بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد المصطفى واله الأطهار
قبل أربع سنين تشرفت بقراءة كتاب " قدوة العارفين" من إعداد عبد الرحمن حاتم والذي يتحدث عن حياة قدوة العارفين الكبار وأستاذ العرفانين العظام كالعارف السيد هاشم الحداد والشيخ بهجت والسيد محمد حسين الطباطبائي صاحب كتاب "تفسير الميزان "رحمة الله على الماضين وغيرهم من العلماء الكبار . وبمناسبة رحيل الشيخ بهجت رضوان الله عليه أحببت أن أضع بين أيديكم نبذة عن حياة أستاذ الشيخ بهجت هذا العارف الكبير لنتعرف عليه أكثر من خلال عظمة أستاذه القاضي لينكشف لنا كيف أصبح بهذه المنزلة الكبيرة من العرفان , فقد رشف من نمير هذا السيد الفريد النادر
واليكموها على صفحات عدة, قربة لله تعالى
قدوة العارفين أية الله العظمى
السيد علي القاضي الطباطبائي
.
ولد السيد القاضي في الثالث عشر من شهر ذي الحجة من سنة 1282 هـ في مدينة تبريز في الشمال الغربي من إيران
ويرجع الى فرع من السادة الطباطبائيين المنتسبين إلى الإمام الحسن المجتبى عليه السلام . بدأ السيد علي القاضي دراستة العلوم الدينية والأدبية منذ أوائل شبابه على يد والده الذي كان عالما نحريرا في الفقه والأصول ومتضلعا في علم التفسير .كما تتلمذ السيد علي القاضي أيضا على الميرزا موسى التبريزي صاحب حاشية الرسائل , ودرس الأدبين العربي و الفارسي عند الشاعر المشهور محمد تقي التبريزي المعروف ب " حجة الإسلام "
كان السيد القاضي يحن إلى موطن أجداده الأوائل والسكنى إلى جوار ضريح جده أمير المؤمنين عليه السلام , يقول السيد محمد حسن نجل السيد القاضي :" انه قدس سره كان على هذه الفكرة في مسقط رأسه (تبريز) والتي تبعد مسافات طويلة عن النجف الأشرف , ولعل تشرفه إلى النجف و الاستيطان بها مدى الحياة كان حلمه المفضل منذ شبابه الأول ومنذ أن فتح عينيه على القرأة والكتابة ونال القدرة الأدبية على قرض الشعر ولم تبلغ سنينه العشرين .
انظر إلى هذه القصيدة الشعرية الرقيقة :
وادي السلام أم بقيع الغرقد ........ أول أولى عدة إلى الغد
فيه وصي المصطفى والمهتدي ........ في كل أمر ذي السبيل الارشد
لا هجعت عيني بغير أالصبا...... وليتني في غيره لم ارقد
تطايرت قلوبنا نحو الحمى ........ تطاير الفراش حول الموقد
يهيم قلبي نحوه منذ الصبا ........ كما تهيم النيب نحو المورد
اعدّ ساعاتي صباحا والمسا ........ يارب قرّب للرحيل موعدي .
ويواصل نجل السيد القاضي حديثه قائلا :
" والمعروف أن بعضا من ذويه كان يعارض سفره , ويمنعه , ويقول إذا ذهب فسوف لا يعود , ونحن نحتاجه هنا في تبريز , سيمّا وان كبير عائلتهم كان طريح الفراش , وهو والده السيد حسين القاضي الطباطبائي ومعه ولده الثاني السيد احمد القاضي .
في السيد علي القاضي خليفة لوالده السيد حسين القاضي واعظا وناصحا ومرشدا , فكانوا ضانين بت ويلتمسون من والده الإلحاح عليه في البقاء ومنعه من الهجرة إلى النجف .
ويقول السيد محمد حسن القاضي أيضا :
" وكان السيد حسين القاضي في الأخيرة عاجزا عن الحضور في المسجد, فطلب جماعة من الأخيار من ولده السيد علي أن يتعهد بهذه المهمة, فكان يرقى المنبر, لكنه لم يصلَّ بالناس كوالده.
ومما كان يذكر بهذه المناسبة أن والده كان يقول له : تصعد المنبر وأنت صائم ! الأفضل ان تذهب إلى زاوية وتأخذ لقمة أو لقمتين لتكون نبرات صوتك نافذ في الآذان أكثر .
يقول : ولم افهم مغزى هذه الكلمة إلا بعد أكثر من أربعين سنة, حين جلست إلى جماعة من إخواني أتحدث إليهم , هناك أدركت معنى الوعظ والمتعظ والموعظة وأثرها , وكيف ومتى تنفذ في أسماع الآخرين أو نفوسهم
" وهذا المنع والتأخير عن السفر إلى النجف هو الذي كان يقض مضجع الولد ويقلق باله , كما رأينا أثره في بعض شعره , ولذلك فقد قام بإخراج كتاب الارشاد للشيخ المفيد رحمه الله تعالى , طباعة منقحة ومصححة , وعليه تعليقات نافعة وترجمة للمؤلف ومقدمة وخاتمة . ونال إخراج الكتاب بهذه الكيفية إقبالا من الفضلاء في ذلك اليوم , وتم إخراج الكتاب في 17 ربيع الأول من عام 1308 هـ , ومع ذلك لم يسمح له والده بالخروج من تبريز إلى النجف الأشرف إلا سنة 1312 هـ .
وكان زواجه الأول في تبريز من شقيقة آية الله السيد باقر القاضي من بنات عمومته الموسرين , وباسمها عدة قرى ومزارع في تبريز . ولهذا تمكن السيد علي القاضي السفر إلى النجف الأشرف بصحبة جمع منن الموسرين واعيان البلد وبموكب فخم . ووفق لحج بيت الله الحرام سنة 1330 هـ
وهاجر السيد علي القاضي إلى النجف الأشرف سنة 1308 هـ لمواصلة دراساته العلمية والدينية في المركز الديني والعلمي الرئيسي للشيعة أنذاك , وكان له كن العمر ست وعشرون عاما ً.
ويقول السيد محمد حسن نجل السيد القاضي : كتب والدي بخطه مخاطبا أمير المؤمنين عليه السلام حين دخوله مدينة النجف : أني قدمت إلى هذه المدينة ووفدت ضيفا عليك , والعادة في الضيوف أن يبقوا ثلاثة أيام , ولكني سأبقى فيها بقية أيام حياتي إن شاء الله تعالى ثم استشهد بالبيت المعروف لبديع الزمان الهمداني صاحب المقامات :
وردنا بها أن المقام ثلاثة ..... فطاب لنا حتى أقمنا بها عشراً .
" بل عمراً إن شاء الله " كذا علّق ( قدس سره ) على هذا البيت "
وتتلمذ في النجف الأشرف على أكابر علماء الحوزة العلمية فيها كلاخوند الخرساني صاحب " كفاية الأصول "والشيخ محمد حسن المامقاني والشرابياني وآغا شريعت و الميرزا حسين الخليلي . وكان السيد القاضي من ابرز تلاميذ الميرزا الخليلي , وكان قد درس عنده تهذيب الأخلاق .
يقول السيد محمد حسن القاضي " كان الخليلي من أعاظم العلماء والعباد في عصره , وكان والدي يذكره كثيرا ويطري ويثني عليه ثناء جميلا , ولم أره قد أعجب بشخص كأعجابه باستاذه هذا , وبمجرد ذكر اسمه أمامه يسيطر عليه البهت والسكوت ويغرق في ا لتأملات " .
وقال أيضا : " وكان السيد القاضي تغمده الله برحمته من أخص تلاميذ الخليلي , ملازما له لايفارق مجلسه , وذلك لما عرف بت أستاذه هذا من العلم الواسع والاطلاع الشامل للعلوم الإسلامية , وخاصة الفقه والأصول . كما كان الخليلي ممن يضرب بت المثل في التنسك والزهد والتقوى والعبادة .
وكان السيد القاضي بارعا في العلوم الدينية كالفقه والأصول والتفسير , كما كان متبحرا في علوم العربية أيضا كالنحو والصرف واللغة والبلاغة والشعر , فكان يحفظ أربعين ألف مفردة لغوية , وكان فصيحا بحيث لا يتصور السامع أنه شخص أعجمي عندما يقرأ الشعر العربي .
وكان السيد القاضي متبحرا أيضا في علوم القران وتفسير ه , واليه يرجع الفضل في تفسير القران بالقران والتي تعتبر بحق من انضج المناهج التفسيرية للقران , وقد اعترف بذلك العلامة الطباطبائي أبرز تلاميذ السيد القاضي, والذي أسس تفسيره الميزان على ضوء هذه الطريقة – وصرح بذلك بقوله : " إن الذي علمنا منهج تفسير الآية بالآية هو أستاذنا المرحوم القاضي وقد تابعنا نهجه في تفسير القران , كما كان يمتلك ذهنا وقادا وافقا واسعا في فهم الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام , وقد تعلمنا منه أيضا طريقة فهم الأحاديث والتي تسمى بفقه الحديث"
ويقول العارف الكبير السيد هاشم الحداد : كان أستاذنا المرحوم القاضي عالما لا نظير له في الفقه والحديث وتفسير القران وعلومه , وكان ذو اطلاع واسع في الأدب العربي واللغة و الفصاحة , وحتى في تلاوة القران وتجويده , فكان عندما يحضر أحيانا في مجلس الفاتحة لا يجرأ أحد على قراءة القران بحضوره لئلا يطلع السيد على أخطائه في فن التجويد أو التلاوة.
وقال العلامة الطباطبائي : " إن كل ما لدينا فهو من المرحوم القاضي , سواء ما أخذناه منه في حياته أو المنهج الذي خلفه لنا وسرنا على هداه ".
المفضلات