مغارة جعيتا
تمكنت مغارة جعيتا في أقل من عشر سنوات، بعد إعادة ترميمها وفتحها أمام الزوار، أن تحتل المرتبة الأولى في المرافق السياحية اللبنانية وان تستقطب أكثر من ربع سياح لبنان البالغ عددهم للعام الفائت نحو مليون. وقال المدير العام للشركة مستثمرة المغارة الدكتور نبيل حداد لـ"الحياة" إن عدد زوار المغارة للعام 2003 بلغ 276440 سائحاً، بزيادة نحو 26 ألفاً عن العام 2002 الذي بلغ عدد زوارها 249400. وأضاف إن نصيب جعيتا من السياحة يوازي نصيب كل المواقع الأثرية مجتمعة. تشكل جعيتا أحد أهم عناصر غنى لبنان السياحي. فهي تقع في وادي نهر الكلب الأثري شمال بيروت (18 كيلو متراً)، وتمتاز بوجود طبقتين، عليا جافة وسفلى يجري فيها نهر جوفي يشكل الجزء المغمور من منابع نهر الكلب. وشكلت المياه الكلسية المتسربة مع مرور الزمن عالماً من القبب والمنحوتات والأشكال المتدلية في فضائها. افتتحت المغارة السفلى للمرة الأولى أمام الجمهور في تشرين الأول (أكتوبر) عام 1958، بينما افتتحت العليا في كانون الثاني (يناير) عام 1969. ويعود اكتشاف المغارة السفلى إلى ثلاثينات القرن التاسع عشر على يد المبشر الأميركي وليام طومسون. بعد ذلك أجريت حملات استكشاف عدة تمكنت من ولوج المغارة حتى عمق 800 متر في العام 1873 وإلى عمق 1060 متراً في العام التالي. ثم توالت رحلات الاستكشاف الإنكليزية والاميركية والفرنسية داخل المغارة بين عامي 1892 و1940 حتى أصبح عمق المغارة المعروف يناهز 1750 متراً. في بداية الأربعينات تولى مستكشفون لبنانيون سبر أعماق المغارة حتى بات عمقها المستكشف المعروف حالياً يصل إلى 7 كيلومترات. أما المغارة العليا فظلت مجهولة حتى عام 1958 عندما قام فريق من المستكشفين اللبنانيين بولوجها من داخل المغارة السفلى. وبعد إقفال دام طوال سنوات الحرب الأهلية، لزّمت الدولة تأهيل المغارة وإعادة فتحها إلى شركة خاصة مدة 23 سنة، مضى منها تسع سنوات في مقابل نحو 35 في المئة من مداخيلها، تتوزع على النحو الآتي: 10 في المئة لوزارة المال، و10 في المئة لوزارة السياحة، و10 في المئة تذهب للضريبة على القيمة المضافة، و5 في المئة للبلدية. وقال حداد إن حصة الدولة للعام 2003 بلغت 900 مليون ليرة، وإذا أضيفت إلى هذا المبلغ الضرائب والقيمة المضافة فيفيض المبلغ على بليوني ليرة. تستغرق الجولة العادية لزائر المغارة نحو ساعتين، ويمكنه بالطبع أن يمضي النهار كله. فهو بعد أن يقطع تذكرة (12 دولاراً للكبير و7 دولارات للصغير) يستقل التلفريك إلى المغارة العليا حيث يشاهد قبل دخولها شريطاً (بلغات عدة) عن المغارة مدته 21 دقيقة، ثم يزور المغارة الجافة ويمشي فيها 40 دقيقة، بعد ذلك يستقل قطاراً صغيراً إلى المغارة السفلى ويدخل فيها عبر زورق نحو ربع ساعة، ثم يخرج إلى فسحة فيها حديقة حيوانات صغيرة وثلاثة متاجر تباع فيها حرفيات من التراث اللبناني. ويمكنه أيضاً أن يتناول الغداء إذ توجد ثلاثة مطاعم واستراحات. وتبلغ كلفة وجبة الغداء الكامل نحو 9 دولارات، أما الطلاب فثمن غدائهم مشمول بثمن التذكرة أي 12 دولاراً. مغارة جعيتا جعلت لبنان يفوز بجائزة "القمة السياحية العالمية" للعام 2002، إذ اختارتها لجنة دولية من بين 27 مشروعاً. وأوضح حداد الذي تسلم أخيراً الجائزة إن القمة تعقد سنوياً في جنيف أو أي منطقة من مناطق جبال الألب، في رعاية الرئيس الفرنسي والبنك الدولي ومنظمة السياحة العالمية، من أجل البحث في مواضيع سياحية لها أهمية لناحية التعاون بين القطاعين العام والخاص في مجال التنمية السياحية المستدامة. وهذه القمة تمنح جائزة سنوية قيمتها 3 آلاف يورو ويسمح للفائز بها باستخدام اسم القمة، ويساعدونه في الترويج الدعائي من خلال منشوراتها وموقعها الالكتروني، لمشروع تتوافر فيه شروط تتلاءم مع البيئة وله فوائد اقتصادية واجتماعية وثقافية. وأضاف يقول: "وهذه الشروط توافرت في مشروع جعيتا. فالمغارة عمرها مئات آلاف السنين، فروعيت حساسيتها في أساليب علمية، فلا يسمح بإدخال أي نوع من الضوء، فهو يؤدي إلى تكوّن طحالب وفطريات على أسطح الصخور الكلسية، وكذلك بيئياً لا نستخدم في عملنا الداخلي أي مواد كيماوية. ويدرب الموظفون دائماً على احترام البيئة والطبيعة، ولا تستخدم أي مواد تضر بهما وبمياه المغارة التي تروي نصف سكان مدينة بيروت". وقال حداد "أما لناحية التنمية المستدامة فان المغارة يعمل فيها 130 موظفاً صيفاً يخفض عددهم إلى 80 شتاءً، خصوصاً إننا نشغل طلاباً في فرصتهم الصيفية كموظفين موسميين، لأن عدد الزوار يرتفع ليبلغ نحو 4 آلاف يومياً. ومن الناحية الثقافية، فان إدارة المغارة تقيم نشاطات ثقافية متنوعة تتفاوت بين مسابقات الرسم والأمسيات الشعرية والموسيقية، وإقامة مجسمات تمثل التراث اللبناني والقرى ومنحوتات. أما الناحية الاقتصادية فهي إن المغارة ملك الشعب اللبناني وتفيد الدولة منها بنحو بليوني ليرة سنوياً". ونقل حداد عن رئيس لجنة التحكيم البروفسور كلير الذي يسمى "بابا السياحة" في سويسرا قوله له أثناء تسليمه الجائزة: "انتم استوفيتم الشروط كاملة، ولم نكن نتوقع ان في لبنان مشروعاً سياحياً بمقاييس عالمية يدار وفق هذا النمط".
يتبع
المفضلات