وأول من اكتشف هذا العلم هو العالم اليوناني ( أرسطو ) ثم جاء من بعده العالم والفيلسوف الكبير ( الشيخ أبن سينا ) ثم جاء في العصر المتأخر العارف الكبير ( صدر المتألهين ) وهنا فهمنا العلاقة بين الفلسفة والعرفان وانهما لا بفترقان عن بعضهما وأن الفلسفة أو ما سمى بالعرفان النظري هي مسيلة من وسائل العرفان العملي وهو المكاشفات والتحليق في عالم الوجود وعالم ما وراء الوجود أو ما يسمى بعالم ما وراء الحجب ولهذا يحتاج السالك إلى أسفار أربعة كما يقول ( صدر المتألهين ) في كتابة الأسفار أو الحكمة المتعالية :
السفر الأول :
السير من الخلق إلى الحق ويسعى فيه السالك إلى تجاوز الطبيعة وبعض عوالم ما بعد الطبيعة ليصل إلى ذات الحق سبحانه وتعالى فلا يكون بينهما حجاب .
السفر الثاني :
فبعد أن يعرف السالك ذات الحق سبحانه وتعالى عن كثب يشرع بعون الله في السفر والتجول في التحليق في الصفات والكمالات .
السفر الثالث :
السير من الحق إلى الخلق بالحق وفيه يعود السالك إلى الخلق فيمكث بينهم وليس معنى هذا انقطاعه عن ذات الحق .
السفر الرابع :
السير في الخلق بالحق وفيه يقوم السالك بإرشاد الناس وهدايتهم للوصول للحق .
والمقامات التي تتعرض لها الفلسفة العليا هي :
المقام الأول المتعلق بالوجود وما يقابله من الماهية والعدم :
يقول الفلاسفة أنه لا يوجد شيء في العالم العيني سوى الوجود فليس للوجود ما يقابله خارج الذهن إلا أن الذهن البشري الذي يصنع المفاهيم قد صاغ في قبال الوجود معنيين ومفهومين آخريين أحدهما العدم والثاني الماهية وهناك مجموعة من المسائل الفلسفية تتعلق بالوجود والماهية وهناك مسائل تتعلق بالوجود والعدم .
المقام الثاني المتعلق بأقسام الوجود :
الوجود ينقسم إلى أقسام أو أنواع وهو من قبيل تقسيمه إلى العيني والذهني والواجب والممكن والحادث والقديم والثابت والمتغير والواحد والكثير وما يكون بالفعل وما يكون بالقوة والجوهر والعرض وهذه كلها تقسيمات الوجود الأولية أي التي تعرض للوجود بما هو وجود .
المقام الثالث المتعلق بالقوانين الكلية المتحكمة بالوجود :
من قبيل العلية والسنخية بين العلة والمعلول وضرورة قانون العلية والتقدم والتأخر والتزامن في مراتب الوجود .
المقام الرابع المتعلق بإثبات مراتب الوجود :
بمعنى أن للوجود عوالم وطبقات مخصوصة ويعتقد الفلاسفة المسلمون بأنها عوالم أربعة :
عالم الطبيعة وهو عالم الناسوت وهو عالم المادة والحركة والزمان زالمكان .
عالم المثال وهو عالم الملكوت وهو عالم أسمى من عالم الطبيعة وله صور وأبعاد إلا أنه فاقد للحركة والزمان والتغيير .
عالم العقول وهو عالم الجبروت وهو عالم العقول أو المعاني الخالي من الصور والأشباح ويفرق عن عالم الملكوت .
عالم الألوهية وهو عالم اللاهوت وهو عالم الألوهية والوحدانيو .
المقام الخامس المتعلق بارتباط عالم الطبيعة :
بمعنى أنه المتعلق بحركة الوجود النزولي من اللاهوت إلى الطبيعة وحركة الطبيعة الصعودية إلى عوالم أسمى وهو ما يسمى بالمعاد .
ونعود هنا للحديث عن العرفان :
العرفان من الناحية العملية فهي عبارة عن علاقة الإنسان تجاه نفسه والكون وخالقه وبذلك يكون العرفان كالأخلاق أي بمعنى أنه علم عملي وهذا القسم من العرفان هو الذي يسمى بالسير والسلوك وهو الذي يتعرض لبيان البداية التي ينبغي للسالك أن يخطوها للوصول إلى التوحيد .
العرفان من الناحية النظرية وهو الذي يتعرض إلى تحليل الوجود ويبحث بشأن الخالق والكون والإنسان فيكون العرفان من هذه الناحية مشابها للفلسفة الإلهية التي تعمل على دراسة الوجود .
ويشترك العرفان مع الحكمة الإلهية في وجه ويختلف عنها في وجوه فوجه الإشتراك بينهما هو معرفة واجب الوجود وهو الله سبحانه وتعالى وأما وجوه الاختلاف :
الأول :
أن الحكمة الإلهية لا تقتصر على خصوص معرفة الله وإنما تهدف إلى معرفة نظام الوجود كما هو وأما العرفان فيقتصر فقط على معرفة الوجب للوجود وهو الله .
الثاني :
إن المعرفة التي ينشرها الحكيم أي الفيلسوف هي المعرفة الذهنية والفكرية نظير معرفة عالم الرياضيات عندما يفكر في حل مسألة رياضية بينما المعرفة التي يتوخاها العارف هي معرفة حضورية وشهودية نظير معرفة البايلوجي عند عمله في المختبر فالحكيم يريد الوصول إلى علم اليقين بينما العارف يريد الوصول عين اليقين .
ثالثا :
إن الأداة التي يستخدمها الحكيم هي العقل والاستدلال والبرهان وأما أداة العارف فهي القلب وتهذيب النفس وتصفيتها فالحكيم يحاول دراسة العالم بمنظار ذهنه بينما العارف يحاول التحرك بجميع الوجوه للوصول إلى كنه الوجود وحقيقته .
وفي الختام أغلى بعض مصطلحات العرفاء وبيان مرادهم منها :
الوقت :
وأول من نقل هذا المصطلح هو الشيخ الرئيس أبن سينا وأن مفهوم الوقت مفهوم نسبي إضافي فكل حالة تعتري العارف تقتضي منه سلوكا معينا وبما أن حالة ذلك العارف المعينة تقتضي سلوكا معينا تسمى تلك الحالة بالوقت .
الحال والمقام :
وهما من جملة مصطلحات العرفاء الشائعة فإن ما يدخل إلى قلب العارف دون اختيار يسمى الحال وأن ما يبادر العارف إلى تحصيله واكتسابه يسمى المقام ولكن الحال سريع الزوال .
القبض والبسط :
ولهما معنى خاص عند العرفاء فالقبض يعني انقباض روح العارف والبسط يعني انشراحه وقد بحث أسبابهما بشكل موسع في كتب العرفاء .
الجمع والفرق :
وقيل أن ما يحصل عليه العبد بنفسه ويستحق بسببه مقام العبودية يسمى الفرق
وما يهبه الله له من قبيل الإلقائات فهو الجمع فالذي يقربه الله بسبب عبادته وطاعته فهو في حالة الفرق والذي تشمله عناية الله ولطفه فهو في حالة الجمع .
الغيبة والظهور :
والغيبة تعني الغياب عن الخلق وعدم الإحساس بهم وهي حالة تعتري العارف أحيانا فلا يشعر بأحد أو بما يجري حوله وذلك لاستغراقه في الحضور بين يدي الله .
والظهور عكس الغيبة تماما .
الخواطر :
يسمي العرفاء ما يلقى على قلب العارف بالواردات وهي أحيانا على نحو القبض أو البسط أو السرور أو الحزن وقد تكون أحيانا على هيئة الكلام والخطاب بمعنى قد يشعر العارف بشخص يخاطبه وهي تسمى بالواردات أو الخواطر .
القلب أو الروح أو السر :
ويعبر العرفاء عن سريرة الإنسان تارة بالنفس وأخرى بالقلب وأخرى بالروح وأخرى بالسر .
ويقولون بأنها مادامت أسيرة شهواتها تسمى بالنفس فإذا دخلتها المعارف الالهية سميت بالقلب وإذا طلعت عليها شمس المحبة الالهية سميت بالروح وإذا بلغت مرحلة الشهود سميت بالسر .
وقد حدثنا التاريخ عن الكثير من العرفاء سواء ممن كان مع أهل البيت (u) أو ممن جاء بعدهم ومن أراد فاليراجع كتب العارف الكبير الشيخ الملكي التبريزي وغيره من العرفاء .
نسال الله أن ننال بعض مما عندهم من السير والسلوك .
المفضلات