ان الحسين (عليه السلام) قال:
اتفق في بعض سنين امير المؤمنين (عليه السلام) الجمعة والغدير، فصعد المنبر على خمس ساعات من نهار ذلك اليوم، فحمد الله وأثنى عليه حمداً لم يسمع بمثله، وأثنى عليه مالم يتوجه اليه غيره، فكان مما حفظ من ذلك:
الحمد لله الذي جعل الحمد (على عباده) من غير حاجة منه الى حامديه وطريقاً من طرق الاعتراف بلا هوتيته وصمدانيّته وربانيّته وفردانيته، وسبباً الى المزيد من رحمته، ومحجة للطالب من فضله، وكمّن في إبطان اللفظ حقيقة الاعتراف له بأنه المنعم على كلّ حمد باللفظ، وان عظم.
وأشهد ان ﻻ اله الا الله وحده ﻻ شريك له، شهادة نزعت عن اخلاص المطويّ ونطق اللسان بها عبارة عن صدق خفيّ أنّه الخالق البدئ المصور له الأسماء الحسنى ليس كمثله شيء إذا كان الشيء من مشيته، وكان ﻻ يشبهه مكوّنه.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله استخلصه في القدم على سائر الامم، على علم منه به، انفرد عن التشاكل والتماثل من ابناء الجنس، وائتمنه آمراً وناهياً عنه، أقامه في ساير عالمه في الأداء ومقامه. إذ كان ﻻ يدركه الابصار، ولا تحويه خواطر الافكار، ولا تمثّله غوامض الظنن في الأسرار، ﻻ إله إلاّ هو الملك الجبّار قرن الاعتراف بنبوّته بالاعتراف بلا هوتيته واختصه من تكرمته بما لم يلحقه فيه احد من بريّته، فهلهل ذلك بخاصته وخلّته إذا ﻻ يختصّ من يشوبه التغيير، ولا يخالل من يلحقه التظنين، وأمر بالصلاة عليه مزيداً في تكرمته، وتطريقاً للداعي الى اجابته، فصلّى الله عليه وكرّم وشرّف وعظّم مزيداً ﻻ يلحقه التنفيد، ولا ينقطع على التأبيد.
وان الله تعالى اختصّ لنفسه بعد نبيّه (صلى الله عليه وآله) من بريّته خاصة علاهم بتعليته وسما بهم الى رتبته، وجعلهم الدعاة بالحق اليه والأدلاّء بالارشاد عليه، لقرن قرن وزمن زمن.
أنشأهم في القدم قبل كلّ مذروء ومبروءٍ، أنواراً أنطقها بتحميده وألهمها بشكره وتمجيده، وجعلها الحجج له على كلّ معترف له بملكة الربوبية وسلطان العبوديّة، واستنطق بها الخرسان بأنواع اللّغات، بخوعاً له بأنه فاطر الأرضين والسماوات، وأشهدهم خلقه، وولاّهم ما شاء من أمره جعلهم تراجمة مشيّته، وألسن إرادته عبيداً ﻻ يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلاّ لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون.
يحكمون بأحكامه ويسنّون سنّته ويعتمدون حدوده، ويؤدّون فروضه ولم يدع الخلق في بهم صمّاء، ولا في عمى بكماء بل جعل لهم عقولاً ما زجت شواهدهم، وتفرّقت في هياكلهم، حقّقها في نفوسهم واستعبد لها حواسّهم، فقرّت بها على أسماع ونواظر، وأفكار وخواطر ألزمهم بها حجّته، وأراهم بها محجّته، وأنطقهم عمّا تشهد به بألسنة ذربه بما قام فيها من قدرته وحكمته، وبين بها عندهم بها ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيّ عن بيّنة وانّ الله لسميع عليم بصير شاهد خبير
وانّ الله تعالى جمع لكم معشر المؤمنين في هذا اليوم عيدين عظيمين كبيرين ﻻ يقوم أحدهما إلاّ بصاحبه ليكمل أحدكم صنعه، ويقفكم على طريق رشده، ويقفو بكم آثار المستضيئين بنور هدايته، ويشملكم صوله ويسلك بكم منهاج قصده ويوفّر عليكم هنيئء رفده.
فجعل الجمعة مجمعاً ندب اليه لتطهير ما كان قبله، وغسل ما أوقعته مكاسب السوء من مثله الى مثله، وذكرى للمؤمنين، وتبيان خشية المتقين ووهب لأهل طاعته في الأيام قبله، وجعله ﻻ يتمّ إلاّ بالايتمار لما أمر به، والانتهاء عمّا نهى عنه والبخوع بطاعته فيما حثّ عليه وندب اليه ولا يقبل توحيده إلاّ بالاعتراف لنبيّه (صلى الله عليه وآله) بنبوّته، ولا يقبل ديناً إلاّ بولاية من أمر بولايته، ولا ينتظم أسباب طاعته إلاّ بالتمسك بعصمه وعصم أهل ولايته.
وبقيت حثالة من الضلال ﻻ يألون الناس خبالاً يقصدهم الله في ديارهم، ويمحو آثارهم ويبيد معالمهم، ويعقّبهم عن قرب الحسرات، ويلحقهم بمن بسط أكفّهم، ومدّ أعناقهم، ومكّنهم من دين الله حتى بدّلوه، ومن حكمه حتّى غيروه، وسيأتي نصر الله على عدوّه لحينه، والله لطيف خبير، وفي دون ما سمعتم كفاية وبلاغ، فتأمّلوا رحمكم الله ما ندبكم الله اليه وحثّكم عليه، واقصدوا شرعه، واسلكوا نهجه، ولا تتبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله.
إنّ هذا يوم عظيم الشأن، فيه وقع الفرج، ورفعت الدرج ووضحت الحجج المعهود ويوم الشاهد والمشهود، ويوم تبيان العقود عن النفاق والجحود، ويوم البيان عن حقائق الإيمان، ويوم دخر الشيطان، ويوم البرهان، هذا يوم الفصل الذي كنتم (به تكذّبون) هذا يوم الملأ الأعلى الذي أنتم عنه معرضون، هذا يوم الارشاد ويوم محنة العباد، ويوم الدليل على الروّاد، هذا يوم ابداء خفايا الصدور ومضمرات الامور، هذا يوم النصوص على أهل الخصوص.
هذا يوم شيث، هذا يوم ادريس، هذا يوم يوشع، هذا يوم شمعون، هذا يوم الأمن والمأمون، هذا يوم اظهار المصون من المكنون، هذا يوم بلوى السرائر.
فلم يزل (عليه السلام) يقول: هذا يوم هذا يوم.
فراقبوا الله واتقوه، واسمعوا له وأطيعوه، واحذروا المكر، ولا تخادعوه وفتّشوا ضمائركم ولا تواربوه، وتقرّبوا الى الله بتوحيده، وطاعة من أمركم أن تطيعوه، ﻻ تمسكوا بعصم الكوافر، ولا يجنح بكم الغيّ فتضلّوا عن سبيل الله باتّباع اولئك الذين ضلّوا قال الله عزّ من قائل في طائفة ذكرهم بالذمّ في كتابه: (إنّا أطعنا سادتنا وكبرائنا فأضلّونا السبيلا * ربّنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيراً)وقال تعالى: (وإذ يتحاجّون في النّار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنّا كنّا لكم تبعاً فهل أنتم مغنون عنّا نصيباً من النار).
أفتدرون الاستكبار ما هو؟ هو ترك الطاعة لمن امروا بطاعته، والترفّع على من ندبوا الى متابعته، والقرآن ينطق من هذا عن كثير، ان تدبّره متدبّر زجره ووعظه.
واعلموا أيّها المؤمنون أنّ الله عزّ وجلّ قال: (إنّ الله يحبّ الذين يقاتلون في سبيله صفّاً كأنّهم بنيان مرصوص). أتدرون ما سبيل الله؟ ومن سبيله؟ ومن صراط الله؟ ومن طريقه؟ أنا صراط الله الذي من لم يسلكه بطاعة الله فيه هوى به الى النار، وأنا سبيله الذي نصبني للأتباع بعد نبيّه (صلى الله عليه وآله) أنا قسيم النار أنا حجّته على الفجّار، أنا نور الأنوار.
فانتبهوا من رقدة الغفلة، وبادروا بالعمل قبل حلول الأجل، وسابقوا الى مغفرة من ربّكم قبل أن يضرب بالسور بباطن الرحمة وظاهر العذاب، فتنادون فلا يسمع نداؤكم، وتضجّون فلا يحفل بضجيجكم، وقبل أن تستغيثوا فلا تغاثوا سارعوا الى الطاعات قبل فوت الأوقات، فكأن قد جاءكم هادم اللذات، فلا مناص نجاء، ولا محيص تخليص.
عودوا رحمكم الله بعد انقضاء مجمعكم بالتوسعة على عيالكم، والبرّ باخوانكم والشكر لله عزّ وجلّ على ما منحكم، واجتمعوا يجمع الله شملكم، وتبارّوا يصل الله الفتكم، وتهانؤا نعمة الله كما هنأكم الله بالثواب فيه على أضعاف الأعياد قبله وبعده، إلاّ في مثله، والبرّ فيه يثمر المال ويزيد في العمر، والتعاطف فيه يقتضي رحمة الله وعطفه، وهبوا لاخوانكم وعيالكم من فضله بالجهد من جودكم، وبما تناله القدرة من استطاعتكم، واظهروا البشر فيما بينكم، والسرور في ملاقاتكم، والحمد لله على ما منحكم، وعودوا بالمزيد من الخير على أهل التأميل لكم وساووا بكم ضعفاءكم في مآكلكم، وما تناله القدرة من استطاعتكم، على حسب إمكانكم، فالدرهم فيه بمائتي ألف درهم، والمزيد من الله عزّ وجلّ.
وصوم هذا اليوم مما ندب الله اليه، وجعل الجزاء العظيم كفالة عنه، حتى لو تعبّد له عبد من العبيد في الشيبة من ابتداء الدنيا الى انقضائها، صائماً نهارها قائماً ليلها، إذا أخلص المخلص في صومه، لقصرت اليه أيّام الدنيا عن كفايته، ومن أسعف أخاه مبتدئاً وبرّه راغباً فله كأجر من صام هذا اليوم، وقام ليلته، ومن فطّر مؤمناً في ليلته، فكأنما فطّر فئاماً بعدها عشرة.
فنهض ناهض فقال: يا أمير المؤمنين (عليه السلام) ما الفئام؟
قال: مائة الف نبي وصدّيق وشهيد، فكيف بمن تكفّل عدداً من المؤمنين والمؤمنات، فأنا ضمينه على الله تعالى الأمان من الكفر والفقر، ومن مات في يومه أو ليلته أو بعده الى مثله من غير ارتكاب كبيرة فأجره على الله، ومن استدان إخوانه وأعانهم فأنا الضامن على الله ان بقّاه قضاه، وإن قبضه حمله عنه.
وإذا تلاقيتم فتصافحوا بالتسليم، وتهانؤا النعمة في هذا اليوم وليبلّغ الحاضر الغائب، والشاهد البائن، وليعد الغنيّ على الفقير، والقويّ على الضعيف أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك.
ثم أخذ صلوات الله عليه في خطبة الجمعة وجعل صلاته جمعة صلاة عيده، وانصرف بولده وشيعته الى منزل أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) بما أعدّ له من طعامه وانصرف غنيّهم وفقيرهم برفده الى عياله.
ولكلام ابي عبد الله الرضيع روحي فداهم بقية رحم الله من ذكر القائم من آل محمد .
المفضلات