- ومانصيحتك لدخول البئر.
- إذا عزمت، فأجعل القرآن قبلك، وإذا
بلغت آخر آية، فقل بسم الله وخذ الجرة،فإن في
سورة البقرة أسم الله الأعظم، وما أن
ترجع صاحبك وتؤتيه الأمان، أكسره
ا مكانها دون أخذ قطرة منها، ولاتنسى وصيتي، لايغرنك
صوت الفزع مهما بلغت
الحناجر، ولا الصقيع والصقع من الصخر إلي الصخر..
بني هل أحسنت أنا قولي لتحسن أنت الإصغاء.
- نعم سيدي أكمل.
- كن حذراً عند ولوج الكهف، فلا تدير
ظهرك للخلف، ولا يغرنك اللئام من الأنس قبل
الجن من حولك، حتى وإن رموك بالسهام
فهي خدعة للعين ولن تصيبك.
- وماذا سيدي ؟
- لاتسحبك الغرائز والمكائد، خاصة لغة
الأجساد، لأنها طلب الرجال من الغرائز
واللذائذ، وكلما أغلقت لهم باباً فتحوا آخر.
- مثل ماذا ؟
- ستعرف في حينه.
- وماهو أقوى شيئ أواجههم به.
- أقتلهم بكلام الله العظيم، ألم تقرأ قوله تعالى
{لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا
مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }
صدق الله العلي العظيم.
- نعم، جل كلام ربي.
- وأجعل يابني لجسمك بردا ًمن الحامية، ولنفسك
من الهواء ثوباً يقي النتن من ريح البئر.
- بسم الله الرحمن الرحيم، لقد كش شعر بدني
وأحس ببرودة في جلدي، لكن شيخنا، كيف عرفت كل هذا ؟
فسكت الشيخ وساد الهدوء المكان.
- أكمل ياعم، أنا أسمعك، لماذا سكت !
فإذا بالرجل الذي يقف خلفي يقول لي.
- لاتجبر سيدي على الكلام، هو سيتكلم لوحده، أتعرف
إن آخر من تكلم معه قبل عشرات السنين، وأنطقته أنت !
- سبحان الله.
فإذا بصوت الشيخ مرة أخرى..
- دعه.. دعه .. إنه لي إنه لي.
فجلس بهدوء ورفع بأصابعه الهزيلة جفون عينيه التي
بدت كالجلدة الميتة، وإذا بعينيه بيضاء كالرماد.
- أقترب أكثر، هل أنت خائف.
- لا ياعم، أنا قريب منك.
- هل ترى بياض عيني ؟
- نعم ياشيخ.
- لقد أرمد ملك المردة عيني اليمنى، فلم يدخل
اليأس قلبي، فرجعت بعد عدة سنوات، ودخلت
عش الجن، فرمد الأخرى، حتى بقيت دون بصر.
- إذا ياعم أنا أنصرف، وإلي الأن لم أعرف ماهو مراد هؤلاء الناس.
فسكت لعدة دقائق.. ثم بكى بكاء القلب وقال:
- الزئبق الأحمر.
- الزئبق الأحمر !!
المفضلات