أهوائي المضلّة وكّلتها إلى جناب لطفك ورأفتك. فاجعل اللّهمّ صباحي هذا نازلا عليَّ بضياء الهدى، وبالسلامة في الدّين والدّنيا، ومسائي جُنّة
أهوائي المضلّة) أي الموجبة للضلالة، وأصله أضاعه وأهلكه (وكّلتها) أي جعلتها موكولة (إلى جناب لطفك) الهادي لكلّ شيء إلى ما يستعدّه (ورأفتك) هي أشدّ الرحمة.
(فاجعل اللّهمّ صباحي هذا) هو صفة صباحي (نازلا عليَّ) النزول الحلول تقول نزلت نزولا ومنزلا (بضياء الهدى) هو الرشاد والدلالة، يذكّر ويؤنّث (والسلامة) هي التعرّي عن الآفات (في الدّين) وهو الطاعة والجزاء، واُستعير للشريعة، قال الله تعالى: (إنّ الدّين عند الله الإسلام) (والدّنيا) مؤنّث أدنى من الدنوّ، أو الدناءة، أي الدار التي لها زيادة قرب إلينا، بالنسبة إلى الآخرة، أو لها زيادة دناءة بالنسبة إلى الآخرة، والدار مؤنّث سماعي.
(و) اجعل (مسائي) هو ضدّ الصباح (جُنّة) بضمّ
____________
من كيد الأعداء، ووقاية من مرديات الهوى، فإنّك قادر على ما تشاء، (تؤتي المُلك من تشاء، وتنزع المُلك ممّن تشاءُ، وتُعزُّ من تشاءُ، وتُذلُّ من تشاءُ بيدك الخير، إنّك على كلّ شيء قدير)
الجيم، هو ما استترت به من سلاح (من كيد الأعداء) أي مكرهم والأعداء جمع عدوّ، وهو ضدّ الصديق (ووقاية) هي حفظ الشيء ممّا يضرّه، وقد يطلق على ما به ذلك الحفظ، وهو المراد هاهنا (من مرديات الهوى) أي المهالك الناشئة من هوى النفس، يقال: ردي بالكسر ردىّ أي هلك وأردأه غيره (فإنّك قادر) القدرة ضدّ العجز (على ما تشاء) أي تريد.
(تؤتي) أي تعطي من الإتيان وهو الاعطاء (المُلك) هو التصرّف بالأمر والنهي في الجمهور، وذلك مختصّ بسياسة الناطقين، ولذا يقال: ملك الناس، ولا يقال: ملك الأشياء (من تشاء وتنزع المُلك ممّن تشاءُ) يقال: نزعت الشيء من مكانه، أنزعه نزعاً قلعته (وتُعزُّ من تشاءُ) العزّة حالة مانعة للإنسان من أن يغلب، من قولهم: أرض عزاز أي صلبة (وتُذلُّ من تشاءُ) الذلّ بالضمّ ضدّ العزّ وبالكسر اللين وأذلّه واستذلّه وذلّله بمعنى (بيدك الخير إنّك على كلّ شيء قدير) ذكر
____________
(تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل، وتُخرج الحيَّ من الميت وتخرج الميت من الحيِّ، وترزق من تشاء بغير حساب) [لا إله إلاّ أنت]
الخير وحده لأنّه المقضيّ بالذات، والشرّ مقضيّ بالعرض، إذ لا يوجد شرّ جزئي ما لم يتضمّن خيراً كلّياً أو لمراعاة الأدب في الخطاب، ونبّه على أنّ الشرّ أيضاً بيده بقوله إنّك على...الخ.
(تولج الليل في النهار) أي تنقص من قوس الليل، وتزيد في قوس النهار والولوج الدخول في مضيق (وتولج النهار في الليل) أي تنقص من قوس النهار وتزيد في قوس الليل (وتُخرج الحيَّ من الميت) بتشديد الياء وتسكينها، وذلك بإنشاء الحيوان من النطفة (وتخرج الميت من الحيِّ) وذلك بإنشاء النطفة من الحيوان (وترزق من تشاء) الرزق يقال للعطاء الجاري، وللنصيب، ولما يصل إلى الجوف ويتغذّى به، قال الله تعالى: (أنفقوا ممّا رزقناكم * وتجعلون رزقكم أ نّكم * فليأت برزق منه) (بغير حساب) هو استعمال العدد.
(لا إله) أي لا معبود بالحقّ (إلاّ أنت) وإنّما خصصّنا
____________
سبحانك اللّهمّ وبحمدك من ذا يعرف قدرك فلا يخافك ومن ذا يعلم
المعبود بالحقّ لأنّ غير الله قد يعبد بالباطل كالأصنام والكواكب، وبعض الصوفيّة يطلقون المعبود ويقولون كلّ ما يعبد فهو الله في الحقيقة، لأنّ الموجود الحقيقي نور واحد ظهر بصورة العالم ونسبة الحقّ إلى العالم كنسبة البحر إلى الأمواج (سبحانك اللّهمّ) التسبيح التنزيه، وسبحان في الأصل مصدر كغفران، وهو هاهنا مفعول مطلق أي اُسبّحك تسبيحاً (وبحمدك) أي وكان ذلك التسبيح مقروناً بحمدك، والحمد عند الصوفية إظهار صفات الكمال.
(من ذا يعرف) ذا هاهنا بمعنى الذي، والمعرفة والعرفان إدراك الشيء بفكر وتدبّر لأثر، وهو أخصّ من العلم ويضادّه الإنكار (قدرك) قدر الشيء مبلغه وفي بعض النسخ (قدرتك)، (فلا يخافك) الخوف ضدّ الرجاء (ومن ذا يعلم) العلم إدراك الشيء بحقيقته، وذلك ضربان إدراك ذات الشيء والحكم بوجود الشيء له أو نفي الشيء عنه، والأول يتعدّى إلى مفعول واحد، نحو: (لا تعلمونهم الله
>>>>> يتبع
المفضلات