خطبة أخرى للحسين عليه السلام
وذكر السيد ابن طاووس خطبةً أخرى للحسين قال: فركب الحسين ناقته، وقيل: فرسه، فاستنصتهم فأنصتوا، وفي رواية: فأبوا أن يُنصتوا حتى قال: ويلكم ما عليكم أن لا تنصتوا لي فتسمعوا قولي، وإنما أدعوكم إلى سبيل الرشاد، فمن أطاعني كان من المرشدين ومن عصاني كان من المهلكين، وكلّكم عاصٍ لأمري غير مستمعٍ قولي فقد مُلئتْ بطونكم من الحرام وطُبعَ على قلوبكم، ويلكم! ألا تنصفون؟ ألا تسمعون؟ ألا تنصتون؟ فتلاوم القوم وقالوا أنصتوا له فأنصتوا.
فحمد الله وأثنى عليه وذكره بما هو أهله، وصلّى على محمد وآله وعلى الملائكة والأنبياء والرسل، وابلغ في المقال ثم قال:
(تبّاً لكم أيّتها الجماعة وترحا حين استصرختمونا والهين فأصرخناكم موجفين، سللتم علينا سيفاً لنا في أيمانكم، وحششتم علينا ناراً اقتدحناها على عدوّنا وعدوّكم، فأصبحتم إلباً لأعدائكم على أوليائكم بغير عدلٍ أفشوه فيكم ولا أملٍ أصبح لكم فيهم؛ فهلاّ لكم الويلات؟ تركتمونا والسيف مشيم والجأش طامن، والرأي لما يستحصف ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدبا وتداعيتم إليها كتداعي الفراش، فسُحقا لكم يا عبيد الأمة، وشذاذ الأحزاب؛ ونبذة الكتاب ومحرّفي الكلم، وعصبة الآثام، ونفثة الشيطان ومطفئ السنن. أهؤلاء تعضدون؟ وعنّا تتخاذلون؟ أجل والله غدرٌ فيكم قديم، وشجت إليه أصولكم، وتأرّزت عليه فروعكم، فكنتم أخبث ثمر شجا للناظر وأكلة للغاصب، إلا وإن الدعيّ بن الدعيّ قد ركّز بين اثنتين: بين السلّة والذلّة وهيهات منّا الذلّة، يأبى الله ذلك لنا ورسوله، وحجور طابت وجدودٌ طهرت، وأنوفُ حميّة ونفوسٌ أبيّة من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا وإني زاحفٌ بهذه الأسرة مع قلّة العدد وخذلان الناصر، ثم قال:
فــــإن نــــهزم فــهزّامون قدماً .. وإن نُغــــلبْ فغَــــير مُـــــغَلّبينا
ومــــا إن طــــبّنا جــــبنٌ ولكن .. منايـــــانا ودولـــــة آخــــــرينا
إذا مـــا المـوت رفّع عن اناس .. كــــــلا كـــــله أنـــــاخ بآخرينا
فأفنى ذلــــكم ســـــرواة قومـي .. كمـــــا أفـــــنى القرون الأوّلينا
فلو خـــــلد المـــلوك إذن خلدنا .. ولو بقــــي الكــــرام إذن بـقينا
فــــقل للشــــامتين بــــنا أفيقوا .. سيــــلقى الشــامتون كما لقينا
ثم أيم الله لا تلبثون بعده إلا كريث ما يركب الفرس حتى تدور بكم دور الرحى وتقلق بكم قلق المحور، عهدٌ عهده إليّ أبي عن جدّي، فأجمعوا أمركم وشركاءكم، ثم لا يكن أمركم عليكم غمّة ثم اقضوا إليّ ولا تنظرون إني توكّلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إنّ ربّي على صراط مستقيم.
اللهم احبس عنهم قطر السماء، وابعث عليهم سنين كسنّي يوسف، وسلّط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كاساً مصبرة، فإنهم كذبونا وخذلونا وأنت ربّنا عليك توكّلنا واليك أنبنا واليك المصير).






رد مع اقتباس
المفضلات