لا تذل نفسك لحد الإنتهاك فتخسر كرامتك
عرف عن نفسك ، أعلن هويتك ، ابدأ غيرك بالسلام، لكن لا تذل نفسك لحد الإنتهاك فتخسر كرامتك ، ولا توصل نفسك لحالة تبرير تصرفاتك المسالمة فتتداخل أشباه الحقائق وأشباه المعاندات في إطار مبهم من الكلمات .. احتفظ بخطوط الكرامة في مسافة تحديد الهوية .. فبغيرها لن يمكنك أن تستمر طويلاً كما أنت ، ولا أن تبارك لنفسك مساعيها ولا حتى يمكنك أن تحتفل مع من تحب بابتسامة مؤقتة، لأنها قد ترتجع إلى سقف روحك بالخيبة والندم ، فبعض الإحتمالات السريعة قد تصيبنا بالفرح المؤقت ، هذا الفرح يبدو حكاية صعبة التلاوة ومغمورة الملامح إن استيقظ هاجس اللوم ونهض العتاب في فترة التأرجح ما بين انتخابات الأستقرار والعودة للمشاكسات الحياتية المتوقعة ..
ربما يكون اقتحامك لأمر تهابه، أمر مربك لك حقيقة ، ربما بدءا تشعر بالتردد وبعدم جدوى الأمور من حولك ، لكنك على أية حال ستجمع شجاعتك لتخوض بعض الأفكار وتعلنها كمحاولة لتجميع النقاط ورأب الصدع .. حاول، فالمحاولة وحدها راية بيضاء تحملها نفسك التواقة للسكينة والتصالح ، وليس لك من خيار آخر غير المحاولة ، وبالنتيجة لن تخسر إن طرقتها شيئاً .
فليس شراً أن تتعرض لبعض الأذى من أقرباء لك ، وليس سيئاً أن تنال بعض التجاهل وبعض الخيبات من محاولات مستمرة للتواصل بدون نتيجة ، فهذه الأمور تحدث عادة لكل منا، مهما كان ومهما وصل مستواه ، فبطبيعة الحال نحن أخلاط وأمزجة متقلبة ومتأثرة بما يدور حولها ، ولذا ستختلف ردات فعلنا عما نواجهه ومستواه كذلك .. ولو كنا سننجو لنجا حتما من هو أفضل منا .. لكنها ابتلاءات قُدر لنا أن نخوضها لنمايز أنفسنا في حضرتها ونتعرف إلى فواصل الأشياء ومرتكزاتها بداخلنا .
لكن، للنظر للجانب الأهم من كل ما يجري حولنا ، هذا إن اتفقنا على أن المشاكل أمر طبيعي وتوقفها لحظي ربما، وعابر أيضاً ، ربما الميزة التي أعنيها هي أن بعضها منفر كما بعضها مجال للتقريب بين وجهات النظر وفتح باب المعرفة بين الناس .. فالناس عادة تتعرف لبعضها أكثر في أوقات الشدة وتلتحم هوياتهم في جوانب الحزن وتترجم أرواح من حولها بمقياس المعرفة حين ترتصف الأمور وترهق النفس عن إحتمال ثقلها .
حقيقة مجتمعاتنا منغلقة على نفسها وإن بدا الانفتاح حالة من حالات الظهور والاحتجاج ، لكننا نعاين حقيقة الانغلاق الداخلي أو الاغتراب الذاتي بمعنى أصدق ، وهو الحائل بيننا وبين صنع توافق تعايشي وانسجام مستمر .. وربما لا أحد منا جرب أن يلمس جدران الآخر ويقيس امكانية نحتها ، لم يجرب الأمر حقيقة واكتفى بالإعتقاد بسماكتها وباستحالة طرقها بعد عدة متغيرات حدثت أو واحدة حتى! .. فاكتفى بمشكلة حدثت وتراكمات صبغتها الأيام وساعات لفظت أنفاسها المتهالكة لزمن ركن للغياب تحت ذريعة " أن لا جدوى ".. لذا، نعيش الاغتراب بتفاصيله وسط أسرنا ونلتحف بالعجز والخجل والتردد والإقتناع بعدم الجدوى من إمكانية التغيير ، ونظل ندور حول ذات النقطة المفرغة ونصير موزعين في جزر شتى لا تحمل هوية عامة لنا غير المفرد منها والصمت القاتم .
قلت : " لتبدأ باعلان هويتك ، إن وصلت لما تصبو إليه ، فهذا أمر طيب وإن أخفقت فلن تخسر الكثير .. فعلى الأقل لن تلوم نفسك بأنك لم تحاول "
ربما تكمن جل مشكلاتنا في عدم إعلان هوياتنا وترددنا في طرحها، فنجهل بعضنا كيف يفكر، وكيف تسير الأمور وعلى أي نحو ممكن بداخله .. حقيقة يهمنا النجاح ، لكن قياساً على ما يجري فهو نجاح لحظي مؤقت فلسنا نحسن ضمان أن لا جديد سينالنا ولا من مشكلات ستعترضنا ، ولا أي تبدلات ستطرأ علينا ، لكن كل هذا قابل للتغيير حين تمر عقارب الزمن ونجد مدخلات أخرى تجيئ بها النفوس لتقتحم انجازاتنا وتدلل على صحة نظرياتنا .. لذا من الأفضل أن نعلن هويتنا بأفكار نعتقدها ، بطرق باب الآخر مرة ومرتان ، بلمس جدرانه السميكة وهز أعماقه الجامدة ، عل محاولاتنا الصادقة تغسل درن نفسه وتذيب رين قلبه فتستهلك شيطانه وتحرق مسافات العناد بداخله فيعود عن غيه ويرجع عن غروره .
إن نجح الأمر، فهذا غاية ما نتمناه، أن تلتئم جروحنا وتنشط مشاعرنا وترتصف توجهاتنا فنبدو في حال أفضل، وإن لم يرجع وتمادى بعناده وتجاهل الأمر وتحامق أو تعذر بما يحسبه مبرر لعدم التواصل معنا، فعلى الأقل حققنا جزء مما كنا خططنا له بإعلان السلام كهوية لنا يمكنه أن يقرأها عنا إن تجاهل أفعالنا وشكك في صدقنا ورابته مقاصدنا ، لكن ليس عليك أن تجرم نفسك إن لم تنجح فلن يبدو الأمر خلل فيك كما تحسب ، ربما هو خلل في الآخر، وقصور فهم ، أو ربما هو حماقة تركبه ردحا من الزمن ، أو زمنا يعيشه بتفاصيله الخائبة وستكشف له الأيام خطأ رؤيته ..
فله شأنه إن باعد خطواته عنك واتجه لطريق أخرى مغايرة لمسيرتك .. فليس عليك غير أن تحاول فقط ، وبرغبة حقيقية لإستمرارية الأمربينكما على نحو أفضل، فالأمر يستحق أن تحاول حين يكون متعلق باستقرارك وبرمجة هويتك .
وعن الحمقى في حياتنا إن كنت تسألني عن أمرهم بصدق ، فهم كثر في عالمنا ، لكن ليس عليك أن تصنع الكثير لتداوي به حمقهم وليس من شأنك أن تقلل منهم ولا هي تهمتك أن زيادتهم ، وليس ذنبك أنهم لا يفقهون حديثك ولا يستجيبون لك .. فقط حاول أن تستنطق إنسانيتهم وتستحضر بوادر الخير فيهم ، فلربما تحسن جلبهم إلى مواردك ، فإن أفلحت زاد يقينك بقدرتك وارتفعت وتيرة الإرادة لديك وعلا مستواها ، وإن أخفقت فلن ينتقص الأمر شيئاً من قناعتك ولا إيمانك بذاتك . إنما ستضيف لقراءتك البشرية صنف آخر مر بك من قريب أو بعيد، وإن أربكتك تحولاته أو أزعجتك مناوراته وتأويلاته للأمور على غير هدى !.
::
م/ن
المفضلات