فرسول الله (ص) قد لبس السواد، كما في مستدرك الوسائل نقلاً عن الصدوق في الأمالي عن الصادق (عليه السلام) قال: ((خرج رسول الله (ص) وعليه خميصة قد اشتمل بها، فقيل: يا رسول الله، من كساك هذه الخميصة؟ فقال: كساني حبيبي)) .
وفي المستدرك والأمالي: الخميصة: خز أسود معلم. وفي المصباح: الخميصة: كساء أسود معلم الطرفين، ويكون من خز أو صوف. وفي المنجد: الخميصة: مؤنث الخميص ثوب أسود مربع.
وفي مصباح الفقيه: عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: سمعته يقول: ((ودخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء)) .
وفي المستدرك عن غوالي اللآلىء: ((كان لرسول الله (ص) عمامة سوداء يتعمم بها، ويصلي فيها)).
الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ولبس السواد
ففي المستدرك: عن أبي ظبيان قال: خرج علينا علي (عليه السلام) في إزار أصفر، وخميصة سوداء.
الإمام الحسن (عليه السلام) ولبس السواد
إن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) قد لبس السواد حداداً على أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام)، ففي ناسخ التواريخ في المجلد الخاص بحياة الإمام الحسن (عليه السلام) قال: لما دفن أمير المؤمنين (عليه السلام) وقتل ابن ملجم خرج ابن عباس إلى الناس فقال: إنّ أمير المؤمنين توفي وقد ترك لكم خلفاً، فإن أحببتم خرج إليكم، وإن كرهتم فلا أحد على أحد، فبكى الناس وقالوا: بل يخرج إلينا، فخرج الإمام الحسن (عليه السلام) إلى المسجد بثوب أسود، فعلا المنبر وقال...
الإمام الحسين (عليه السلام) ولبس السواد
ففي الوسائل والكافي وروح المعاني وكثير من المقاتل عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: ((قتل الحسين (عليه السلام) وعليه جبة خز دكناء)) وهو الأسود
الإمام زين العابدين (عليه السلام) ولبس السواد
ففي مستدرك الوسائل عن دعائم الإسلام: أنّ علي بن الحسين (عليهما السلام) رئي وعليه دراعة سوداء وطيلسان.
وفي المستدرك عن مكارم الأخلاق للطبرسي، عن عبد الله بن سليمان: أنّ علي بن الحسين (عليهما السلام) دخل المسجد وعليه عمامة سوداء قد أرسل طرفيها من كتفيه.
الإمام الصادق (عليه السلام) ولبس السواد
وأما الإمام الصادق (عليه السلام) فإنّه كان يتعمد لبس السواد لإعلان حلية لبسه، وأنّ كونه لباس أهل النار لا يدل على حرمته، وليدحض الرأي القائل بحرمة لبس السواد لأنّه لباس أهل النار.
ففي الوسائل عن حذيقة بن منصور قال: كنت عند أبي عبد الله بالحيرة، فأتاه رسول أبي العباس الخليفة يدعوه، فدعا بممطرة له أحد وجهيها أسود والآخر أبيض فلبسه، ثم قال أبو عبد الله(عليه السلام): ((أما إني ألبسه وأنا اعلم أنّه من لباس أهل النار)) ، والممطر على وزن منبر: لباس يتوقى به المطر.
ولما كان الإمام الصادق (عليه السلام) يعاصر العباسيين الذين اتخذوا السواد شعاراً، فكره الإمام اتخاذ السواد شعاراً وألحَّ بعض المرجفين للخلط بين كراهة اتخاذ السواد شعاراً وحرمة مطلق لبس السواد، فألحف الشيعة على الإمام الصادق (عليه السلام) لاستيضاح الأمر، مأوّلين ما رووا عن لبس المعصومين السواد، فعمد الإمام الصادق (عليه السلام) إلى طريقة ترفض الشك والتأويل، فلبس السواد بنفسه، وأعلن: أنّ سواد الملابس لا يكشف عن سوء سريرة ما دام المرء أبيض القلب سليم النفس.
ففي الوسائل عن العلل عن داود الرقي قال: كانت الشيعة تسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن لبس السواد، فوجدناه قاعداً عليه جبه سوداء وقلنسوة سوداء وخفّ أسود مبطن بسواد، ثم فتق ناحية منه وقال: ((أما أنّ قطنه أسود)) وأخرج منه قطناً أسود، ثم قال: ((بَيّضْ قلبك والبس ما شئت)).
الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام) ولبس السواد
ففي دلائل الطبري قال: حدثني أبو عبد الله القمي بإسناده عن محمد بن إسماعيل الكاتب قال: حدثني أبي قال: كنت بسرّ من رأى ـ سامراء ـ أسير في درب الحصى فرأيت يزداد الطبيب النصراني تلميذ بختيشوع وهو منصرف من دار موسى بن بفا، فسايرني، وأفضى الحديث إلى أن قال لي: أترى هذا الجدار؟ تدري من صاحبه؟ قلت: ومن صاحبه؟ قال: هذا الفتى العلوي الحجازي علي بن محمد بن الرضا (عليه السلام) وكنا نسير في فناء داره. قلت ليزداد: نعم، فما شأنه؟ قال: إن كان مخلوق يعلم الغيب فهو. قلت: وكيف ذلك؟ قال: أُخبرك عنه بأعجوبة لم تسمع بمثلها أبداً ولا غيرك من الناس، ولكن لي الله عليك كفيل وراع إنّك لا تحدث به أحداً، فإنّي رجل طبيب ولي معيشة أرعاها عند السلطان، وبلغني أنّ الخليفة استقدمه من الحجاز فرقاً منه لئلا ينصرف إليه وجوه الناس، فيخرج هذا الأمر عنهم ـ يعني بني العباس ـ قلت: لك عليّ ذلك، فحدثني به فليس عليك بأس، إنّما أنت رجل نصراني لا يتهمك أحد فيما تحدث به عن هؤلاء القوم. قال: نعم، أعلمك أنّي لقيته منذ أيام وهو على فرس أدهم وعليه ثياب سود وعمامة سوداء، وهو أسود اللون، فلما بصرت به وقفت إعظاماً له وقلت في نفسي: لا وحق المسيح، ما خرجت من فمي إلى أحد من الناس. قلت في نفسي: ثياب سود ودابة سوداء ورجل أسود سواد في سواد في سواد، فلما بلغ إليّ نظر إليّ وأحدّ النظر وقال: ((قلبك أسود مما ترى عيناك من سواد في سواد)) قال أبي رحمه الله فقلت له: أجل، فلا تحدث به أحداً، فما صنعت؟ وما قلت له؟ قال: أسقطت في يدي فلم أحر جواباً. قلت له: فما أبيض قلبك لما شاهدت ! قال: الله أعلم قال أبي: فلما اعتلّ يزداد بعث إليّ فحضرت عنده فقال: إنّ قلبي أبيض بعد السواد، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً رسول الله، وأنّ علي بن محمد حجة الله على خلقه وناموسه الأعظم، ثم مات في مرضه ذلك وحضرت الصلاة عليه .
وهذه شواهد على أنّ لبس السواد مطلقاً جائز لعمل رسول الله وأمير المؤمنين والإمام السجاد والإمام الصادق والإمام الهادي عليهم الصلاة، وتقرير جميع الأئمة (عليهم السلام) .
بل الذي يستفاد من مجموع التواريخ والأخبار التي تحدثت عن لباس السواد أنّ لبس السواد حداداً على فقيه عادة طبيعية لا تختص بجيل، ولا تنحصر في الإنسان فقط، بل تشمل غيره أيضاً.
فقد روى ابن قولويه في الكامل عن هشام بن سعد قال: أخبرني المشيخة: أنّ الملك الذي جاء إلى رسول الله (ص) وأخبره بقتل الحسين بن علي (عليه السلام) كان ملك البحار وذلك أنّ ملكاً من ملائكة الفردوس نزل على البحر ونشر أجنحته عليها، ثم صاح صيحة وقال: يا أهل البحار، البسوا أثواب الحزن، فإنّ فرخ رسول الله (ص) مذبوح، ثم حمل من تربته في أجنحته إلى السماوات، فلم يبق ملك فيها إلا شمها، وصار عنده لها أثر، ولعن قتلته وأشياعهم وأتباعهم.
وهذا خبر لا نستطيع أن نحدد مدلوله بالضبط، لأنّا لا ندري المراد من أهل البحار هل هم الحيوانات السابحة فيها أم أنّ لها أهلاً من نوع الجن والملك لم نطلع عليهم؟ كما لا نستطيع أن نحدد كيفية لبسهم السواد، إلا أنّ الذي لا يمكن إنكاره هو أنّ هذا الخبر يدل على أنّ لبس أثواب الحزن على كل فقيد عظيم عادة طبيعية ندب إليها حتى أهل البحار في مصاب الإمام الحسين (عليه السلام)، واسترسالاً مع هذه العادة لبس أهل البيت السواد على الإمام الحسين (عليه السلام) .
فقد روى البرقي في المحاسن عن عمر بن علي بن الحسين قال: لما قتل الحسين بن علي (عليهما السلام) لبس نساء بني هاشم السواد والمسوح وكنَّ لا يشتكين من حرّ ولا برد، وكان علي بن الحسين (عليهما السلام) يعمل لهن الطعام للمأتم.
وبقيت هذه العادة مطردة في الشيعة أيام الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، حيث كانوا يلبسون السواد في أول يوم من شهر محرم، وينزعونه يوم التاسع من شهر ربيع الأول، وأقرّهم الأئمة على هذه العادة.
ففي المحتضر بإسناد متصل إلى أحمد بن إسحاق القمي عن أبي محمد الحسن العسكري، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ في فضل اليوم التاسع من شهر ربيع الأول ـ أنّه قال: ((هذا يوم الاستراحة، ويوم تنفيس الهمّ والكرب، والغدير الثاني... ويوم نزع الأسوار، ويوم ندامة الظالمين)) ، وهو حديث طويل يشتمل على كثير من الحقائق.
وروى السيد ابن طاووس في الإقبال نقلاً عن كتاب النشر والطي بإسناده عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنّه قال: ((إذا كان يوم القيامة زفت أربعة أيام إلى الله كما تزف العروس إلى خدرها)) قيل: ما هذه الأيام؟ قال: يوم الأضحى ويوم الفطر ويوم الجمعة ويوم الغدير، وإنّ يوم الغدير بين الأضحى والفطر، والجمعة كالقمر بين الكواكب، وهو اليوم الذي نجا فيه إبراهيم الخليل من النار.. ويوم لبس الثياب، ونزع السواد)).
وستبقى هذه العادة حتى يظهر الإمام المنتظر (عليه السلام)، فيكون شعارهم: ((يا لثارات الحسين)) وتكون علامتهم اللباس الأسود.
ففي الوسائل عن علي بن المغيرة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ((كأنّي بعبد الله بن شريك العامري عليه عمامة سوداء ذؤابتاها بين كتفيه، مصعداً في لحف الجبل بين يدي قائمنا أهل البيت في أربعة آلاف يكبّرون ويكرّون)).
وابن شريك العامري ليس من ذرية رسول الله (ص) ـ كما يظهر من انتسابه ـ حتى يكون لبس العمامة السوداء رمز سيادته، وإنّما هي رمز حداده على الإمام الحسين (عليه السلام)، كما أنّ نغمة أصحاب الإمام المنتظر: ((يا لثارات الحسين)) دلالة على أنّها انتقامية من المتطاولين على الإسلام الذي مثّل الثورة من أجله الإمام الحسين(عليه السلام) .
اختكم ,,, نور علي
المفضلات