وبعد رحيل العارف إمام قلي النخجواني إلى النجف والسكنى فيها , سمح السيد حسين القاضي لولده السيد علي بالهجرة إلى النجف الأشرف أيضاً طلب منه أن يذهب يومياً إليه ويجلس عدة ساعات عنده , إن تكلم أصغى إلى كلامه , وان سكت نظر إلى وجهه .
وكان إمام قلي على درجة كبيرة من الصبر , فعندما تفشى الوباء في النجف توفى أولاده الواحد تلو الأخر , ومع ذلك لم يبدو عليه التأثر والتضجر وكان لسانه يلهج بشكر الله عز وجل . حينما سُئل عن علة ذلك قال : لقد رأيتم كيف أن ملاك الأراضي أحراراً في التصرف فيها كيف شاؤوا , فكذلك هنا فأن الله سبحانه هو المالك الحقيقي لهؤلاء الأولاد وهو حرّ في التصرف بهم كيف شاء وليس لأحد حق السؤال والاعتراض عليه فيما يفعل
وعلى الرغم من أهمية الأساتذة الآخرين الذين تتلمذ عليهم السيد علي القاضي بعد ذلك ولكن كان يعتبر أن الفضل يرجع لوالده الذي وضع قدمه على هذا الطريق , يقول نجل السيد علي القاضي : " ويذُكر أنه (قدس سره) مع ما كان يكّن لهؤلاء من الإكبار والإعظام , كان ينكر أن يكون قد تتلمذ عليهما أو يكونا هما – السيد مرتضى الكشميري والسيد أحمد الكربلائي – اللذان وضعاه على الطريق , مع أنه استعان بهما واستفاد منهما روحياً ونفسياً وخلقياً كثيراً.بل كان يذكر أن الذي وضعه على الطريق هو والده المعظم السيد حسين القاضي .
" كما صاحب السيد علي القاضي في النجف الأشرف بادىء الأمر جمال السالكين السيد مرتضى الكشميري الرضوي زهاء عشر سنوات واكتسب منه فنونناً في المعارف الإسلامية والخلقية والعبادية والرياضات النفسية والتهذيبية , ومراتب الرضا والتسليم , وقد أوقد في سّره الجذوات الوجدانية العليا , التي ظل طوال عمره الشريف يذكرها ويترحم على أستاذه ويطلب من الباري تعالى له المغفرة والرضوان .
وهو وإن كان ينكر استاذيه بالمعنى الأخص , إلا أنه كان يعتبره ممن وضعه على الطريق , وأخذ بيده في قطع الأشواط الأولى من سيره السلوكي والأخلاقي بالمعنى الأعم "
وقال السيد محمد حسن القاضي : " وكان والدي (قدس سره) يذكره أي السيد مرتضى الكشميري – كثيراً ويشيد بمآثره وكراماته في أكثر مجالسه حتى ظن كثيرون أنه تلميذه الخاص , مع أنهما كانا يختلفان في بعض وجهات النظر "
ومن هنا ندرك أهمية الأستاذ الكامل للسالكين في طريق العرفان , فقد يلتقي السالك في حياته ببعض العرفاء أو العلماء الذين يتأثر بأخلاقهم ويستفيذ من مواعظهم وإرشاداتهم في تهذيب سلوكه , ولكن للأستاذ منزلة أخرى أهم من ذلك , وليس الأستاذ ممن يختاره السالك لنفسه , بل هو ممن يختاره الله تعالى له . كما لا بد لمن يريد السلوك في طريق العرفان من أستاذه أن يرشده ويأخذ بيده للوصول إلى الكمال , فأن السير في طريق السلوك الروحي مليء بالمطبات والمتاهات التي يضل فيها السائر وحده أو من أختار أستاذاً لنفسه لم يصل إلى درجة الكمال , وفي ذلك يقول السيد علي القاضي : " إن أهم ما يحتاجه السالك في طريق العرفان هو الأستاذ الخبير , المتحرر من الأهواء , والإنسان الكامل المتبحر في المعارف الإلهية و والذي طوى إضافة إلى سيره إلى الله أسفار أخرى , وكانت سياحته في عالم الخلق بالحق .
ولو قضى السالك إلى الله تعالى نصف عمره في البحث عن أستاذ ما كان عندي ملوماً . فإن حصل على الأستاذ الكامل فقد قطع نصف الطريق.
المفضلات