بكاء الامام الخامس محمد الباقر عليه السلام
أما الامام الخامس محمد بن علي بن الحسين عليه السلام الباقر فقد شحت الروايات عن ذكر اقامة المآتم والنياحات العلنية على عهده . وسبب ذلك هو شدة ضغط الأمويين عليه وعلى آله وصحبه ، الأمر الذي كان يدعو الامام عليه السلام وآله الى اتخاذ جانب الحيطة والحذر والتقية ، واقامة مثل هذه المآتم في بيوتهم الخاصة وراء الاستار الكثيفة ولم يحضرها سوى خاصتهم ، وفيما يلي بعض الروايات عن ذلك :
1ـ جاء في الصفحة «152» من كتاب «نهضة الحسين» ما نصه :
« يحدثنا التاريخ الاسلامي عن أعلام أهل البيت النبوي انهم كانوا يستشعرون الحزن كلما هل هلال المحرم ، وتفد عليهم وفود من الشعراء العرب لتجديد ذكرى الحسين لدى أبنائه الأماجد . وقد ألقوا روائع في فن الرثاء والتسلية والتذكير باسلوب ساحر أخاذ ، وظل شعرهم خالدا رغم كر العصور .
فقد كان الشاعر العربي الكميت بن زيد الأسدي من شعراء العصر الأموي ، والمتوفى في سنة «126هـ » قد جعل معظم قصائده في مدح بني هاشم وذكر مصائب آل الرسول عليهم السلام حتى سميت قصائده بالهاشميات ، وكان ينشد معظمها في مجالس الامام الصادق ، وأبيه محمد الباقر ، وجده علي بن الحسين عليهم السلام » .
2ـ جاء في « كامل الزيارات » لابن قولويه صفحة «175» عن مالك الجهني قال :
« ان الباقر قال في يوم عاشورا : وليندب الحسين ويبكه ويأمر من في داره بالبكاء عليه ، ويقيم في داره مصيبة باظهار الجزع عليه ، ويتلاقون بالبكاء عليه ، بعضهم في البيوت . وليعّز بعضهم بعضا بمصاب الحسين . فانا ضامن على الله لهم اذا فعلوا ذلك أن يعطيهم ثواب ألفي حجة وعمرة وغزوة مع رسول الله والائمة الراشدين » .
3ـ جاء في الصفحة «126» من كتاب « الشيعة والحاكمون » عند ذكر شاعر آل البيت الكميت الأسدي صاحب « الهاشميات » قوله :
« فحينئذ قدم الكميت المدينة وأنشد الامام محمد الباقر بن علي بن الحسين ، فلما بلغ من الميمية قوله :
وقتيــل بالطف غودر منهــم * بين غوغــاء أمــة وطغــام
بكى الامام ، ثم قال : ياكميت ، لو كان عندنا مال لأعطيناك ، ولكن لك ما قال الرسول لحسان بن ثابت : لا زلت مؤيدا بروح القدس ماذببت عنا أهل البيت ... » .
4ـ جاء في الصفحة «106» من كتاب « اقناع اللائم » ماعبارته :
« وروى الشيخ الطوسي في « مصباح المتهجد » بسنده عن أبن جعفر الباقر عليه السلام أنه قال وذكر ثواب زيارة الحسين عليه السلام يوم عاشوراء حتى يظل عنده باكيا وقال :
« ان البعيد يومئ اليه بالسلام ، ويجتهد في الدعاء على قاتله ، ويصلي من بعده ركعتين . قال : وليكن ذلك في صدر النهار قبل أن تزول الشمس ثم ليندب الحسين وليبكه ، ويأمر من في داره ممن لا يتعبه بالبكاء عليه ، ويقيم في داره المصيبة باظهار الجزع عليه ...» .
5ـ وجاء في الصفحة «105» من الكتاب نفسه مانصه :
« روى ابن قولويه في كامله بسنده عن الباقر عليه السلام انه قال : ايما مؤمن دمعت
عيناه لقتل الحسين دمعة حتى تسيل على خده بوّأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا ».
6ـ في الصفحة «33» من كتاب « ثورة الحسين» لمؤلفه الشيخ محمد مهدي شمس الدين ، المطبوع في النجف سنة 1390هـ قوله :
« لقد بدأت تظهر آثار ثورة الحسين في الوجدان الشعبي من شعر الرثاء لشهداء الثورة ، وفي شعر النوح والتوبة من أولئك الذين قعدوا عن مناصرة الثورة أو ساهموا في الحرب ضدها ...» .
ثم يستطرد المؤلف ويقول :
« ولكن نشوب الثورة في الحجاز ضد الحكم الأموي وامتدادها الى العراق وغيره ، وانطلاق الأعمال الانتقامية ضد الامويين وأعوانهم ، أطلق فيضا من الشعر الرثائي لثوار كربلاء .
ويبدو لي أنه في هذه المرحلة بالذات بدأت المآتم الحسينية بشكل بسيط . ولا بد أنها بدأت على شكل اجتماعات صغيرة ، يعقدها نفر من المسلمين الناقمين من أتباع أهل البيت وغيرهم في بيت أحدهم ، فيتحدثون عن الحسين وعما جرى عليه ، وينتقدون السلطة التي حاربته وامتدادها القانوني المتمثل في السلطة المعاصرة له ويتبرأون منها . وربما تناشدوا شيئا من شعر الرثاء الذي قيل في الثورة ، وفي بطلها وقتلاها ، وقد تطورت هذه المآتم عبر العصور فمرت في أدوار متميزة حتى انتهت الى أيامنا هذه الى الشكل الذي تقام به الآن ...» . ثم يواصل الكاتب كلامه ببيان العوامل التي أنشات هذه المآتم ويقول ماعبارته :
« الرابع : تشجيع أئمة أهل البيت على احياء هذه الذكرى ، وحثهم على نظم الشعر وانشاده في شأنها ، وعقدهم لمجالس الذكرى في بيوتهم ، واستقبالهم للشعراء وسماعهم لهم .
وقد تعاظم تركيز الأئمة على هذا منذ عهد الامام الباقر والصادق عليهما السلام ، ومن الاسماء البارزة في هذه المجالس الكميت بن زيد الأسدي ، والسيد الحميري ، وجعفر بن عفان ، ودعبل الخزاعي ، وغيرهم ... » .
بأبي المقتول عطشانا و في كفه بحر يـروي الخلق جملا
بأبي العاري ثلاثا بالعرى و لقد كان لأهل الأرض ظلا
بأبي الخائف أهلوه و قد كان للخائف أمنا أين حلا
و اذا عاينت أهليه ترى نوبا فيها رزايا الخلق تسلا
أنا أفديك بعمري يا حسين .. ليت كي أبكيك لي مليار عين
و قليل فيك تفنى الوجنتين .. حين تروى لهبا فيها استهلا
المفضلات