شهيدة الشهيد
الحلقة الثانية
وانهّ لمن الإنصاف لأم نعمان القول إنها كانت تطبق مبادئها على نفسها بمنتهى الصرامة . فلا تستريح إلاّ عند الأكل والنوم .وسرعان ما تفرغ في الصباح من أعمال بيتها فتمضي تغسل لهذه الجارة أو تخبز لتلك من جاراتها الأوفر حظاً منها بالمال والأقل حظاً منها نشاط والاقتصاد والحكمة في تدبير شؤونهن . أما ولداها فما إن أصبحا قادرين على العمل حتى راحت تدربهما على كسب القرش بشتى الوسائل, وعلى الأخص ّ في أيام الصيف حيث يكثر المصطافون في القرية.
فكانت ترسل خرزان في كلّ صباح لتبيع لبن البقرة لهم ولتقضي بعض حاجاتهم ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً. وأما نعمان فكانت تزوده بأقصى ما يستطيع حمله من البقول والفاكهة والبيض ليبعها هو كذلك , للمصطافين. فتحدّد له السعر للأدنى وتترك له السعر الأعلى لفطنته وذكائه قائلة :" لا ترحم الذين لا يرحمونك .ولو رحم الأغنياء الفقراء لما كان ف الأرض فقير."
وعندما يعود ولداها في المساء كانت أم نعمان تحاسبهما أدق الحساب عن كلّ قرش وكل ّ حركة وكلّ كلمة.وممهما يكن نصيبهما من النجاح وافراً ما كانت تعدم سبباً-ولو تافهاً-لتوبيخهما على أشياء وأشياء. فقد كان في مستطاع خيرزامن - مثلاً- أن تقبض خمسة قروش فوق ما تقبضه لقاء تنظيفها الحمّام في بيت فلانة. وكان بإمكان نعمان أن يبيع دزيينة البيض للسيدة كيت وكيت بزيادة عشرة قروش ...
فهي سيدة اشتهرت بالتبذير, والقرش عندها"لاقام ولا قعد". ثم كان في مستطاع خيرزان ونعمان أن يعودا إلى البيت قبل عودتهما بساعة أو بعض الساعة وأن يجمعا, وهمافي طريقهما إلى البيت ,بعض الحشائش للبقرة, وبعض النفايات للدجاجات إلخ إلخ ...حقّاً إنهما لولدان يغلبهما الطيش ,فلا نفع منهما. ويا ويل أمهما تتعب النهار والليل في سبيلهما فيذهب تعبها جزافاً. ألا ليتها كانت عاقراً... ألا ليتها لم تلد ...
المفضلات