يقول السيد الطهراني : " إنه –إمام قلي- كان في أيام شبابه قد أبتلي بعشق مجازي سلب منه راحته واستقراره, وأصبح بسبب هذا العشق كالمجنون الذي ينسى كلّ شيء من شؤون حياته في (نخجوان),وبينما هو يسير في بعض الشوارع في مدينته في يومٍ من الأيام على غير هدى..إذ جاء إليه رجل وأشار إليه بأنّه قد ضلَّ الطريق وأنّ هذا المعشوق. الذي يتبعه وشغل باله إلى هذا الحدّ ليس بشيء, بل يجب عليه أن يغيّر مسيره في هذا الحب ,وأن الله تعالى قد جعل له الهداية بسبب هذه الكلمة, فانتبه من شبه نوم, وتوجّه نحو نفسه ,وأدرك الخطأ الذي كان قد وقع فيه, وتغيّر عشقه من العشق المجازي إلى نوع آخر من التبتّل والاتجاه والانقطاع الى الله تعالى, ثم أخذ يبحث عن مرشد ودليل يدلّه على الطريق, فأشير عليه بالسفر إلى الديار المقدّسه مكة والمدينة .
ويتهيأ له السفر الذي لم يخل من بعض العناء والمشقّة, إلاّ أنّه يهون الأمر على نفسه بسبب الهدف الذي يبغي الوصول إليه.
ويذهب ألى الديار المقدّسه بمجرّد إشارة عسى أن يفتح له هناك باب وبقى زهاء أربع سنوات من غير أن يحصل على قراره حتى أشرف على اليأس.
فأشير عليه بالسفر إلى مشهد الإمام الرضا عليه السلام, وبقى هناك شهوراً لم تجده الا بتهالات والتوسّلات بالائمة المعصومين عليهم السلام وأخيراً أشير عليه بالسفر إلى قزوين والتشّرف بلقاء (السيد قريش),فشدّ الرحال إلى قزوين, وقد لقي في سفره هذا نصبا.
وعندما وصل الى قزوين وسأل عن السيد قريش بلغت خيبتة أمله في سعيه أقصاها ,فإن السيد قريش رجل من زعماء قزوين وتقصده طبقات مختلفه من أهل البلد لحّل خصوماتهم ومنازعاتهم, وله منصب القضاء والفتيا في قزوين والأعمال الأخرى التي يتصدّى لها عادة رجال الدين.
ومثل هذا الرجل وفي مثل هذه المركزية لا ينتظر منه أن يكون مرشداً, أو شيخاً للطريقة , ومعلم خاّص من النوع الذي كان يطلبه ويبحث عنه في أسفاره وتبتلاته في الأراضي المقدّسة ومشهد الامام الرضا عليه السلام, ولكنّه وجد نفسه مأموراً باللقاء مع هذا السيد.
فذهب إلى داره وجلس مع المراجعين في فصل الخصومات وقضاء الحوائج ,والخدم يقدمونهم للسيد واحداً بعد واحد, حتى انفضّ الجمع ولم يبقى إلاّ إمام قلي ,الرجل الذي لم يعرف أحد من الخدم حاجته وسؤاله ليقدّموه للسيد بعد الاستئذان منه, وبقي هو حائراً لا يدري ماذا يعمل ,وإذا بالسيد يشير اليه بالتوجّه نحوه في الطابق العلوي من الدارالفخم الذي يسكنها, فامتثل وصعد, وأدخله إلى غرفة وأخرى, وثالثة ,بعيداً عن عيون الناظرين, وحدثه خلف أبواب مغلقة وهناك أدرك إمام قلي أنهّ بين يدي صاحبه الذ كان يبحث عنه في الديار المقدّسه ,وأنّه أصبح أمام رجل لايستطيع أن يخفي عنه شيئاً لأنّ السيد قريش كان عارفاً بكل مجريات حياته منذ أن كان مبتلى بالعشق المجازي ألى هذا اليوم وهذه الساعة التي يمتثل فيها بين يديه والسيّد رابط الجأش, قوي الشكيمة والعزيمة يهوّن على صاحبه ويطلب منه التهيؤ للقيام بأعمال خاصة واوراد معينة, وطلب منه ايضاً الذهاب الى تبريز والاستيطان فيها والاشتغال بعمل تجاري خاصّ لإجراء معاشه وشؤونه المعيشية, ويكون أحد أفراد المجتمع الذي يعيش فيه ،ولا يميز نفسه عنهم بشيء, سوى الالتزامات الخاصة والوظائف الشرعيّة.
يقول إمام قلي : وسرعان ما عرفت بعد وصولي الى تبريز-بعد فترة قصيرة – المهمةالتي أُرسلت من أجلها إلى تبريز ,إذ كان فيها جماعة من المتصوفة الضالين, كانوا يقضون أفضل أوقاتهم بلعن الفقهاء كصاحب الجواهر مثلا, فكان واجبي أن أنصرف ألى توجيههم الوجه الصحيحة , فبدلت جهدي ووفّقني الله تعالى لذلك , وأصبح جميعهم من أهل التقليد والسلوك الحسن , وأشياء أخرى يطول بشرحها المقام .
وكان إمام قلي أستاذ السيد حسين القاضي في العرفان والسلوك رجلاً طويل القامة, يجلله الصمت والسكوت, ولا يتكلّم الاّ عند الضرورة , يقضي حوائج زبائنه وهو ساكت , يحترمه الجميع ويجلّونه يختلف إليه بعض الرجال المرموقين يأخدون عنه التعاليم الخاصة يجلسون عنده بعيداً عن أعين الرقباء والدخلاء وكأنّهم بعض زبائنه إلاّ أنّهم يقصدونه لحوائج أهم وأسمى , وأغراض أجلّ وأغلى".
يتبع..
المفضلات