((بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ))
في الدعاء الوارد عن أهل بيت العصمة سلام الله عليهم

(( اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف رسولك اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرفني حجتك اللهم عرفني حجتك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني))

حديثي سوف يكون في العرفان ماهو وما هي أقسامه والفرق بينه وبين التصوف :

لعل الكثير من الناس لا يفرق بين العرفان وبين التصوف والخطأ السائد بين الناس أنهم يعتقدون أن كل من تصوف قد تعرف التصوف هو تعذيب النفس بترك ملذات الدنيا من المباحات وتعذيب الجسم ببعض الممارسات لهذا لا يطلق على التصوف بأنه السير والسلوك والبعض يعتقد أنه من قام ليلة وصام نهاره فهذا هو طريق العرفان تماما نفس الخطأ السائد عن الغنى والتواضع لهذا يقال التواضع ليس أن لا تملك شيء وإنما التواضع أن لا يملكك شيء فالعرفان ليس التعذيب والحرمان وترك النظافة وغيره ..... بل العرفان هو التحليق في عالم الملكوت .
العرفان هو من العلوم التي ولدت وترعرعت وتكاملت في مهدد الثقافة الإسلامية وهناك فرق بين العرفاء وسائر الشرائح من العلماء والمفسرين والمتكلمين والفلاسفة والأدباء فإن العرفاء مضافا إلى كونهم طبقة مثقفة أبدعت علما اسمه العرفان وظهر فيهم من العلماء الكبار الذين صنفوا كتبا قيمة وقد برزوا كفرقة اجتماعية في العالم الإسلامي لها سماتها التي ميزتها من غيرها وقد عرفوا بهذا التعريف بسبب ما يصلون له من كمال ومعرفة بالله سبحانه وتعالى وهذه اللفظة مشتقة من الدعاء الذي افتتحت به المقام وكذلك من أدعية أخرى .

ولكننا نرى أن العرفاء يميلون كثيرا إلى الفلسفة فهم وكما في كتبهم يقولون أن الفلسفة هي إحدى الأدوات التي من خلالها يصلون إلى الكمال ولهذا يقال أن كل عارف فيلسوف وليس كل فيلسوف عارف بمعنى أنهم بينهم عموم وخصوص من وجه كما في علم المنطق .

ولا بأس هنا أن أعرف الفلسفة ثم أعود للعرفان الفلسفة كلمة يونانية وهي معربة من كلمة ( فيلوسوفيا ) وهي مأخوذة من كلمتين ( فيلو ) وأيضا ( سوفيا ) و الأولى تعني ( الحب ) والثانية تعني ( الحكمة ) ولهذا عندما نقرأ كتب أفلاطون نجده عندما يذكر سقراط يعبر عنه بأنه ( فيلاسوفوس ) أي بمعنى (محب الحكمة) لو تأملنا قليلا لوجدنا أن أغلب الأدلة التي من خلالها نثبت وجود الخالق سبحانه وتعالى هي من الفلاسفة ولكن منشأ الاختلاف بين الفلاسفة والفقهاء هو الميول الكثير للتفكر في الماهية وحقيقتها ومن هنا نجد أن بعض الفلاسفة قد زلت أقدامهم عن الطريق .

وعلى كل حال ليست الفلسفة في المصطلح الشائع بين المسلمين اسما لفن أو لعلم مخصوص فإنهم يدرجون جميع العلوم العقلية في قبال النقلية من قبيل علم اللغة والنحو والصرف والمعاني والبديع والعروض والحديث والتفسير في عنوان الفلسفة ولكن كان لكلمة الفلسفة مفهوم عام آنذاك فكانت تطلق على الشخص الجامع لجميع العلوم العقلية من قبيل الرياضيات والإلهيات والطبيعيات حتى اشتهرت عبارة بين العلماء هي ( الفيلسوف عالم عقلي مضاه للعالم العيني )
وقد استعمل العلماء لفظتي الفلسفة والحكمة في مقام بيان التقسيم الأرسطي للعلوم وكانوا يقولون إن الفلسفة العقلية تنقسم
إلى قسمين ( النظرية , العملية ) :
أما النظرية : فهي التي تبحث في الأشياء كما هي وكما ينبغي أن تعلم .
وأما العملية : فهي التي تبحث في أفعال الإنسان كما ينبغي أن تكون وتفعل .

والفلسفة النظرية على ثلاث أقسام :
الإلهيات أو الفلسفة العليا والرياضيات والفلسفة الوسطى والطبيعيات أو الفلسفة السفلى .

وتشمل الفلسفة العليا على علمين :
الأحكام العامة : وهي الأحكام العامة للوجود .
والأحكام بالمعنى الأخص : وهي الإلهيات وهي معرفة الله .

والرياضيات على ثلاث أقسام وكل واحد منها علم بنفسه :
وهي الحساب والهندسة والهيئة بمعنى حقيقة الشيء وهيئته الأصلية .

والطبيعيات على أقسام كثيرة منها :
علم الأخلاق وسياسة المدن وتدبير المنزل .
فالفيلسوف الكامل بناء على تعريفهم له هو المستوعب لكل هذه العلوم .

وباختصار شديد الرفان ينقسم إلى قسمين ويرتكز كل منهما على الآخر بمعنى يتوقف وجود كل منهما على الآخر
والعرفان العملي وهو السير والسلوك والوصول للساحة القدسية .
والعرفان النظري وهو الوصول للحقيقة الربانية والتي يعبر عنها بأصالة الوجود وكما يقال في الفلسفة ( إن الوجود عندنا أصيل ودليل من خالفنا عليل ) .

وأول من اكتشف هذا العلم هو العالم اليوناني ( أرسطو ) ثم جاء من بعده العالم والفيلسوف الكبير ( الشيخ أبن سينا ) ثم جاء في العصر المتأخر العارف الكبير ( صدر المتألهين ) وهنا فهمنا العلاقة بين الفلسفة والعرفان وانهما لا بفترقان عن بعضهما وأن الفلسفة أو ما سمى بالعرفان النظري هي مسيلة من وسائل العرفان العملي وهو المكاشفات والتحليق في عالم