علاج الحسد

تصحيح أو علاج هذا المرض القلبي الخطير، عادة ما يكون صعباً ويستغرق وقتاً طويلاً، فعلينا التسلح بالعلم المتبوع بالعمل النافع لمرض الحسد أن تعرف أنه يضرك في الدين والدنيا، ولا يضر محسودك فيهما، بل ينتفع به فيهما. ومهما عرفت ذلك عن بصيرة وتحقيق، ولم تكن عدو نفسك لا صديق عدوك، فاقت الحسد.
عليك التذكر انه الحسد يضر بدينك ويؤدى بك إلى عذاب الأبد وعقاب السرمد فلما علمت من الآيات والأخبار الواردة في ذمة وعقوبة صاحبه، ولمّا عرفت من كون الحاسد ساخطاً لقضاء الله تعالى، وكارهاً لنعمه التي قسمها لعباده، ومنكراً لعدله الذي أجراه في ملكه. ومثل هذا السخط والإنكار لايجابه الضدية والعناد لخالق العباد، كاد أن يزيل اصل التوحيد والإيمان فضلا عن الاضرار بهما. على أن الحسد يوجب الغش والعداوة بالمؤمن، وترك نصيحته وموالاته وتعظيمه ومراعاته ومفارقة أنبياء الله وأوليائه في حبهم الخير والنعمة له، ومشاركة الشيطان وأحزابه في فرحهم بوقوع المصائب والبلايا عليه، وزوال النعم عنه. وهذه خبائث في النفس، تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.كما أنه يستلزم مساعدة خارجية من قبل متخصص محترف.
قد يستلزم الأمر أحيانا سَنوات من التحليل النفسي، من أجل التغلب على الشعور بالحسد، والدخول في المجال الإبداعي للرغبة وعيش علاقات إنسانية حقيقية.
ينبغي أن نعرف مع ذلك، أنه في إمكاننا تحويل الحسد إلى دافع مشجع على تطوير الذات والانفتاح على الآخر،
وعلينا أن نقول أحياناً إن "هذا الشخص محظوظ"،والله قاسم الارزاق وله حكمة في تقسيم الارزاق وهو عليم خبير بما ينفعنا
بدل أن نقول مثلا "ليس من العدل أن يكون هو وليس أنا من يستفيد"،أو حتى أن نصل إلى درجة أن "نتمنى رؤية الآخر يفشل أو أن نرى شراً يصيبه".أو قد نفرح عندما يبتلى في ماله وصحته اوأهله أوغيرها ..
وقبل أن نستسلم للحسد ونترك أمواجه الهادرة تجرفنا في طريقها، فعلينا التيقن انه يضرنا في الدنيا لأن الحاسد يتألم ويتعذب به، ولا يزال في تعب وغم وكد وهم، إذ نعم الله لا تنقطع عن عباده ولا عن أعدائه، فأن الحاسد يتعذب بكل نعمة يراها لهم، ويتألم بكل بلية تنصرف عنهم، فيبقى دائماً مغموماً محزوناً، ضيق النفس منشعب القلب،
فأنت باختيارك تجر إلى نفسك ما تريد لأعدائك ويريد أعداؤك لك. وما اعجب من العاقل أن يتعرض لسخط الله ومقته في الآجل، ودوام الضرر والألم في العاجل فيهلك دينه ودنياه من غير جدوى وفائدة.

وأما أنه لا يضر المحسود في دينه ودنياه فظاهر، لان النعمة لا تزول عنه بحسدك. إذ ما قدره الله من النعم على عباده لا بد أن يستمر إلى وقته ولا ينفع التدبير والحيلة في دفعه، لا مانع لما أعطاه ولا راد لما قضاه:

" لكل أجلٍ كتاب ". "وكل شيء عنده بمقدار "[1].

ولو كانت النعم تزول بالحسد، لم تبق عليك وعلى كافة الخلق نعمة، لعدم خلوك وخلوهم عن الحسد، بل لم تبق نعمة الإيمان على المؤمنين، إذ الكفار يحسدونهم، كما قال الله سبحانه:

" ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون "[2].

ولو تصورت زوال النعمة عن محسودك بحسدك، وعدم زوالها عنك بحسد حاسدك، لكنت اجهل الناس وأشدهم غباوة. نعم، ربما صار حسدك منشأ لانتشار فضل المحسود، كما قيل:

وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت، أتاح لها لسان حسود

فإذا لم تزل نعمته بحسدك، لم يضره في الدنيا، ولا يكون عليه إثم في الآخرة.

وأما أنه ينفعه في الدين، فذلك ظاهر من حيث كونه مظلوماً من جهتك، (لا) سيما إذا أخرجك الحسد إلى مالا ينبغي من القول والفعل كالغيبة، والبهتان، وهتك ستره، وإفشاء سره، والقدح فيه، وذكر مساويه. فتحتمل بهذه الهدايا التي تهديها إليه بعضاً من أوزاره وعصيانه وتنقل شطراً من حسناتك إلى ديوانه، فيلقاك يوم القيامة مفلساً محروماً عن الرحمة، كما كنت تلقاه في الدنيا محروماً عن النعمة. فاضفت له نعمة إلى نعمة، ولنفسك نقمة إلى نقمة.

وأما أنه ينفعه في الدنيا، فهو أن أهم أغراض الناس مساءة الأعداء وسوء حالهم، وكونهم متألمين معذبين. ولا عذاب أشد مما أنت فيه من ألم الحسد. فقد فعلت بنفسك ما هو غاية مراد حسادك في الدنيا. وإذا تأملت هذا، عرفت أن كل حاسد عدو نفسه، وصديق عدوه. فمن تأمّل في ذلك، وتذكر ما يأتي من فوائد النصيحة وحب الخير والنعمة للمسلمين، ولم يكن عدو نفسه، فارق الحسد ألبته.

وأما العمل النافع فيه، فهو أن يواظب على آثار النصيحة التي هي ضده، بأن يصمم على أن يكلف نفسه بنقيض ما يقتضيه الحسد من قول وفعل، فان بعثه الحسد على التكبر عليه، ألزم نفسه التواضع له، وان بعثه على غيبته والقدح فيه، كلف لسانه المدح والثناء عليه، وإن بعثه على الغش والخرق بالنسبة إليه، كلف نفسه بحسن البشر واللين معه، وإن بعثه على كف الانعام عنه، ألزم نفسه زيادته. ومهما فعل ذلك عن تكلف وكرره وداوم عليه، انقطعت عنه مادة الحسد على التدريج. على أن المحسود إذا عرف منه ذلك طاب قلبه وأحبه، وإذا ظهر حبه للحاسد زال حسده وأحبه أيضاً، فتتولد بينهما الموافقة، وترتفع عنهما مادة المحاسدة وهذا هو المعالجة الكلية لمطلق مرض الحسد. والعلاج النافع لكل نوع منه، أن يقمع سببه، من خبث النفس وحب الرئاسة والكبر وعزة النفس وشدة الحرص وغير ذلك مما ذكر، وعلاج كل واحد من هذه الأسباب يأتي في محله.

يجب أن نقول لأنفسنا إنه مهما بدت الفروق بيننا وبين الآخرين كبيرة،
فإنها ليست إلا أشياء قليلة مقارنة بالأشياء الكثيرة التي نتقاسمها جميعاً،
مثل الولادة، المرض، الألم، الكفاح اليومي ضد ما يجعلنا نعاني.
في النهاية الجميع يعيشون المعاناة نفسها، ونحن بلا شك نرتكب خطأ كبيراً عندما نعتقد أن فلاناً أسعد من الآخرين لمجرد أنه يملك هذا الشيء أو ذاك، أو لأنه نجح في هذا الأمر أو ذاك.
من جهة أخرى، من الضروري أن نعترف بنسبية التملك،
فإذا كان الآخرون يمتلكون أشياء لا نملكها نحن، فإننا أيضاً نملك أشياء لا يملكها الآخرون،
فلدينا بالتأكيد مصادر غير مسبوقة أو خاصة بنا جداً لا يملكها غيرنا، ويمكن بالتالي أن تجعلنا أيضاً محسودين من قبل الآخرين.
يمكن إذا بذل الفرد مجهوداً ليتغلب على شعوره بالحسد، أن يتغلب على هذا الإحساس السيئ،
بل ان يتجاوز الأمر ويجعله وسيلة تساعده على إدخال التجانس على علاقاته مع الآخرين.
وبدل أن تكون لدينا فكرة الحسد السلبية نكوّن أفكاراً أخرى إيجابية،
مثل أن نفرح لفرح الآخرين ونستمتع معهم بفرحهم، بدل أن نتمنى زوال النعمة عنهم.
وهذا بطريقة أو بأخرى، يجعلنا نتقاسم معهم تلك النعمة التي يملكونها، يوصلنا إلى السلام مع أنفسنا ومع الشخص الذي نحسده،
وبالتالي فإن هذا يعود بالنفع على علاقتنا معاً.

والحالة هذه، علينا الانتباه اذا وجدت نفسك حسود جداً، فهو فهو إحساس غير طبيعي قد يتعرض له أي إنسان كيفما كان،
والرغبة في العلاج يجعل الشخص ذو الإرادة القوية والنية السليمة،يحوله إلى عامل قوة وفائدة وإلى دافع إيجابي إلى تطوير الذات وللوصول إلى الأهداف.
*************
منقووووووووول بتصرف (جامع السعادات الجزء الثاني للعلامة النراقي) للفائدة
__________________