لا غنى للمؤمنين عنهما، ولأجلهما يهون تأخر النصر:
الأولى:
تكفير السيئات وزيادة الأجر، حيث – والحالة هذه -
يصب العذاب على المؤمنين بالأذى والقتل والتشريد والتخويف،
وكل ذلك في ميزان أعمالهم،
فما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا حزن حتى الشوكة يشاكها
إلا كان له بها أجر، هذا في دنياه، فكيف إذا كان لأجل جهاده الكفار؟.
قال الله سبحانه:
{ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ومخمصة في سبيل الله
ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب
لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين *
ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم
ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعلمون}.
الثانية:
التمحيص، حيث يعلم المؤمن من المنافق، والصادق من الكاذب المفتون،
ففي النصر السريع يكثر الأدعياء، المدعون أنهم مع المؤمنين،
ليحصل لهم شيء من الغنيمة، وقد بينهم الله تعالى بقوله:
{الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا
ألم نكن معكم، وإن كان للكافرين نصيب قالوا
ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين}.
وقال تعالى عما أصاب المؤمنين في غزوة أحد:
{وما أصابكم يوم التقى الجمعان فإذن الله وليعلم المؤمنين}..
وقال تعالى
:{إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله
وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا
ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين *
وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين *
أم حسبتم أن تدخلوا الجنة
ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين}.
بل قد يبلغ التأخر غايته حتى ليصاب المؤمنون
باليأس والضعف والوهن، وهذه حقيقة، فالنفس البشرية
مهما علت في إيمانها، إلا أن الوهم قد يستحوذ عليها ويسوقها،
لكن لا يستمر ذلك طويلا، فالإيمان وإن ضعف قليلا إلا إنه
لا يتلاشى ولا يموت، بل ينتفض حيا، برحمة الله تعالى،
حيث ينـزل نصره في تلك الأوقات الحرجة، حينما يقع اليأس والخوف،
مع الضراعة الحارة، كما في قوله تعالى:
{أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم
مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين
آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب}.
وكما في قوله تعالى
:{حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم
نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين}.
وفي قوله تعالى
:{إذا جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار
وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا *
هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا}.
وإذا كان النصر متحققا، إذا تحققت شروط النصر، فينبغي
اليقين بوقوع النصر، ولو تأخر إلى حين، وقد كان مما رد الله تعالى
به على المرجفين والظانين أن الله لن ينصره دينه قوله تعالى:
{من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد
بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ}،
"قال أبو جعفر النحاس:
من أحسن ما قيل فيها أن المعنى:
من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا صلى الله عليه وسلم،
وأنه يتهيأ له أن يقطع النصر الذي أوتيه، {فليمدد بسبب إلى السماء}،
أي فليطلب حيلة يصل بها إلى السماء، {ثم ليقطع}،
أي ثم ليقطع النصر إن تهيأ له، {فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ}،
وحيلته ما يغيظه من نصر النبي صلى الله عليه وسلم،
والفائدة في الكلام أنه إذا لم يتهيأ له الكيد والحيلة
بأن يفعل مثل هذا، لم يصل إلى قطع النصر". تفسير القرطبي 12/21.
قال تعالى: {وكان حقا علينا نصر المؤمنين}.
* (الناصر الله وحده..)
إن النصر من الله وحده، والمؤمنون وحدهم هم الذين
يعلمون كيف يكون منه وحده؟، إذ الأمر كله له،
والعباد كلهم في حكمه وقهره، وهو يقول سبحانه:
{إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم
فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون}.
وهو سبحانه ينهى عن الركون وطلب العون من الكافرين،
إذ إنهم لا يقدرون على شيء، ثم هم لا ينصرون
إلا بثمن مقابل، والثمن هو الدين، فنصرتهم خسارة كبيرة
لا تعوض، يقول الله تعالى:
{يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم
فتنقلبوا خاسرين * بل الله مولاكم وهو خير الناصرين}..
فالله هو خير الناصرين، وهو وحده النصير،
وليس للمؤمنين نصير غيره، قال تعالى:
{ومالكم من دون الله من ولي ولا نصير}..
وقال تعالى
: {والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا}.
وما استنصر أحد بالله تعالى صادقا مخلصا إلا نصره الله تعالى
وأعزه وآتاه الثواب كله، في الدنيا والآخرة، وسكن روعه،
وأذهب خوفه، وأمنه من عدوه، كما قال في محكم تنزيله:
{وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم
في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين*
وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في
أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين *
فآتاهم ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين}.
وقال: {ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت
أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين * فهزموهم بإذن الله وقتل
داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء}.
وقال تعالى
:{الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم
فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل *
فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء
واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم*
إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين}.
وما دعا نبي ربه أن ينصره على الظالمين إلا نصره، قال تعالى
:{فدعا ربه أني مغلوب فانتصر * ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر *
وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر *
وحملناه على ذات ألواح ودسر * تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر}.
ثم ماذا بعد؟.
ليس بعد هذا الفضل من الله تعالى على المؤمنين إلا أن يقولوا:
{ الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله}..
فالحبل المتين، والصراط المستقيم، والبشارة الدائمة، والتسلية،
والتخفيف، والأجر، وتكفير السيئات، والعزة والرفعة،
كل ذلك من الخير الذي أنعم الله به على هذه الأمة المؤمنة
بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم،
فلا خوف بعد هذا، ولا قلق، فالله معنا.....
منقـووول
المفضلات