ولاَدَةُ الإمَام الحَسَن (عليه السلام)
وحملت السيدة فاطمة الزهراء بولدها الحسن (عليه السلام) وعمرها اثنتا عشرة سنة وانتقل شيء من نور الإمام والإمامة من صلب علي إلى فاطمة، ومن الطبيعي أن النور يتجلى في وجهها، ويزهر وجهها كي يصدق عليها اسم (الزهراء).
واقتربت الولادة، واتفقت للرسول سفرة جاء يودّع ابنته فاطمة، فأوصاها بوصايا تتعلق بالمولود المنتظر ومنها: أن لا يلفّوه في خرقة صفراء.
ووضعت فاطمة ولدها الأول في النصف من شهر رمضان (على قول) سنة ثلاث من الهجرة، فكان يوماً عظيماً، وقد حضرت عند الولادة أسماء بنت عميس فلفّوه في خرقة صفراء، لا تعمداً ومخالفة للرسول، بل سهواً وغفلة أو جهلاً من النسوة اللاتي حضرن الولادة.
فأقبل النبي (صلى الله عليه وآله) وقال: أروني ابني، ما سميتموه؟
وكانت فاطمة قالت لعلي (عليه السلام): سمِّه. فقال علي: ما كنت لأسبق باسمه رسول الله فلما جاء النبي وأخذ المولود قال: ألم أنهكم أن تلفوه في خرقة صفراء؟ ثم رمى بها، وأخذ خرقة بيضاء فلفَّه بها.
ثم قال لعلي (عليه السلام): هل سميّته: قال علي: ما كنت لأسبقك باسمه. فقال النبي (صلى الله عليه وآله): وما كنت لأسبق ربي عز وجل.
فأوحى الله إلى جبرئيل: أنه قد وُلد لمحمد ابن، فاهبط، فأقرأه السلام، وهنأه وقل له: إن علياً منك بمنزلة هارون من موسى، فسمِّه باسم ابن هارون.
فهبط جبرئيل فهنأه من الله عز وجل، ثم قال: إن الله تبارك وتعالى يأمرك أن تسميه باسم ابن هارون. فقال النبي (صلى الله عليه وآله): وما كان اسمه؟ قال جبرئيل: شبَّر فقال النبي: لساني عربيقال جبرئيل: سمّه الحسن. فسمَّاه الحسن، وأذَّن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى. فلما كان يوم السابع عقّ النبي (صلى الله عليه وآله) بكبشين أملحين، وأعطى القابلة فخذاً وديناراً. وحلق رأسه، وتصدّق بوزن الشعر فضّة، وطلى رأسه بالخلوق (طيب مركّب من الزعفران وغيره) وقال: يا أسماء الدم فعل الجاهلية. أي إن أهل الجاهلية كانوا يطلون رأس المولود بالدم.
وكان الرسول يقبّله: ويُدخل لسانه في فم الحسن فيمصّه الحسن وقيل: كان ذلك كله يوم السابع من الولادة
ولاَدَةُ الإمَام الحُسَين (عليه السلام
حملت السيدة فاطمة الزهراء بطفلها الثاني، ومضت ستة أشهر على الحمل، وإذا بها تشعر بعلائم الولادة. وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد بشَّر بولادة الحسين كما قال الإمام الصادق (عليه السلام) قال: أقبل جيران أم أيمن إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا: يا رسول الله إن أم أيمن لم تنم البارحة من البكاء، لم تزل تبكي حتى أصبحت. فبعث رسول الله إلى أم أيمن فجاءته فقال لها: يا أم أيمن! لا أبكى الله عينيك! إن جيرانك أتوني وأخبروني أنك لم تزل الليل تبكين أجمع، فلا أبكى الله عينيك ما الذي أبكاك؟ قالت: يا رسول الله، رأيت رؤيا عظيمة شديدة، فلم أزل أبكي الليل أجمع فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): فقصِّيها على رسول الله، فإن الله ورسوله أعلم. فقالت: تعظم عليَّ أن أتكلم بها. فقال لها: إن الرؤيا ليست على ما تُرى، فقصِّيها على رسول الله.
فقالت: رأيت ليلتي هذه كأن بعض أعضائك ملقىً في بيتي! فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): نامت عينك ورأيت خيراً، يا أم أيمن تلد فاطمة الحسين فتربينه وتلبينه فيكون بعض أعضائي في بيتك.
فلما ولدت فاطمة الحسين (عليهما السلام) أقبلت به أُم أيمن إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: مرحباً بالحامل والمحمول يا أُم أيمن هذا تأويل رؤياك.
ورأت أُم الفضل زوجة العباس (عم النبي) رؤيا شبيهة برؤيا أُم أيمن.
وحضرت النسوة وقت الولادة، منهن: صفية بنت عبد المطلب (عمة النبي) وأسماء بنت عميس وأُم سلمة، فلما وُلد الحسين قال النبي (صلى الله عليه وآله): يا عمة هلمِّي إليّ ابني فقالت: يا رسول الله إنّا لم ننظفه بعد. فقال: يا عمة أنت تنظّفينه؟ إن الله تبارك وتعالى قد نظّفه وطهّره.
وهبط جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمره أن يسميه: الحسين باسم ابن هارون، وكان اسمه بالعبرية (شبير) ومعناها بالعربية: الحسين.
وهبط على النبي (صلى الله عليه وآله) أفواج من الملائكة لتُهنّئه بولادة الحسين وتعزّيه بشهادته، وأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحسين، فجعل لسانه في فمه، فجعل الحسين يمص وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأتيه كل يوم. فيلقمه لسانه فيمصّه الحسين حتى نبت لحمه واشتد عظمه من ريق رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يرتضع الحسين (عليه السلام) من أُمّه، ولا من امرأة أُخرى!
قال سيدنا بحر العلوم (عليه الرحمة):
لله مرتــــضع لـــــــــن يرتضع أبداً من ثــــدي أُنثى ومن طه مراضعه
يعطيـه إبهـــــــــامـه آناً فـــــــآونةً لسـانـه فاســـــــــتـوت منه طبائعـه
وفي اليوم السابع من ولادته أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فحلق رأس الحسين، وتصدّق بوزن شعره فضة، وعقّ عنه هذا وتجد التفصيل في كتابنا: (الحسين من المهد إلى اللحد) إن شاء الله تعالى.
ولاَدَةُ السَيّدَةُ زَيْنَب الكُبرى (عليها السلام)
الصحيح أن نقول أن ولادة السيدة زينب الكبرى (عليها السلام) كانت بعد ولادة الحسين (عليه السلام) وبعبارة أخرى: أن السيدة زينب هي الطفل الثالث للسيدة فاطمة الزهراء بإجماع أكثر المؤرخين والمحدّثين، إلاّ من شذّ وندر من المؤرخين المتطرفين الذين جعلوها الطفل الرابع، زاعمين أن السيدة فاطمة الزهراء حملت بزينب بعد سقوط جنين لها، وهم بذلك يقصدون تغطية الجريمة وستر المأساة التي حدثت عند باب دار السيدة فاطمة الزهراء بعد وفاة الرسول، مما أدّى ذلك إلى سقوط جنينها.
ومن جملة من أعجبهم هذا القول الشاذ هي بنت الشاطئ المصرية في كتابها: (بطلة كربلاء) وإليك نص كلامها:
(إنها الزهراء بنت النبي، توشك أن تضع في بيت النبوة مولوداً جديداً بعد أن أقرّت عيني الرسول بسبطيه الحبيبين: الحسن والحسين، وثالث لم يقدّر له أن يعيش هو المحسن بن علي.. الخ
ولا يُهمّنا - الآن - النقاش حول هذه المغالطة، لأن لنا مجالاً واسعاً - في المستقبل - حول المحسن بن علي، وأنه هو الطفل الأخير لفاطمة الزهراء (عليها السلام) وأنه مات جنيناً في بطن أُمه على أثر الصدمة والضغطة التي حدثت بين الحائط وبين باب بيت فاطمة.
وإنما نذكر هنا نبذة مختصرة من حياة السيدة زينب الكبرى رعاية لأسلوب الكتاب، وأرجو الله تعالى أن يوفقني لأكتب كتاباً مستقلاً حول حياة السيدة زينب الكبرى (عليها السلام) فإن حياتها المشرقة جديرة بالبحث والتحليل والإشادة والتنويه، ونذكر هنا الشيء اليسير اليسير عن مولدها ونشأتها، ونرجئ التفصيل إلى كتاب آخر إن شاء الله:
وُلدت السيدة زينب الكبرى في السنة الخامسة من الهجرة، وهي المولود الثالث للبيت النبوي العلوي الشريف الأرفع.
وإنني أراها - هنا - في غنى عن التعريف والوصف، وما عساني أن أقول في سيدة أبوها: الإمام المرتضى علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأمها التي أنجبتها: سيدة نساء العالمين الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء بضعة الرسول (صلى الله عليه وآله) وأخواها سيدا شباب أهل الجنة الإمامان: الحسن والحسين (عليهما السلام) فهي حصيلة الفضائل، ونتيجة العظمة، محاطة بهالة من الشرف الرفيع من جميع جوانبها.
فلا تسأل عن صدرٍ أرضعها، وحجرٍ رباها، وتربية شملتها، ورعاية أحاطت بها، والبيت الذي فتحت فيه عينها.
ولا تسأل عن عوامل الوراثة، وتفاعل التربية، وتأثير الجو العائلي المقدس في نفسية السيدة زينب، مضافة إلى أخلاقها المكتسبة، ومواهبها التي ظهرت من الإمكان إلى الفعل.
وكم يؤلمني أن أقول بأن التاريخ قد ظلم السيدة زينب كما ظلم أباها وأمها وأسرتها أجمعين. إذ لم يعبأ بها التاريخ كما ينبغي، ولم يتحدث عنها كما تقتضيه وتتطلبه شخصية سيدة مثل زينب الكبرى عقيلة الهاشميين، حفيدة رسول الله (صلى الله عليه وآله).
سمّاها جدّها الرسول زينباً، والكلمة مركبة من: (زين الأب) وقد ذكر الشيخ محمد جواد مغنية في كتابه: (الحسين وبطلة كربلاء) نقلاً عن جريدة الجمهورية المصرية 13/10/72 مقالاً للكاتب المصري يوسف محمود، نقتطف منه موضع الحاجة:
وُلدت في شعبان من السنة الخامسة للهجرة، فحملتها أمها، وجاءت بها إلى أبيها (علي) وقالت: سمِّ هذه المولودة.
فقال لها - رضي الله عنه -: ما كنت لأسبق رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان في سفر له، ولما جاء النبي وسأله عن اسمها قال: ما كنت لأسبق ربي.
فهبط جبرئيل يقرأ على النبي السلام من الله الجليل وقال له:
اسم هذه المولودة زينب، فقد اختار الله لها هذا الاسم.
هذا ما ذكره صاحب المقال بدون تعرّض لسند هذا الحديث، ذكرته بالمعنى الواحد.
وللسيدة زينب الكبرى حياة مشرقة وتاريخ حافل بالمكارم والفضائل ومليء بالمآسي في أدوار حياتها في عهد الطفولة ودور الصبا، من افتجاعها بجدّها الرسول الأقدس (صلى الله عليه وآله) وأمها الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) والأحداث التي عاشتها السيدة زينب طيلة ربع قرن الفترة التي كان أبوها المرتضى علي (عليه السلام) جليس البيت مسلوب الإمكانيات. ثم هجرتها من المدينة إلى الكوفة عاصمة أبيها يومذاك، وشاءت الإرادة الإلهية أن تفجع السيدة زينب بأبيها العظيم الإمام علي (عليه السلام) تلك الكارثة التي اهتزت لها السماوات العلا، وأعقبت ذلك أحداث من الحرب التي قامت بين أخيها الإمام الحسن (عليه السلام) وبين معاوية، وأنتجت تلك النتائج وإلى أن انتهت الفترة بوفاة الإمام الحسن (عليه السلام) مسموماً، وانقضت سنوات وإذا بالسيدة زينب تواجه كارثة أخرى هي أعظم فاجعة عرفها التاريخ تلك فاجعة كربلاء الدامية ذات المسيرة الطويلة والأبعاد العديدة .
المفضلات