(شرح دعاء الصباح)

بسم الله الرحمن الرحيم

اللّهمّ يَامَن دَلَعَ لِسانَ الصباح بنطق تبلّجه،

قوله (عليه السلام): (يامن دلع) أي أخرج، يقال: دلع لسانه، فاندلع: أي أخرجه فخرج، ودلع لسانهُ أي خرج يتعدَّى ولا يتعدَّى، قيل: وإنما لم يجعله هاهنا لازماً إذ لابدّ لمن من ضمير راجع إليها (لسان الصباح) هو ضدّ المساء، والمراد بلسان الصباح: الشمس عند طلوعها، والنور المرتفع عن الاُفق قبل طلوعها (بنطق تبلّجه) النطق هو التكلّم، وقد يطلق على الأعمّ، فإنّ المراد به في قولهم: "ماله صامت ولا ناطق" الحيوان، وبالصامت ما سواه، والتبلّج الإضاءة والإشراق، وإضافة النطق إليه بيانيّة، أي بنطق هو إشراق ذلك اللسان، وتشبيه الإشراق بالنطق لأجل دلالته على كمال الصانع، ويقال: بلج الصبح يبلُج بالضمّ أي أضاء، وابتلج وتبلّج مثله. وهذه الفقرة موافقة لقوله تعالى: (وإن من شيء

وسرّح قِطع الليل المظلم

إلاّ يسبّح بحمده) فإنّ كلّ شيء يدلّ على أنّه تعالى متّصف بصفات الكمال، مقدّس عن سمات النقص، فكأنّه بحمده ويسبّحه، وذهب الكبراء إلى أنّ ذلك الحمد والتسبيح حقيقيّان لا مجازيّان، والإعجاز في تسبيح الحصى في كفّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إنّما هو باعتبار إسماع المحجوبين، ويساعد هذا قوله تعالى: (قالوا لجلودهم لم شهدتهم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كلّ شيء) وقد ناسب إثبات النطق للصبح قوله تعالى: (والصبح إذا تنفّس) .
(و) يا من (سرّح) بالتخفيف أو التشديد، والأول أنسب لفظاً بقوله: (دلع) أي أرسل، يقال: سرحت فلاناً إلى موضع كذا إذا أرسلته إليه، وقال الله تعالى: (أو تسريح بإحسان) أقول: ويحتمل أن يكون من تسريح الشعر (قطع الليل المظلم) القطع بكسر القاف وفتح الطاء جمع
____________

بغياهب تلجلُجه، وأتقن صُنع الفَلك الدوّار

قطعة، والظلمة عدم النور، وظلم الليل بالكسر وأظلم بمعنى، وفي بعض النسخ المدلهمّ بدل المظلم، وليلة مدلهمّة أي مظلمة (بغياهب) هي جمع غيهب وهو الظلمة، والباء إمّا بمعنى (مع) ومتعلّقة بقوله (سرّح) أو للسببيّة، ومتعلّقة بقوله (المظلم) والمعنى يا من أذهب القطع المختلفة من الليل المظلم مع ظلماته المحسوسة في تردّده أو المظلم بسبب هذه الظلمات (تلجلجه) التلجلج التردّد والإضطراب، وقيل: يقال: يلجلج في فمه مضغة أي يردّدها في فمه للمضغ، ومعنى قولهم: "الحقّ أبلج والباطل لجلج" أنّ الحقّ ظاهر والباطل غير مستقيم بل متردّد، ولجّة البحر تردّد أمواجه، ولجّة الليل تردّد ظلامه.
(و) يامن (أتقن) أي أحكم (صنع الفلك الدوّار) الصنع بالضمّ الفعل، والفلك ما سوى العنصريات من الأجسام، والدوّار أي المتحرّكة بالإستدارة (بمقادير تبرّجه) المقادير جمع مقدرة من القدرة، وهي ضدّ العجز، والتبرّج هو إظهار المرأة زينتها ومحاسنها للرجال قال تعالى: (وقرن في
____________

في مقادير تبرّجه، وشعشَع ضياء الشمس بنور تأجّجه

بيوتكنّ ولا تبرّجن تبرّج الجاهلية) والمراد بمقادير تبرّج الفلك ما يمكن من تزيّنه، وهذه الفقرة موافقة لقوله تعالى: (صنع الله الذي أتقن كلّ شيء ـ وزيّنا السماء الدنيا بمصابيح).
(و) يامن (شعشع) يقال: شعشعت التراب أي مزّجته أيّ مزج (ضياء الشمس) القائم بها (بنور تأجّجه) يعني بنور يحصل من تلهّب ذلك الضياء، وهو شعاع الشمس أي ما يرى من ضوئها عند طلوعها كالأغصان أو نقول التشعشع مأخوذ من الشعاع، كما أنّ التلجلج مأخوذ من اللجّة، وهو مطاوع
____________

يامن دلّ على ذاته بذاته وتنزّه عن

الشعشعة، أي جعل ضياء الشمس القائم بهذا شعاع بسبب نور ظهوره الذي هو مقتضى ذاته أزلا وأبداً، فالضمير على الأول راجع إلى الضياء، وعلى الثاني إلى (من) والأجيج تلهّب النار، وقد أجّت تأجّ أجيجاً وأجّجتها فتأجّجت.
(يامن دلّ على ذاته بذاته) أبرز حرف النداء، لتغيير الفاصلة، يعني يامن كان نور ذاته دليلا موصلا للطالبين إلى ذاته المتعالية من مدارك الأفهام ومسالك الأوهام، وهذا مشهد عظيم مخصوص بالكاملين وأمّا الناقصون فيستدلّون من الأثر على المؤثّر، والفرق بين الفريقين كالفرق بين من رأى الشمس بنور الشمس، وبين من استدلّ على وجود الشمس بظهور أشعتها، ويقال: دلّه على الطريق يدلّه دلالة ودِلالة ودُلالة مثلثة الدال والفتح أولى، وقال الراغب: في تأنيث ذو ذات وفي تثنيته ذواتاً وفي جمعها ذوات، وقد استعار أصحاب المعاني الذات فجعلوها عبارة عن عين الشيء جوهراً كان أو عرضاً وليس ذلك من كلام العرب.
(و) يامن (تنزّه) أي تباعد، قال ابن السكّيت: ممّا يضعه الناس في غير موضعه قولهم تنزّهوا أي أخرجوا إلى البساتين وإنّما التنزّه أي التباعد عن المياه والمزارع، وفيه قيل فلان يتنزّه عن الأقذار وينزّه نفسه عنها أي يباعدها عنها (عن

>>>>> يتبع