في عمري القصير هذا رأيت سوق الخضرة المركزي و سوق السمك بالقطيف في ثلاث مواقع، و الأسباب دائما هي: إعادة بناء سوقي السمك و الخضرة من جديد.

الموقع الأولي:
الموقع الأول هو موقع سوق السمك بالمفرد الموجود الآن بالشريعة.

الموقع الثاني:
ثم نقلت و وضعت في موقع آخر وهو الآن البنك العربي و موقف السيارات المقابل له بين مياس و المدارس.

و كان هنا في الموقع قبر لسيدة يسمى (قبر السيدة) يذكر أنها في إحدى المعارك بين البدو و أهل القطيف ذبحت إمرأة سيدة و قاموا بدفنها محل ما دبحت و ذلك لشدة الحصار في المنطقة. و كانت تزوره النساء و ينذرون إليه، و دائما تجد على قبرها شموع و حناء، إلا أن قد أزيل القبر حينما جعلوه مواقف سيارات.

و موقع السوق هذا يتناوبوه الباعة على فترات لضيق المحل كما هو الحال في موقعه الأول في الشريعة، و يقسم اليوم إلى فترات

فالفترة الأولى وهي من منتصف الليل حتى قرب طلوع الشمس لبيع السمك بالجملة، و بعدها يأتوا بائعي السمك بالمفرق من جهة الجنوب و الخضارين يأخدوا الموقع الشمالي محل بيع السمك بالجملة ليبيعوا منتوجات مزارعهم. و فيه مقاول من البلدية يسمى أبو عبد الله البيش يأخد على كل مفرش 4 قروش يومياً، و تسمى [أرضية].

* * *

* ومن ملاحضاتي أنه في أول الستينات ميلادية قامت معركة في يوم من أيام الشتاء على السمك لأنه كان شحيحا جدا، و المعركة وقعت بعد و زنه بين الأكثرية من تجار السمك و هم أهل القطيف الذين يمدون الظهران و الدمام بأسماكهم، تقابلهم أقلية صغيرة جدا من تجار السمك من أهل صفوى.

بعد أن تمت ترسية السمك بسعر عالي جدا تصدرت الأسماك أهل القطيف لأنهم في رأيهم الأقوى و كل منهم رمى مرحلته بهون على كومة و لم يبقى للأقليات منه شيء.

فما كان من أهل صفوى و بعد التفكير و مداولة الشورى في ما بينهم إلا إنهم يقلعون جدوع كل العشاش المقامة على النخل المسمى بالكتاب الذي هو الآن بنك الرياض و كل إثنين منهم يحملون جدعا و يقدفون به على الرجال أهل القطيف حتى أعطبوهم في أجسامهم و سالت الدماء، و أخذوا يتصارخون من هول المفاجئة و مما ألم بهم من آلام.

فتوحدوا أهل صفوى بكل السمك و عبوه في مراحلهم و مراحل خصومهم، و ربطوها على حميرهم و انطلقوا به مهرولين و مسرورين بغنائمهم التي كانوا لا يحلمون بها في ذلك اليوم، باتجاه صفوى.

و في المساء أتو يدفعون الحساب كالعادة بزهو و بدون خوف.

أما أقرانهم من أهل القطيف ففي أفرشتهم يتنافضون من الآلام و الرضوض و الكسور.

* * *

و قد تلاقي في هذه السوق نساء فلاحات يأتين بأشياء يعرضنها و تستغرب منها، و هي فضلات طعام و حبوب زراعة قليلة منوعة، و كسار خبز جمعته من الخبازين و فردات تمر و غيرها لا لأجل البيع، بل للتبادل بأشياء اخرى لعلها البيض و الصيصان الصغيرة و غيرها، و تسمى هذه الطريقة بالـ [مقايضة].

و هنا تجد في موقع الآن ما جنوب بنك الرياض من دكاكين، قهوتين للمرحومين حاج عبد الله الرواي أبو أحمد و أبو سعيد و الإثنان من الشريعة، مساندة لمستخدمي سوق السمك و فيها الشاي اللذيذ و الكوكا كولا ذو الغرشة الصغيرة قبل المقاطعة من أجل فلسطين، و استبدلت في ما بعد بالبيبسي. و كان ثمن الإستكانة منه ربع ريال و كذلك غرشة الكولا و البيبسي. و يذكر أن الناس قاطعة سيارة الفورد في نفس المدة و لنفس السبب و استبدلتها بالشفر ليه [إمبالا].

يأتي دور هذه المقاهي العظيم خاصة بعدالغداء عندما يأتي سماكون المفرق يحاسبون الجزازيف - تجار السمك بالجملة - بقيمة ما اشتروه من أمنان السمك في الصباح و الكل يصيح على أبو أحمد أو أبو سعيد المقهويين و كل في قهوته: [جيب شاي].

و كل سماك أو جزاف أمامه ستكانة شاي و في بطنها ملعقة صغيرة و على الطالة خمس اقروش قيمةالشاي و هم يتجاذبون الحديث.وهناك تسمع الموسيقى الكلاسيكية الناتجة من الملاعق في الأستكانات، و الإستكانات في الصحون و شفط الشاي حارا بالأفواه.

و أيضا رنين [الأريل] الفضة في الجيوب و الأيدي، يصفع بعضها البعض، و تتمايل بها الجيوب [المخابي] من كثرتها.

و من ما شاهدته من عادات للسماكين المحليين و غالبيتهم من أهل الشريعة عندما ينجز منهم الواحد مهمة بيعه في الصباح يذهب البيت و يأخذ له إزار و فانيلة نظاف غير تلك الزفرة التي كانت على بدنه في الصباح وقت العمل و يذهب إلى بركة عين الشريعة الإرتوازية الكبيرة المغطات ذات الماء الساخن الوفير و في بركتها الكبيرة ينزل السماك و يتمدد و يغسل جسمه تماما بالصابونة و يا الكيس، و يلبس الإزار و الفانيلة و يعود إلى البيت و هو منتعش البال و الحال، و يتغدى و ينام،

و في الثامنة عربي مساء يجلس من نومه و يأخد ثيابه المفصلة في الخياط النظيفة المكوية عند المرحوم حبيب الدوبي، الذي يفتح يوم و يسكر ثلاثة من الكسل و عدم التزامه بعمله لكن لا يوجد إلا هو - ما كو چارة، و بعد أن يرتديها يضع أغلى دهن العود الذي جلبه من البحرين ذو الكلفه الكبيرة. ثم يذهب إلى القهوة مزهو بما لبس و يجلس على الكرسي و أمامه الطاولة المتمايحة المقززة الممتلئة بالذباب الملون بكل ألوان أطياف الشمس، و يأمر لنفسه باستكانة شاي زنقيل و بعدها بقليل يطلب استكانة أخرى. ثم يطلب كشف حسابه من كاتب الجزاف، و بعد الحساب يخرج و كل مع شلة من زملائه مغربا في اتجاه النخيل لزيارة أصدقاءهم هناك، و لا يأتوا إلا الساعة الثانية عربي ليلا.

و أخيرا:
و بعد أن أنجز البناء عادت السوق إلى موقعها الحالي في الشريعة و بقيت بجميع تفاصيلها كما هي الآن تقريبا.

مع خالص تحياتي:

عمو أبو سلطان