بكاء الامام علي بن موسى الرضا عليهما السلام


وقد امتلأت كتب التاريخ ومؤلفات الرواة بأخبار حزن ونياحة الامام الثامن علي بن موسى الرضا عليهما السلام على جده الحسين عليه السلام وأنقل تالياً نبذاً منها :


1 ـ جاء في كتاب « إقناع اللائم » انه :

« روى الصدوق في الأمالي بسنده عن الرضا عليه السلام قال : إن المحرم شهر كان
أهل الجاهلية يحرمون فيه القتال ، فاستحلت فيه دماؤنا ، وهتكت فه حرمتنا ، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا ، وأضرمت النار في مضاربنا ، وانتهبت ما فيها من ثقلنا ، ولم ترع لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرمة في أمرنا . إن يوم الحسين أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا ، وأذل عزيزنا بأرض كرب وبلاء ، وأورثنا الكرب والبلاء الى يوم الانقضاء ، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون ، فان البكاء عليه يحط الذنوب العظام ».


2 ـ وروى الصدوق في « الأمالي والعيون » بسنده عن الريان بن شبيب قال :

« دخلت على الرضا عليه السلام في أول يوم محرم . قال : يا ابن شبيب ، إن المحرم هو الشهر الذي كان أهل الجاهلية فيما مضى يحرمون فيه الظلم والقتل لحرمته ، فما عرفت هذه الأمة حرمة شهرها ، ولا حرمة نبيها صلى الله عليه وآله وسلم ، لقد قتلوا في هذا الشهر ذريته ، وسبوا نساءه ، وانتهبوا ثقله ، فلا غفر الله لهم ذلك أبداً .

يا ابن شبيب ، إن كنت باكياً لشيء فابك للحسين بن علي بن أبي طالب ، فانه ذبح كما يذبح الكبش ، وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلاً ما لهم في الأرض شبيه ، ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله ، ولقد نزل الى الارض من الملائكة أربعة الآف لنصره فوجدوه قد قتل ، فهم عند قبره شعث غبر الى أن يقوم القائم فيكونون من أنصاره وشعارهم : ( يا لثارت الحسين ) .

يا ابن شبيب ، لقد حدثني أبي ، عن أبيه عن جده أنه لما قتل جدي الحسين عليه السلام أمطرت السماء دماً وتراباً أحمراً . يا ابن شبيب ، إن بكيت على الحسين حتى تصير دموعك على خديك غفر الله لك كل ذنب أذنبته ، صغيراً كان أو كبيراً ، قليلاً كان أو كثيراً ... » الى آخر الحديث .


3 ـ وحكي عن الشاعر الشهير دعبل الخزاعي أنه قال :

« دخلت على سيدي ومولاي علي بن موسى عليهما السلام بمرو في أيام عشرة المحرم ، فرأيته جالساً جلسة الحزين الكئيب ، وأصحابه جلوس حوله . فلما رآني مقبلاً قال لي : مرحباً بك يا دعبل ، مرحباً بناصرنا بيده ولسانه ، ثم إنه وسع لي في مجلسه ، وأجلسني الى جانبه ، ثم قال : يا دعبل أحب أن تنشدني شعراً فإن هذه الأيام أيام حزن كانت علينا أهل البيت ، وأيام سرور كانت على أعدائنا ، خصوصاً بني أمية . ثم إنه نهض وضرب ستراً بيننا وبين حرمه وأجلس أهل بيته من وراء الستر ليبكوا على مصاب جدهم الحسين . ثم التفت اليّ وقال يا دعبل ، إرث الحسين ، فأنت ناصرنا ومادحنا ما دمت حياً . قال دعبل : فاستعبرت ، وسالت دموعي وأنشأت :


أفاطــم لو خلت الحسين مجدلاً * وقد مات عطشانــاً بشط فرات

إذاً للطمت الخد فاطــم عنـده * وأجريت دمع العين في الوجنات


الى آخر القصيدة التائية التي تناقلتها جميع كتب التاريخ وأسفار الحديث ، واعتبرتها من أبلغ القصائد رثاء وفجيعة وحزناً .


4 ـ وفي « إقناع اللائم » ما نصه :

روى الصدوق في « عيون أخبار الرضا » بسنده عن عبد السلام بن صالح الهروي قال : دخل دعبل بن علي الخزاعي رحمه الله على ابي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام بمرو فقال له : يا ابن رسول الله ، إني قد قلت فيكم قصيدة وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحداً قبلك . فقال عليه السلام : هاتها فأنشده :


مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات

فلما بلغ البيت :


أرى فيئهم في غيرهم متقسماً * وأيديهم من فيئهم صفرات

بكى الامام الرضا عليه السلام وقال له : صدقت يا خزاعي .



5 ـ نقلت كتب الحديث عن الامام الرضا عليه السلام عن يوم عاشوراء ما يلي :

« من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى الله له حوائج الدنيا والآخرة ، ومن كان يوم عاشوراء يوم مصيبته وحزنه وبكائه جعل الله عز وجل يوم القيامة يوم فرحه وسروره وقرت في الجنان عينه ومن سمى يوم عاشوراء يوم بركة وادخر فيه لمنزله شيئا لم يبارك فيما ادخر ».


6 ـ وجاء في الروايات : إن الشاعر إبراهيم بن عباس دخل على الامام الرضا عليه السلام وأنشد قصيدته التي يقول في أولها :

أزال عزاء القلب بعد التجلد * مصارع أولاد النبي محمد

فبكى الامام عليه السلام ، وبكى من في مجلسه عند إنشاد هذه القصيدة .


7 ـ جاء في الصفحة «178» من كتاب « الشيعة والحاكمون » عند ذكر قصيدة دعبل التائية وإنشادها أمام الامام الرضا قوله :

« وبكى الامام الرضا حين أنشد دعبل القصيدة ، وبكت معه النسوة والأطفال . وما زال الشيعة يتلونها الى اليوم على المنابر ويبكون ... » .

أقول : إن قصيدة دعبل الخزاعي هذه بلغت «120» بيتاً ، وكل أبياتها شجية ، ومن أشجاها هذان البيتان :


سأبكيهم ما ذر في الأرض شـارق * ونادى منــاد الخيـر للصلوات

وما طلعت شمس وحـان غروبها * وبالليل أبكيهــم وبالغـدوات


وقد عاش دعبل «98» سنة وكان مجيئه الى مرو لزيارة الامام الرضا عن طريق البصرة سنة «198 هـ» ، وبقى فيها عند الامام الى سنة 200 هـ وتوفي سنة «246 هـ» بالطيب ، وهي بلدة بالقرب من الاهواز .

وأجد مناسباً هنا بأن أنقل بعض ما نظمه دعبل في رثاء الامام الشهيد عليه السلام والنياحة عليه . فمن قصيدة له فيه :

زر خيــر قبــر بالعراق يزار * واعص الحمار فمن نهاك حمـار

لم لا أزورك يــا حسين لك الفدا * قومي ومن عطفــت عليه نزار

ولك المودة من قلوب ذوي النهى * وعلى عدوك مقتــة ودمــار

يابن الشهيد ويا شهيـداً عمــه * خير العمومة جعفــر الطيـار

ولدعبل أيضاً من قصيدة :


رأس ابن بنت محمـد ووصيــه * ياللرجــال على قنـاة يرفــع

والمسلمون بمنظــر وبمسمــع * لا جازع مـن ذا ولا متخشــع

أيقظت أجفاناً وكنــت لها كرى * وأنمت عيناً لم تكن بــك تهجع

كحلت بمنظرك العيـون عمايـة * وأصم نعيـك كـل أذن تسمــع

ما روضـــة الا تمنت أنهـا * لك مضجع ولحط قبرك موضــع


يقول ابن العرندس الحلي عليه الرحمة


وقفتُ على الدار التي كنتُم ُ بها - فمغناكُـمُ من بَعد معناكُـمُ فقرُ

و قد دُرست منها الدروس و طالما و قد دُرست منها الدروس و طالما

وسالت عليها من دموعي سحائبٌ - إلى أن تروّى البانُ بالدمع والسدر

فَراق فِراقُ الروح لي بعد بُعدكم - و دار برسم الدار في خاطري الفكر

وقد أقلعتْ عنها السحاب ولم يُجد - و لا درّ من بعد الحسين لها درّ

إمام الهدى سبط النبوّة والد الأئمّـ - ــــة ربّ النهي مولىً له الأمر

إمامٌ أبـوه المرتضى علم الهدى - وصيّ رسول الله والصنو والصهر

إمامٌ بكته الإنس و الجنّ و السما - و وحش الفلا والطير والبرّ والبحر