أما السبب الثالث فهو التبعية المنحرفة التي تتمثل في الشيطان وأتباعه ويمكن أن يكونوا هؤلاء الأتباع من الآباء والأمهات أو الأخوة والأخوات أو الأصدقاء والمجتمعات بشكل عام وخاص جزئي وكلي , وقد حذر المولى تعالى من ذلك في قوله تعالى في سورة ‏ ‏البقرة الآية ( 170) { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتّبِعُوا مَآ أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ} , أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فقد أخبر عنهم المولى تعالى في سورة آل عمران الآية ( 174) وقال عنهم جل من قال { فَانْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوَءٌ وَاتّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ }‏ .

وعودة على بدء فإن نتيجة الإختلاف بين هذين العنصرين هي طبيعية كون كل واحد منهما يهدف إلى أفكاره ومعتقداته ولا يمكن أن يلتقيان لأنهما في اختلاف دائم والهدف هو نفسه الإنسان الذي جعله الله في أحسن تقويم وأبى الشيطان أن يسجد لهذا المخلوق العظيم , وسبب ذلك لأنه يريد أن يكون أفضل منه خلافا لأمر الخالق سبحانه وتعالى وسيبقى الصراع قائم بينهما إلى أن يشاء الله حتى يخرج رجل من أهل بيتي النبوة يملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن ملأت ظلما وجورا .

إن السعادة لا يمكن أن تتحقق باتخاذ شيىء من الحق وشيىء من الباطل , وعلى الإنسان الذي يريد أن يحقق السعادة الأبدية الحقيقية أن يعمل ويتمسك في الحق المطلق لأن بعض الحق لا يحقق السعادة بل ستكون هنا السعادة جزئية ومزيفة ولا قيمة لها في المستقبل حيث السعادة الأبدية , ويشير تعالى إلى هذا الصنف من الناس ويؤكد لهم أنهم الخاسرون وذلك في سورة ‏البقرة الآية ( 9) في قوله تعالى { يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ}‏ , ومن الطبيعي أن من يخدع نفسه لا يمكن أن ينجح في عمله ولو تحقق شيىء من النجاح فسيكون جزئيا ومؤقتا لن يدوم طويلا أما النجاح الكلي فهو الذي يحققه الإنسان لحياته الآخروية لا الدنيوية وهذا ما أرداه منا المولى تبارك وتعالى والأنبياء والمرسلين والأوصياء والصالحين عليهم السلام , على الإنسان العاقل أن يعبد الطريق التي تؤدي به إلى رضوان الله تعالى لتكون صدقة جارية بعد مماته حيث يسلكها العقلاء , لا أن يعبد الطريق أو يمد الكهرباء أو يبني الجدران في الحي ذا أو ذاك على حساب المساكين والفقراء والمستضعفين ولقمة عيشهم , ويقطع الطريق بينهم وبين الله تبارك وتعالى من خلال سطوته وسلطته , على الإنسان الرسالي العاقل أن يقدم للناس العلم النافع ليشربوه مع حب الله سبحانه وتعالى والنبي وأهل بيته عليهم السلام , على الإنسان العاقل أن يشرب الناس ماء زلالاً هنيئا مريئا يروى العطاشى منهم ويشبع الجائع , بذلك يتم تحقيق رضا الله تعالى حيث وصية رسول الله – ص - لا أن يقدم لهؤلاء المستضعفين الماء المسموم بالضرائب , ولا أن تقام الجدار بينهم وبين الله تعالى ولا أن تعبد الطرق الدنيوية وتخرب الطرق الآخروية , على الإنسان العاقل أن يواجه كل هذه المهاترات والتهديدات الغير شرعية مهما بلغ الثمن لأنها روح الإنسان والإنسانية التي بذل من أجلها أهل بيت النبوة والصالحين عليهم السلام أرواحهم الطاهرة الزكية .

إن الباطل هو الشقاء المؤكد الدائم حتى ولو مزج بشيء من الحق , وكثير من أهل الباطل المدعون بالحق يعتقدون أنهم على حق لأن الشيطان زين لهم أعمالهم وهؤلاء المساكين جهلوا بأن الشيطان سيتبرأ منهم بعد حين وفي وقت الشدة والمطالبة وسيتبرأ منهم , وهذا ما أشار إليه تعالى في سورة الأنفال الآية ( 48) { وَإِذْ زَيّنَ لَهُمُ الشّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَإِنّي جَارٌ لّكُمْ فَلَمّا تَرَآءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىَ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنّي بَرِيَءٌ مّنْكُمْ إِنّيَ أَرَىَ مَا لاَ تَرَوْنَ إِنّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} .

إن إصرار هؤلاء المنافقين على أفعالهم وأقوالهم لن يوقف الصراع بينهم وبين أتباع الحق لأن سيادة الحق ضرورة واقعية فلا يلغى السعي إليها حسن نية أهل الباطل من خلال إظهارهم لشيىء من ذلك كي يهادنوا , ولن يسكت عنهم من قبل أصحاب الحق بل سيبقى الصراع قائما