تتمة المقدمة الرابعة :
فَاغتمَمْتُ مِنْ ذَلِكَ وَ خَرَجْتُ مِنْ عِندِهِ وَ قلتُ فِي نَفسِي .....
لَوْ تَفرَّسَ فِيَّ خيراً لمَا زَجَرَنِي عَنِ الاختِلافِ إِلَيهِ وَ الأَخْذِ عَنهُ فَدَخَلتُ مَسْجِدَ الرَّسُولِ صلى الله عليه واله وَ سَلمْتُ عَلَيْهِ ثمَّ رَجَعْتُ مِنَ الغَدِ إِلَى الرَّوْضَةِ وَ صَليْتُ فِيهَا رَكعَتَيْنِ وَ قُلتُ:
أَسْأَلُكَ يَا اللهُ يَا اللهُ أَنْ تَعْطِفَ عَلَيَّ قَلبَ جَعْفَرٍ وَ تَرْزُقَنِي مِنْ عِلمِهِ مَا أَهتَدِي بِهِ إِلَى صِرَاطِكَ المُسْتقِيمِ وَ رَجَعْتُ إِلَى دَارِي مُغْتمّاً وَ لَمْ أَختَلِفْ إِلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ لِمَا أشْرِبَ قَلبِي مِنْ حُبِّ جَعْفَرٍ فَمَا خَرَجْتُ مِنْ دَارِي إِلا إِلَى الصَّلاةِ المَكتوبَةِ حَتى عِيلَ صَبْرِي فَلَمَّا ضَاقَ صَدْرِي تَنَعلتُ وَ تَرَدَّيْتُ وَ قَصَدْتُ جَعْفَراً وَ كَانَ بَعْدَ مَا صَليْتُ العَصْرَ فَلَمَّا حَضَرْتُ بَابَ دَارِهِ استأذَنتُ علَيْهِ فَخَرَجَ خَادِمٌ لَهُ فَقَالَ: مَا حَاجَتكَ ؟؟
فَقلتُ السَّلامُ عَلَى الشَرِيفِ
فَقَالَ:
هُوَ قَائِمٌ فِي مُصَلاهُ
فَجَلَسْتُ بِحِذَاءِ بَابِهِ فَمَا لَبِثتُ إِلا يَسِيراً إِذ خَرَجَ خَادِمٌ فَقَالَ :
ادْخُلْ عَلَى بَرَكَةِ اللَهِ فَدَخَلتُ وَ سَلمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلامَ وَ قَالَ اجْلِسْ غَفَرَ اللهُ لَكَ .
فَجَلَسْتُ فَأَطرَقَ مَلِيّاً ثمَّ رَفَعَ رَأسَهُ وَ قَالَ أَبُو مَنْ ؟
قُلتُ أَبُو عَبْدِ اللهِ
قَالَ :ثَبَّتَ اللهُ كُنْيَتَكَ وَ وَفَّقَكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ.
مَا مَسْأَلَتُكَ ؟؟
فَقلتُ فِي نَفسِي لَوْ لَمْ يَكُنْ لِي مِنْ زِيَارَتِهِ وَ التسْلِيمِ غَيْرُ هَذَا الدُعَاءِ لَكَانَ كَثِيراً ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ ثُمَّ قَالَ مَا مَسْأَلَتُكَ؟؟
فَقلتُ سَأَلتُ اللهَ أَنْ يَعْطِفَ قَلبَكَ عَلَيَّ وَ يَرْزُقَنِي مِنْ عِلمِكَ وَ أَرْجُو أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَجَابَنِي فِي الشرِيفِ مَا سَأَلتُهُ فَقَالَ:
يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ لَيْسَ العِلمُ بِالتعَلُمِ إِنَّمَا هُوَ
نُورٌ
يَقَعُ فِي قَلبِ مَنْ يُرِيدُ اللهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَنْ يَهْدِيَهُ فَإِنْ أَرَدْتَ العِلمَ فَاطلُبْ أَوَّلا فِي نَفسِكَ حَقِيقَةَ العُبُودِيَّةِ وَ اطلُبِ العِلمَ بِاسْتِعْمَالِهِ وَ اسْتفهِمِ اللهَ يُفهِمْكَ .
قُلتُ يَا شَرِيفُ فَقَالَ:
قلْ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ.
قُلتُ :يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ مَا حَقِيقَةُ الْعُبُودِيَّةِ؟؟
قَالَ: ثَلاثَةُ أَشْيَاءَ
أَنْ لا يَرَى العَبْدُ لِنَفسِهِ فِيمَا خَوَّلَهُ اللهُ مِلكاً لأَنَّ العَبِيدَ لا يَكُونُ لَهُمْ مِلكٌ يَرَوْنَ المَالَ مَالَ اللهِ يَضَعُونَهُ حَيْثُ أَمَرَهُمُ اللهُ بِهِ وَ لا يُدَبِّرُ العَبْدُ لِنَفْسِهِ تَدْبِيراً وَ جُمْلَةُ اشْتِغَالِهِ فِيمَا أَمَرَهُ تَعَالَى بِهِ وَ نَهَاهُ عَنْهُ فَإِذَا لَمْ يَرَ العَبْدُ لِنَفسِهِ فِيمَا خَوَّلَهُ اللهُ تَعَالَى مِلكاً هَانَ عَلَيْهِ الإِنفَاقُ فِيمَا أَمَرَهُ اللهُ تَعَالَى أَنْ يُنفِقَ فِيهِ وَ إِذَا فَوَّضَ العَبْدُ تَدْبِيرَ نَفسِهِ عَلَى مُدَبِّرِهِ هَانَ عَلَيْهِ مَصَائِبُ الدنْيَا وَ إِذَا اشتَغَلَ العَبْدُ بِمَا أَمَرَهُ اللهُ تَعَالَى وَ نَهَاهُ لا يَتَفَرَّغُ مِنهُمَا إِلَى المِرَاءِ وَ المُبَاهَاةِ مَعَ النَّاسِ فَإِذَا أَكرَمَ اللهُ العَبْدَ بِهَذِهِ الثلاثَةِ هَانَ
عَلَيْهِ الدُّنْيَا وَ إِبْلِيسُ وَ الخَلقُ وَ لا يَطلُبُ الدنيَا تَكَاثراً وَ تَفَاخُراً وَ لا يَطلُبُ مَا عِندَ الناسِ عِزّاً وَ عُلُوّاً وَ لا يَدَعُ أَيَّامَهُ بَاطًِا فَهَذَا أَوَّلُ دَرَجَةِ التُّقَى قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى: تِلكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ العاقِبَةُ لِلمُتقِينَ
قُلتُ يَا أَبَاعَبْدِ اللَّهِ أَوْصِنِي قَالَ:
المفضلات