((بسم الله الرحمنالرحيم)).
قال الله تعالى:
((إِنَّمَا يَعْمُرُمَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَوَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوامِنْ الْمُهْتَدِينَ))
يعتبر المسجد أضخم مؤسسة في الإسلام فقد كان لهذه المؤسسة دورخطير وكبير في تاريخ الدعوة الإسلامية ولها رسالة مهمة في حياة المسلمين فما هودور المسجد وما هي وظيفته في المجتمع الإسلامي.
من المعلوم إن للمسجد وظائف مهمة وأدوارا وأهدافاً كثيرة فيالأمة الإسلامية نذكر منها ستة أهداف :
الهدف الأول للمسجد في الإسلام :
هو مركز العبادة الإسلامية فالعبادة في الإسلام لا تتمحور فيمكان واحد وإنما الأرض كلها موقع لعبادة الإنسان والحياة كلها مجال واسع لعبادةالإنسان والإسلام يريد من الإنسان أن يكون عابداً في كل حركة من حركاته وفي كل مجال من مجالات حياته وفي كل موقع من مواقع الأرض والحياة ولكن للمسجد مركزيته المهمة في مجال العبادة ففي المسجد يشحن الإنسان بالطاقة العبادية والطاقةالعبادية قوة فعالة في حياة الإنسان فأضخم طاقة جبارة يجب أن يمتلكها الإنسان هي الطاقة العبادية فإذا امتلكها كان عابداً حقيقة وأصبح إنساناً مستقياً وفاعلاًومعطياً في الحياة والإنسان العابد هو الإنسان الحقيقي لأن مفهوم العبادة بمعناه الشمولي في الإسلام هو مفهوم الحركة المرتبطة بالله سبحانه وتعالى فالعابد هوالإنسان المتحرك من وحي أوامر الله سواءً في المسجد أم في الشارع أم في المكتب أم في كل مكان فمتى ما تحرك الإنسان ضمن أوامر الله ومنهجه في كل حركة ومعاملة وفي كل فكرة وعاطفة وأينما كان موقعه وأي كان مجاله وسلوكه فهو إنسان عابد وهذا هومفهوم الإنسان العابد في الإسلام.
إذاً لماذا يعتبر المسجد مركز العبادة في حين أن نظرية الإسلام تجعل الحياة كلها مسرحاً لعبادة الإنسان المسلم كما ذكرنا أن المسجد هو مركز الضخ العبادي والإنسان المسلم حينما يدخل إلى المسجد يتزود بطاقة ضخمة من العبادة وطاقةالعبادة الحقيقة طاقة إبداعية في حياة الإنسان حتى يستثمر هذه الطاقة من العبادة في حياته وفي حركته في الحياة وإذا لم يمتلك هذه الطاقة وهو يتحرك في الحياة بعيداً عنخط الله ومنهجه فمعناه أنه حينما يدخل هذا المركز العبادي لم يتزود بطاقة عباديةفمن المسجد يتزود الإنسان بطاقة العبادة وطاقة الحركة المرتبطة بالله سبحانه وتعالى.
وكلما ذبلت روحية الإنسان يأتي هنا دور المسجد فهو الذي يزوده بالطاقة وبالشحنات العبادية فالمسجد هو محطة التزويد بالطاقة العبادية والصلاةهي منطلق التزويد فإذا لم تكن صلاة الإنسان فاعلة ولم تكن معطية ومغيرة فهناك خلل في عملية استثمار الطاقة العبادية عند الإنسان ومن هنا كان ضرورة ملحة أن يرتبط الإنسان المسلم بالمسجد ليتزود بالطاقة العبادية العملاقة التي تصنع منه إنساناًملتزماً مطيعاً متحركاً في اتجاه الله حتى يضمن مسيرته ويضبط حركته في الحياة فالوظيفة الأولى للمسجد هي كونه مركزاً للعبادة الإسلامية.
الهدف الثاني للمسجد في الإسلام:
هو موقع لتجميع المؤمنين ففي داخل المسجد يتم التلاقي والتفاعل بين المؤمنين وكم لهذا التجمع وهذا التلاقي والتفاعل اليومي في داخل المسجد من عطاءكبير في كيان الأمة والمجتمع وفي كيان المؤمنين فتكرار هذا الارتياد والتلاقي في داخل المسجد وتكرار هذا التجمع الإسلامي يعطي للجماعة المؤمنة قوة ومناعة وما أحوج المؤمنين إلى القوة والوحدة وإلى التلاحم والمسجد هو الذي يحقق هذه الروح الجماعيةفي الأمة.
وهنا يأتي سؤال لماذا يؤكدالإسلام كثيراً على حضور المسجد
والجواب هو يمكن للإنسان أن يصلي في بيته أو في أي مكان آخروصلاته تكون صحيحة ولكن ورد هذا التأكيد الكبير على أفضلية الصلاة في المسجد لأن الصلاة في المسجد تزرع الروح الجماعية عند الإنسان المؤمن وتخلق روحاً جماعية في الأمة فالمسلم حينما يلتقي في المسجد في كل يوم بأخوة مؤمنين فهذا اللقاء المتكرريخلق علاقةً وتلاحماً ويخلق توحداً وقوةً فالمسجد يحقق هدفاً ضخماً في حياة الأمةوهذا الهدف الضخم في حياة الأمة هو توحيد الكيان الإسلامي ولذلك يؤكد الإسلام على صلاة الجماعة لأن صلاة الجماعة مظهر من مظاهر الجماعية في الإسلام والإسلام يؤكد دائماً على التحرك الجماعي وعلى التعاون والتشاور وعلى التلاقي والروح الجماعيةهدف كبير يخلقه الإسلام في كيان المسلمين وفي كيان المؤمنين وصلاة الجماعة تخلق روحاً جماعية عند الأمة بينما يمكن للإنسان أن يصلي صلاة مفردة ولكن ليس فيها عطاءكالعطاء الذي تقدمه الصلاة الجماعية فهو عطاء كبير في حياة الأمة لأن الإسلام لايريد أن تكون عند المسلمين حركة أنانية وانعزالية وحركة فردية ولا يريد للإنسان أن يتحرك تحركاً فردياً لأن الحركة الفردية في داخل الأمة معول يهدم كيان الأمة ومنهنا أعطى الإسلام لصلاة الجماعة قيمة ضخمة جداً لا تعادلها قيمة لأنها وسيلة من وسائل بناء الكيان الإسلامي وخلق التجمع والتلاحم الإسلام.
((من مشى إلى مسجد يطلب فيه الجماعة كان له بكل خطوة يخطوهاسبعون ألف حسنة ورفع الله له سبعين ألف درجة وإذا مات كذلك بعث الله سبعين ألف ملك يعودونه في قبره ويؤنسون وحشته ويبشرونه بالجنة ويدعون له إلى أن يبعث))
وهذا الحديث يدل على الاهتمام الضخم من قبل الإسلام بصلاةالجماعة فضخامة العطاء تتناسب مع ضخامة الوسيلة ومع ضخامة المظهر والهدف فهذه قيمةصلاة الجماعة لأنها وسيلة من وسائل البناء الجماعي في الأمة والإسلام يريد أن يخلق الوحدة والتلاحم والتفاعل لأن أي لون من ألون التصدع في الكيان الإسلامي ظاهرة نشاز يرفضها الإسلام.
وفي حديث آخر عن رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ((وإذا زادوافلو كان البحار مداداً والأشجارأقلاماً والثقلان والملائكة كتاباً ما استطاعوا أن يكتبوا ثواب ركعة واحدة من صلاةالجماعة))
هكذا أعطى الإسلام قيمة للتجمع وللتلاحم وللوحدة ولذلك كان المسجد وسيلة ومركزا للتجمع فهو مؤسسة ضخمة ومهمة جداً وهذا التجمع والتلاحم في المسجد له آثار منها:
أولاً:
هو خلق روح المحبة والأخوة بينالمؤمنين فحينما يلتقي المؤمن يومياً بأخوته المؤمنين فستتعمق أواصر العلاقة بينه وبين إخوانه المؤمنين وستخلق قلوب متصافية ومتلاحمة ومتوادة.
ثانياً
هذا اللقاء اليومي يفرغ من القلوب الضغن والحسد والشحناء والبغضاء لأن اللقاء اليومي وفي رحاب الله لاشك أنه يفرغ كثيراً مما في النفوس من أضغان وبغضاء وحسد لأنه يتم في بيت من بيوت الله لأنالمسجد بيت من بيوت الله والصلاة عبادة من عبادات الله التي يتقرب بها الإنسان إلى الله فهذا اللقاء وهذا التجمع وسيلة أيضاً لتفريغ البغضاء والشحناء من النفوس ومن القلوب.ومن خلال تواجد المؤمنين في المسجد أيضاً تتنامى روح التكافل الاجتماعي فيكون لون من التحسس لقضايا الناس وتحسس بقضايا المعوزين والفقراء ولمشاكل الضعفاءوالبؤساء ففي المسجد تنمو عند الإنسان روح التكافل الاجتماعي ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) والإسلام يؤكد كثيرا على التكافل الاجتماعي.
((مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تدعى له سائرالجسد بالسهر والحمى))
وهكذا يجب أن تعيش الجماعة المؤمنة في الكيان الإسلامي روح التلاحم والتواد.
((يدخل أبو إسماعيل وهو أحد أصحاب الإمام الباقر عليه السلام يقول له:سيدي جعلت فداك أن الشعية عندنا كثير ألتفت إليه الإمام الباقر عليه السلام قال له:هل يعطف الغني على الفقير ويتجاوز المحسن عن المسيء ويتواصون قال لا،قال:هؤلاء ليس بشيعة الشيعة الذين يعطف غنيهم على فقيرهم ويتجاوز محسنهم عن مسيئهم ))
وبينهم تواسي وتواصل وتلاحم واتحاد وتواد، فالمسجد يخلق هذه الروح عندالأمة وعند الناس المؤمنين.
الثالث:
المسجد مدرسة للتربية الروحيةوالأخلاقية ولا شك أن حركة الإنسان المادية في هذه الحياة تضغط على الكثير من الروحية والأخلاقية عند الإنسان ولذا فهو بحاجة إلى شحن روحي فحينما يدخل للمسجديشحن روحيا لأنه مركز للشحن الروحي وللإشعاع الأخلاقي الروحي لذلك الإنسان لما يدخل إلى المسجد يحس بروحيته تتنامى وتتصاعد وتنمو قابليته وأخلاقيته من خلال توافده على هذه المؤسسة الإسلامية التي تسمى المسجد التي تربي الروح عند الإنسان ثم إنه يحس بانفتاح روحي ويحس بقرب من الله سبحانه وتعالى هذا الانفتاح الروحي وهذاالاتجاه إلى الله والقرب منه وسيلة من وسائل تربية الروح عند الإنسان المؤمن لذلك المسجد منطلق لتربية الروح وما أحوج المسلمين في مثل هذا الزمان الذي طغت فيه المادة إلى تربية أرواحهم لأن الحياة اليوم حياة مادية قاسية فأينما يتحرك الإنسان يتحرك في أجواء مادية وفي أوضاع ضاغطة على روحيته فهو بحاجة إلى أن يأتي إلى هذه المراكز العبادية حتى يشحن روحياً وإلا إذا انفصل عن هذه المراكز العبادية فستطغى عليه الروح المادية ويسيطر عليه الوضع المادي إلى أن تنفصل روحه وتهبط فالمؤمن بحاجة لأن يكون متصلاً دائماً بالمسجد يغدو ويروح لأن الذي يرواد المسجد باستمراروالذي كلما خرج من المسجد تعلق قلبه به هذا سيكون من السبعة.
((الذين يظلهم الله تحتظله يوم لا ظل إلا ظله))
فوجود الإنسان في المسجد إذاً هو تربية للروح من خلال الصلاة والدعاء وقراءة القرآن ومن خلال الوعظ والإرشاد وهذه كلها وسائل تنمي روحية الإنسان وأخلاقيته فالمسجد إذاً وسيلة مهمة من وسائل التربية الروحيةوالأخلاقية ومن وسائل التربية التهذيبية للناس.
المفضلات