درجات الملائكة
نجد أنّ بين الملائكة أيضًا من هم رؤساء و من هممرؤسون. و ليس هذا لأنّ بعضهم كبير و بعضهم صغير بل لأنّ كلّاً منهم يُختص بعملٍمعيّن في موضعٍ معيّن. قال تعالى:
قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (12)
(السجدة: 12)

و قال تعالىأيضًا
وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمْ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (94)
(الأنعام: 94)

و قال جلّ وعلا:
إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً (98)
(النِّساء: 98)

فإذا ماتدّبرنا هذه الآيات الثلاث معًا يبدو من الآية الأولى أنّ قبض أرواح جميع النّاسمُسندٌ إلى ملَكٍ واحد. و هذا لا يتناقض بل يدلّ بوضوح على أنّ الموت موكول إلىملَكٍ واحد و أنّ هذا الملَك له مساعدون كثيرون يطيعونه و يقومون بقبض الأرواح. وما دام هناك تدرّج في مسألة الموت فبالمثل نستنتج أيضًا وجود سلسلة ملائكيّة في غيرذلك من المسائل تبدأ بملَكٍ أكبر ثمّ تتدرّج أو تنحدر إلى مُساعدين و تابعين.
طاقةالملائكة
تُعتبر طاقة الملائكة بالقياس إلى طاقة الإنسانمحدودة. فالملائكة على حالٍ واحدة دائمًا أبدًا, أمّا الإنسان فيتقدّم و يرتقي. قالاللهُ تعالى في كِتابه العزيز
وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (32) قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (33)
(البقرة : 32-33)

و الحكمة فيتعلُّمِ آدم عليه السلام دون الملائكة هي لأنّه أكثر استعدادًا منهم لأن يكونمَظهرًا للصفات الإلهية. و حاصل القول هو أن قوى الملائكة و طاقاتهم محدودة بالقياسإلى الإنسان و إنْ كان كُلّ ما يفعله الملائكة لا يكون خلافًا لأمر الله تعالى وإرادته.
إرادة الملائكة
للملائكة إرادةٌ مُحدّدّة و مَثَل هذه الإرادةالمحدودة كمثَل الفرس الذي يُربط من عنقه إلى الشجرة فيمكنه أن يدور حولها كما يشاءو لكن في دائرة محدودة لا تتعدّى طول الحبل. و هكذا أيضًا الملائكة فإنّها تتحرّكحول مركز معيّن و لا تبتعد عن نطاقِ مُعيّن. و هذا الحدّ هو الذي تعنيه الآية
لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (7)
(التحريم: 7)

و هكذا نلمسإرادة الملائكة المحدودة فيما يتعلّق بالأرض و ما يحدث فيها بصورة واضحة في الآية
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ (31)
(البقرة: 31)

فقد وَجّهوا السؤال إلى الله تعالى للإستفسار عن الفساد الذي سيُحدِثُه الإنسان في الأرض و ما هو النّظام أو التدبير الذي سَيُتَّخَذُ لذلك, و توجيه السؤال يدُلّ على أنّ للملائكة قوّة إرادة في بعض المسائل المعيّنة لا تتعدّى صدورها, و هي في دائرة الفضيلة و لا تصلُ إلى الشرّ وحدوده.


يتبع >>>