الحياة عقيدة وجهاد
إرشاد المفيد 225
سار الحسين (عليه السلام) وسار الحرّ في أصحابه يسايره، وهو يقول له: يا حسين انّي اذكّرك الله في نفسك فإنّي أشهد لئن قاتلت لتقتلنّ، فقال له الحسين (عليه السلام):
أفبالموت تخوّفني؟ وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني وسأقول كما قال أخو الأوس لابن عمّه وهو يريد نصرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخوّفه ابن عمّه وقال: أين تذهب فإنّك مقتول، فقال:
سأمضي وما بالموت عار على الفتى *** إذا ما نوى حقّاً وجاهد مسلماً
وواسى الرجال الصالحين بنفسه *** وفارق مثبوراً وخالف مجرماً
فإن عشت لم أندم وإن مت لم الم *** كفى بك ذلاّ أن تعيش وترغما
ثم أقبل الحسين (عليه السلام) على أصحابه وقال: هل فيكم أحد يعرف الطريق على غير الجادّة؟
فقال الطرمّاح: نعم يابن رسول الله أنا أخبر الطريق.
فقال الحسين (عليه السلام): سر بين أيدينا فسار الطرمّاح واتّبعه الحسين (عليه السلام) وأصحابه وجعل الطرمّاح يرتجز ويقول:
يا ناقتي ﻻ تذعري من رجري *** وامضي بنا قبل طلوع الفجر
بخير فتيان وخير سفر *** آل رسول الله آل الفخر
السادة البيض الوجوه الزهر *** الطاعنين بالرماح السمر
الضاربين بالسيوف البتر *** حتى تحلّى بكريم الفخر
الماجد الجدّ رحيب الصدر *** أثابه الله لخير أمر
عمّره الله بقاء الدهر
يا مالك النفع معاً والنصر *** أيّد حسيناً سيّدي بالنصر
على الطغاة من بقايا الكفر *** على اللّعينين سليلي صخر
يزيد ﻻ زال حليف الخمر *** وابن زياد عهر بن العهر
في قصر بني مقاتل
إرشاد المفيد 226:
أخذ الحرّ يسير بأصحابه ناحية والحسين (عليه السلام) في ناحية اخرى، حتى انتهوا إلى عذيب الهجانات ثم مضى الحسين (عليه السلام) حتى انتهى إلى قصر بني مقاتل فنزل به فإذا هو بفسطاط مضروب، فقال:
لمن هذا؟
فقيل: لعبيد الله بن الحرّ الجعفي.
قال: ادعوه إليّ، فلما أتاه الرسول قال له: هذا الحسين بن علي (عليه السلام) يدعوك.
فقال عبيد الله: إنّا لله وإنّا إليه راجعون والله ما خرجت من الكوفة إلاّ كراهية أن يدخلها الحسين وأنا بها، والله ما اريد أن أراه ولا يراني.
فأتاه الرسول فأخبره، فقام إليه الحسين (عليه السلام) فجاء حتى دخل عليه وسلّم وجلس ثم دعاه إلى الخروج معه، فأعاد عليه عبيد الله بن الحرّ تلك المقالة واستقاله ممّا دعاه إليه.
فقال له الحسين (عليه السلام): فإن لم تكن تنصرنا فاتّق (الله) أن تكون ممّن يقاتلنا، فو الله ﻻ يسمع واعيتنا أحد ثم ﻻ ينصرنا إلاّ هلك.
فقال له: أمّا هذا فلا يكون أبداً إن شاء الله تعالى.
ثم قام الحسين (عليه السلام) من عنده حتى دخل رحله، ولمّا كان في آخر اللّيل أمر فتيانه بالإستقاء من الماء، ثم أمر بالرحيل فارتحل من قصر بني مقاتل.
خفقة على الأعتاب
إرشاد المفيد 226:
قال عقبة بن سمعان: فسرنا من قصر بني مقاتل مع الحسين (عليه السلام) ساعة، فخفق (عليه السلام) وهو على ظهر فرسه خفقة ثم انتبه وهو يقول:
إنا لله وإنّا إليه راجعون، والحمد لله ربّ العالمين، ففعل ذلك مرّتين أو ثلاثة فأقبل إليه ابنه عليّ بن الحسين (عليه السلام)، فقال: ممّ حمدت الله واسترجعت؟
فقال: يا بنيّ انّي خفقت خفقة فعنّ لي فارس على فرس وهو يقول: القوم يسيرون والمنايا تسير إليهم، فعلمت أنّها أنفسنا نعمت إلينا.
فقال له: يا أبة ﻻ اراك الله سوءاً، ألسنا على الحقّ؟
قال: بلى والّذي إليه مرجع العباد.
قال: فإنّنا إذاً ﻻ نبالي أن نموت محقّين.
فقال له الحسين (عليه السلام): جزاك الله من ولد خير ما جزى ولداّ عن والده.
على مشارف نينوى
بحار الأنوار 44/380 ـ 381، عن إرشاد المفيد واللّهوف:
لمّا أصبح الحسين (عليه السلام) وهو مع أصحابه في طريقه بعد قصر بني مقاتل نزل وصلّى بهم الغداة ثمّ عجّل الركوب وأخذ يساير بأصحابه يريد أن يفرّقهم فيأتيه الحر بن يزيد فيردّه وأصحابه، فجعل إذا ردّهم نحو الكوفة ردّاً شديداً امتنعوا عليه، فارتفعوا، فلم يزالوا يتسايرون كذلك حتّى انتهوا إلى نينوى... فأخذهم الحر بالنزول في ذلك المكان على غير ماء ولا في قرية، فقال له الحسين (عليه السلام):
دعنا ويحك ننزل هذه القرية أو هذه، يعني نينوى والغاضرية أو هذه يعني شفيّة، فأبى عليه الحر ذلك.
فقال زهير بن القين للحسين (عليه السلام): إنّي والله ﻻ أرى أن يكون بعد الذي ترون إلاّ أشدّ ممّا ترون، يابن رسول الله إنّ قتال هؤلاء القوم الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم، فلعمري ليأتينا من بعدهم ما ﻻ قبل لنا به.
فقال الحسين (عليه السلام): ما كنت لأبدءهم بالقتال، ثم نزل.
قال الراوي: فقام الحسين (عليه السلام) خطيباً في أصحابه فحمد الله وأثنى عليه وذكر جدّه فصلّى عليه، ثم قال:
إنّه قد نزل من الأمر ما قد ترون، وإنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت وأدبر معروفها واستمرّت حذاء ولم يبق منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون إلى الحق ﻻ يعمل به، وإلى الباطل ﻻ يتناهى، عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربّه محقّاً فإنّي ﻻ أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برماً.
على أرض كربلاء
بحار الأنوار 44/383، عن مناقب ابن شهر آشوب:
ثم رجل الحسين (عليه السلام) من موضعه حتى نزل في يوم الأربعاء أو يوم الخميس بكربلاء وذلك في الثاني من المحرم سنة إحدى وستّين ثم اقبل على أصحابه، فقال:
الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معايشهم، فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الديّانون.
ثم قال: أهذه كربلاء؟
فقالوا: نعم يابن رسول الله.
فقال: هذا موضع كرب وبلاء، ههنا مناخ ركابنا ومحطّ رحالنا ومقتل رجالنا ومسفك دمائنا.
قال: فنزل القوم وأقبل الحرّ حتى نزل حذاء الحسين (عليه السلام) في ألف فارس ثم كتب إلى ابن زياد يخبره بنزول الحسين (عليه السلام) بكربلاء.
وكتب ابن زياد لعنه الله إلى الحسين صلوات الله عليه: أما بعد يا حسين فقد بلغني نزولك بكربلاء، وقد كتب إليّ أمير المؤمنين يزيد أن ﻻ أتوسّد الوثير، ولا أشبع من الخمير أو اُلحقك، باللّطيف الخبير، أوترجع إلى حكمي وحكم يزيد بن معاوية والسلام.
فلما ورد كتابه على الحسين (عليه السلام) وقرأه رماه من يده، ثم قال: ﻻ أفلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق.
فقال له الرسول: جواب الكتاب أبا عبد الله؟
فقال: ماله عندي جواب لأنّه قد حقّت عليه كلمة العذاب.
ومع ابن رسول الله روحي فداهم نتابع رحم الله من ذكر القائم من آل محمد .
المفضلات