شهيدة الشهيد






الحلقة الاخيرة


وللحال تذكرت وصيّة أمها لها في الصباح . فنعمان في أتون من الحمى وليس يشفيه إلاّ العسل . وها هو العسل في متناول يديها . وهي تحبّ أخاها نعمان محبّة ما فوقها محبّة , فكيف تنتحر وتتركه تشويه الحمّى ؟ ولعلّها تذهب ببصره أو تعطبه في عضو من أعضائه . لا , لا . إذا كان لا بدّ من الموت فلتمت بعد أن تحمل إلى أخيها ولو قليلاً من الشهد الشافي .


وتفحصّت الفتاة الشقّ الذي كان ينطلق منه النحل ويعود إليه فألفته يتسع لأكثر من يد كيدها . وأبصرت عند مدخله قرصا من الشّهد النّاصع البياض . فمدّت يدها وهي تظنُّها قادرة أن تخلعه من مكانه برمتّه . ولكنها ما تمكنت إلاّ من قبضة منه انتزعتها بسرعة وحاولت الفرار في الحال , غير أن النحل , وقد هاجه حتى الجنون اعتداؤها الوقح على مملكته , انقضّ عليها من كلّ صوب . فما بقيت تدري بماذا تتقيه وكيف تتخلّص من وخز إبره التي كانت تنغرس في رأسها ووجهها وفي يديها ورجليها, وكلّ ما انكشف وتستّر من جسمها . فالأثواب التي كانت تستره لم تكن من الكثافة بحيث تصدّ عنه إبرة النحلة.


كان ذلك منذ تسع سنوات . حتى اليوم لا زالت أمّ نعمان , والدمع في عينيها , تروي لجاراتها وجيرانها وللمصطافين في قريتها كيف أن ابنتها خيزران التي ما خلق الله أجمل منها صورة وأرجح عقلاً ضحّت بحياتها في سبيل أخيها . وذلك أنها اقتحمت وحدها خلية نحل برّي لتأتي أخاها المريض بالحصبة ولو بقليل من الشّهد الشافي . وكيف أنها , وقد أوسعها النحل لسعاً , بلغت البيت في حالة التلف , وفي يدها شيء من العسل , فانطرحت أرضاً, ثم مدّت يدها وقالت : "هذا لنعمان . "

وكان ذلك آخر ما نطقت به .
..................................

ارجو انكم قد استمتعتم بهذه القصة واستفتم منها
وتأثرتم بها, كما هو الحال مع الناقل لها
ودمتم لكل خير وفير .