عبادة السيد القاضي


شهد كل من عرف السيد القاضي له بشدة تعبده لله عز وجل وعدم التهاون في أداء الواجبات والمستحبات والابتعاد عن المحرمات و المكروهات . وكان يختفي في عبادته عن أعين الناس , وكثيراً ما كان يتردد على مسجد السهلة ومسجد الكوفة لأداء الصلوات فيها , محاولاً التجنب عن كل لون من ألوان الرياء وطلب السمعة الحسنة , وبعد شهرته بين الناس بالعرفان كان يختفي في عبادته وخاصة في العشر الأواخر من شهر رمضان في مكان لا يعلم به إلا الله .


وإليكم مجموعة من القصص التي تكشف عمق عبودية السيد القاضي وخشوعه وخضوعه لله عز وجل , يقول آية الله السيد محمد الحسيني الهمداني :


كنت قد سمعت من والدي الشيء الكثير عن السيد القاضي قبل أن أتعرف عليه , وكنت في سنة 1347 هـ في مدرسة قوام في النجف عندما جاء السيد القاضي وطلب من المتصدي لسكنى الطلاب في المدرسة أن يُهيىء له غرفة للسكن , فستجاب لطلبه وأعطاه غرفة صغيرة في الطابق العلوي , وعلمنا بعد ذلك أنه كان يريد هذه الغرفة مكاناً للخلوة من أجل التهجد والعبادة , إذ أن بيته الصغير لا يسع عائلته الكبيرة . وعندما كان جميع الطلاب ينامون زهاء الساعة الثانية عشر ليلاً كان السيد القاضي يبدأ إحياء الليل للتهجد والعبادة ومن هنا بدأ حبي له , فكان دعاءه ومناجاته في تلك الغرفة الصغيرة جميلاً وجذاباً , وكان عندما ينهض للوضوء أثناء الليل ويمر من الممر الوسط للوضوء كان يخلع نعليه ويسير بهدوء لئلاّ يطلع عليه احد , وكنت استرق السمع إلى لذيذ مناجاته ودعائه إلى الصباح .


ويقول السيد الهمداني أيضا : وكانت تمر الأيام ولا يراه أحد وكان يتهجد في الليل ويقضي نهاره بالمطالعة أو التفكر . وكانت غالب زياراته لمرقد أمير المؤمنين عليه السلام في الساعة الثانية بعد الظهر , حيث كان يلتجأ الناس في تلك الساعات في النجف إلى السراديب من شدة الحر . وكان يتعمد في اختيار هذا الوقت لئلا يطلع عليه أحد, ولهذا السبب لم يكن يراه أحد, لا في الحرم ولا في مكان آخر إلا نادراً.


وأما في شهر رمضان المبارك فكان يعقد في ليالي العشرة الأولى والثانية مجالس التعليم والأنس. وكان يهرع إليه محبيه من طلاب العلوم الدينية بعد أربع ساعات من الإفطار, ويستغرق المجلس ساعتين. وفي العشرة الثالثة من شهر رمضان كان السيد القاضي يختفي عن الأعين في مكان لا يعرفه أحد , وهكذا كان دأبه إلى آخر سني حياته المباركه . ومهما بحث عنه طّلابه في الأماكن التي يتردد عليها كمسجد السهلة ومسجد الكوفة وكربلاء لم يجدوا له أثراً .


وبقول العلامة الطباطبائي : كثيرة.عادة السيد القاضي في الأحوال العادية التواجد خلال عشرة أيام إلى عشرين يوماً , يلتقي فيها مع محبيه وتلاميذه ويتحدث معهم , ثم يختفي فجأة عدة أيام , فلا يعثر عليه أحد مهما جدّ في الطلب , لا في المدرسة و لافي البيت ولا مسجد الكوفة ولا مسجد السهلة , وينقطع جبره تماماً , وحتى عائلته لم تكن تعرف أين يذهب وماذا يفعل . وكان تلاميذه يبحثون عنه في كل مكان يحتملونه فيه بلا جدوى , ثم يأتي بعد عدة أيام ويبدأ دروسه ولقاءاته مع طلابه وأصدقاءه . وكانت له عجائب وغرائب أخرى كثيرة .