النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: نزول القران (الوحي)

  1. #1
    عضو متميز الصورة الرمزية ابوحسن التونسي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    390
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    231

    نزول القران (الوحي)

    نزول القرآن الكريم
    نزول القرآن عن طريق الوحي
    صور الوحي
    نزول القرآن الكريم على النبي (صلّى الله عليه وآله) مرّتين
    التدرّج في التنزيل
    نزول القرآن الكريم باللُّغة العربية

    نزول القرآن الكريم(1)
    نزول القرآن عن طريق الوحي:
    تلقّى النبي (صلّى الله عليه وآله) القرآن الكريم عن طريق الوحي، ونظراً إلى أنّه (صلّى الله عليه وآله) كان يتلقّى الوحي الإلهي من جهةٍ عليا معنويّة وهي الله سبحانه يقال عادةً:
    إنّ القرآن نزل عليه، للإشارة باستعمال لفظ النزول إلى علوّ الجهة التي اتصل بها النبي عن طريق الوحي وتلقّى عنها القرآن الكريم.
    والوحي لغةً هو:
    (الإعلام في خفاء)، أي الطريقة الخفيّة في الإعلام، وقد أطلق هذا اللفظ (الوحي) على الطريقة الخاصّة التي يتّصل بها الله ـ تعالى ـ برسوله، نظراً إلى خفائها ودقّتها، وعدم تمكّن الآخرين من الإحساس بها.
    ولم يكن الوحي هو الطريقة التي تلقّى بها خاتم الأنبياء وحده كلمات الله، بل هو الطريقة العامّة لاتصال الأنبياء بالله، وتلقّيهم الكتب السماويّة منه تعالى، كما حدّث الله بذلك رسوله في قوله عزَّ وجلَّ:
    (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ...)(2).
    صور الوحي:
    ويبدو من القرآن الكريم أنّ الوحي هذا الاتصال الغيبي الخفي بين الله وأصفيائه، له صور ثلاث:
    الأُولى:
    إلقاء المعنى في قلب النبي، أو نفثه في روعه بصورة يحسُّ بأنّه تلقّاه من الله تعالى.
    والثانية:
    تكليم النبي من وراء حجاب، كما نادى الله موسى من وراء الشجرة(3) وسمع نداءه.
    والثالثة:
    هي التي متى أُطلقت انصرفت إلى ما يفهمه المتدّين عادةً من لفظة الإيحاء، حين يلقي ملك الوحي المُرسَل من الله إلى نبيٍّ من الأنبياء ما كُلّف إلقاؤه إليه، سواء أُنزل عليه في صورة رجلٍ أم في صورته الملكية، وقد أُشير إلى هذه الصور الثلاث في قوله تعالى:
    (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ)(4).
    وتدل الروايات على أنّ الوحي الذي تلقى عن طريقه الرسالة الخاتمة وآيات القرآن المجيد، كان بتوسيط المَلَك في كثيرٍ من الأحيان، وبمخاطبة الله لعبده ورسوله من دون واسطةٍ في بعض الأحيان، وكان لهذه الصورة من الوحي التي يستمع فيها النبي إلى خطاب الله من دون واسطة أثرها الكبير عليه؛ ففي الحديث أنّ الإمام الصادق سُئل عن الغشية التي كانت تأخذ النبي أكانت عند هبوط جبرئيل؟
    فقال: (لا وإنّما ذلك عند مخاطبة الله عزّ وجلّ إيّاه بغير ترجمان وواسطة).
    نزول القرآن الكريم على النبي (صلّى الله عليه وآله) مرّتين(5):
    في رأي عددٍ من العلماء أنّ القرآن الكريم نزل على النبي مرّتين:
    إحداهما: نزل فيها جملةً واحدةً على سبيل الإجمال، والأُخرى: نزل فيها تدريجاً على سبيل التفصيل خلال المدّة التي قضاها النبي في أُمته منذ بعثته إلى وفاته.
    ومعنى نزوله على سبيل الإجمال:
    هو نزول المعارف الإلهيّة التي يشتمل عليها القرآن وأسراره الكبرى على قلب النبي؛ لكي تمتلئ روحه بنور المعرفة القرآنية.
    ومعنى نزوله على سبيل التفصيل هو نزوله بألفاظه المحدّدة، وآياته المتعاقبة، والتي كانت في بعض الأحيان ترتبط بالحوادث والوقائع، وفي زمن الرسالة وكذلك مواكبة تطوّرها.
    وكان إنزاله على سبيل الإجمال مرةً واحدة، لأنّ الهدف منه تنوير النبي وتثقيف الله له بالرسالة التي أعدّه لحملها.
    وكان إنزاله على سبيل التفصيل تدريجاً، لأنّه يستهدف تربية الأُمّة وتنويرها وترويضها على الرسالة الجديدة، وكذلك تثبيت النبي في مواقفه وتسديده فيها، وهذا يحتاج إلى التدرّج.
    وعلى ضوء هذه النظريّة في تعدّد نزول القرآن، يمكننا أنْ نفهم الآيات الكريمة الدالّة على نزول القرآن بجملته في شهر رمضان، أو إنزاله في ليلة القدر بصورة خاصّة، نحو قوله تعالى:
    (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ...)(6).
    وقوله: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)(7).
    وقوله: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ)(8).
    فإنّ الإنزال الذي تتحدّث عنه هذه الآيات ليس هو التنزيل التدريجي الذي طال أكثر من عقدين، وإنّما هو الإنزال مرةً واحدة على سبيل الإجمال.
    كما إنّ فكرة تعدّد الإنزال بالصورة التي شرحناها تفسّر لنا أيضاً المرحلتين اللتين أشار إليهما القرآن الكريم في قوله تعالى:
    (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)(9)
    فإنّ هذا القول يشير إلى مرحلتين في وجود القرآن:
    أُولاهما: إحكام الآيات،
    والثانية: تفصيلها وهو ينسجم مع فكرة تعدد الإنزال فيكون الإنزال مرة واحدة على سبيل الإجمال هي مرحلة الأحكام، والإنزال على سبيل التفصيل تدريجاً هي المرحلة الثانية أي مرحلة التفصيل.
    التدرّج في التنزيل(10):
    استمرّ التنزيل التدريجي للقرآن الكريم طيلة ثلاث وعشرين سنة، وهي المدّة التي قضاها النبي (صلّى الله عليه وآله) في أُمّته منذ بعثته إلى وفاته، فقد بُعث (صلّى الله عليه وآله) لأربعين سنةٍ من ولادته، ومكث بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه، ثمّ هاجر إلى المدينة وظل فيها عشر سنين، والقرآن يتعاقب ويتواتر عليه، حتّى مات وهو في الثالثة والستّين من عمره الشريف.
    وقد امتاز القرآن عن الكتب السماوية السابقة عليه بإنزاله تدريجاً، بخلاف ما يشير إليه القرآن الكريم من إنزال التوراة على شكل ألواح دفعةً واحدة، أو في مدةٍ زمنيّة محدودة.
    وكان لهذا التدرّج في إنزاله أثرٌ كبير في تحقيق أهداف وإنجاح الدعوة وبناء الأُمّة.
    كما أنّه كان آيةً من آيات الإعجاز في القرآن الكريم، ويتضح كلّ ذلك في النقاط التالية:
    1 ـ مرّت على النبي والدعوة حالات مختلفة جدّاً خلال ثلاث وعشرين سنة، تبعاً لما مرّت به الدعوة من محن، وقاسته من شدائد، وما أحرزته من انتصار، وسجّلته من تقدّم، وهي حالات يتفاعل معها الإنسان الاعتيادي، وتنعكس على روحه وأقواله وأفعاله ويتأثّر بأسبابها وظروفها والعوامل المؤثّرة فيها، ولكنّ القرآن الذي واكب تلك السنين بمختلف حالاتها في الضعف والقوّة، في العسر واليسر، في لحظات الهزيمة ولحظات الانتصار، والتنزيل تدريجاً خلال تلك الأعوام كان يسير دائماً على خطّه الرفيع، لم ينعكس عليه أيّ لونٍ من ألوان الانفعال البشري الذي تثيره تلك الحالات.
    وهذا من مظاهر الإعجاز في القرآن، التي تبرهن على تنزيله من لدن عليٍّ حكيم؛ حيث لا يمكن أن توجد الانفعالات أو التأثيرات الأرضيّة على الذات الإلهيّة، ولم يكن القرآن ليحصل على هذا البرهان لولا إنزاله تدريجاً، في ظروف مختلفة وأحوالٍ متعددة (11).
    2 ـ إنّ القرآن بتنزيله تدريجاً كان إمداداً معنويّاً مستمرّاً للنبي (صلّى الله عليه وآله) كما قال الله تعالى:
    (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً)(12).
    فإنّ الوحي إذا كان يتجدّد في كلِّ حادثةٍ كان أقوى للقلب، وأشدّ عناية بالمرسَل إليه، ويستلزم ذلك: نزول المَلَك إليه، وتجدّد العهد به، وتقوية أمله في النصر، واستهانته بما يستجدّ ويتعاقب من محنٍ ومشاكل.
    ولهذا نجد أنّ القرآن ينزل مسلّياً للنبي مرةً بعد مرة، مهوّناً عليه الشدائد كلّما وقع في محنة، يأمره تارةً بالصبر أمراً صريحاً، فيقول:
    ( وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً )(13) .
    وينهاه تارةً أُخرى عن الحزن، كما في قوله:
    ( وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً )(14) .
    ويذكّره بسيرة الأنبياء الذين تقدموه من أولي العزم، فيقول:
    ( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ... )(15) .
    ويخفّف عنه أحياناً، ويعلمه أنّ الكافرين لا يجرحون شخصه ولا يتهمونه بالكذب لذاته، وإنّما يعاندون الحقَّ بغياً كما هو شأن الجاحدين في كلّ عصر، كما في قوله:
    (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ)(16).
    لا تتألّمْ كثيراً عندما تراهُم يحجبون الحقَّ..فالشّمسُ تحتاجُ ـ أحياناً ـ إلى الإختناق وراء الغيوم لتبدو أكثر جمالاً..!!

  2. #2
    عضو متميز الصورة الرمزية ابوحسن التونسي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    390
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    231

    رد: نزول القران (الوحي)

    يتبع............
    3 ـ إنّ القرآن الكريم ليس كتاباً كسائر الكتب التي تؤلَّف للتعليم والبحث العلمي، وإنّما هو عملية تغيير الإنسان تغييراً شاملاً كاملاً في عقله وروحه وإرادته، وهدفه الأساس هو صنع أُمّة وبناء حضارة، وهذا العمل لا يمكن أن يوجد مرةً واحدة وإنّما هو عمل تدريجي بطبيعته، ولهذا كان من الضروري أن ينزل القرآن الكريم تدريجاً؛ ليُحْكِم عملية البناء وينشئ أساساً بعد أساس، ويجتذّ جذور الجاهليّة ورواسبها بأناةٍ وحكمة.
    وعلى أساس هذه الأناة والحكمة في عمليّة التغيير والبناء، نجد أنّ الإسلام تدرّج في علاج القضايا العميقة بجذورها في نفس الفرد أو نفس المجتمع، وقاوم بعضها على مراحل حتّى استطاع أن يستأصلها ويجتث جذورها، وقصّة تحريم الخمر وتدرّج القرآن في الإعلان عنها من أمثلة ذلك، وكذلك الموقف من مختلف قضايا الأخلاق والقتال والشريعة؛ فلو أنّ القرآن نزل جملةً واحدة بكلِّ أحكامه ومعطياته الجديدة، لنفر الناس منه، ولما استطاع أن يحقّق الانقلاب العظيم الذي أنجزه في التأريخ.
    4 ـ إنّ الرسالة الإسلامية كانت تواجه الشبهات والاتهامات والمواقف السياسية والأطروحات الثقافية والإثارات والأسئلة المختلفة من قِبَل المشركين، وكان النبي (صلّى الله عليه وآله) بحاجة إلى أن يواجه كلَّ ذلك بالموقف والتفسير المناسبَين، وهذا لا يمكن أن يتمّ إلاّ بشكلٍ تدريجي؛ لأن طبيعة هذه المواقف والنشاطات المعادية هي طبيعة تدريجيّة، وتحتاج إلى معالجة ميدانية مستمرة، وهذا لعلّه المراد من سياق قوله تعالى:
    ( وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً )(17).
    نزول القرآن الكريم باللُّغة العربية:
    لقد نزل القرآن الكريم باللُّغة العربية دون غيرها من اللُّغات، وهذه الظاهرة قد يكون سببها الميزات التي تختص بها اللُّغة العربية من بين اللُّغات الأُخرى، ممّا يجعلها أشرف اللُّغات، وأقدرها على استيعاب أوسع المعاني أو التعبير عنها، كما قد يوحي ذلك بعض النصوص، أو تنتهي إليه دراسات علم اللُّغات وخصائصها.
    ولكنّ الشيء الذي يمكن أن يستفاد من القرآن الكريم ـ وكذلك التأمل في هذه الظاهرة ـ هو تفسيرها على أساس ارتباط هذه الظاهرة ـ أيضاً ـ بالهدف التغييري الذي أشرنا إليه، ولا ينافي هذا الارتباط شرف اللُّغة العربية وخصائصها البلاغيّة.
    فبالرّغم من أنّ القرآن نزل هدايةً للعالمين، ومن أجل أن يرسم الطريق لكلِّ البشريّة، ولا يختص بقومٍ دون قوم، ولكن باعتبار أنّ الجماعة الأُولى التي كان يراد مخاطبتها بالقرآن هم عرب، واستهدف القرآن الكريم أن يخلق ضمن هذه الجماعة القاعدة التي ينطلق منها الإسلام ـ كما أشرنا إلى ذلك سابقاً ـ اقتضى ذلك نزول القرآن باللُّغة العربية، ولولا ذلك لأمكن أن نفترض ـ والله العالم ـ نزول القرآن بلغةٍ أُخرى، وبذلك ترتبط هذه الظاهرة بقضيّة الهدف التغييري، وإلاّ لأمكن أن نفترض أنّ الهداية والمضمون يمكن أن يعطيا بأي لغةٍ أُخرى.
    ولمّا كانت ضرورات التغيير ـ الذي يريد القرآن أن يحقّقه في البشريّة ـ اقتضت أن يكون منطلق هذا التغيير هو الجزيرة العربية(18)، لذا أصبح من الضروري أن يكون القرآن باللُّغة العربية للأسباب التالية التي أشار القرآن إلى بعضها في تفسير هذه الظاهرة:
    أ ـ اللُّغة العربية عاملٌ مؤثرٌ في استجابة العرب الأوائل للقرآن:
    إنّ القرآن لو نزل بغير اللُّغة العربية لكان من الممكن أن لا يستجيب العرب لهدايته ونوره بسبب حاجز (الأنا) والتعصّب الذي كان يعيشه العرب في الجاهلية، كما تشير إلى ذلك بعض الآيات القرآنية:
    ( وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأَعْجَمِينَ* فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ )(19).
    ( وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ)(20).
    ب ـ التفاعل الروحي أفضل مع لُغة القوم:
    إنّ التفاعل الروحي والنفسي الكامل مع الهداية والنور والمفاهيم القرآنيّة إنّما يتحقّق إذا كان الكتاب بلُغة القوم الذين يراد إيجاد التغيير الفعلي فيهم، لأنّ إثارة العواطف والأحاسيس إنّما تكون من خلال التخاطب باللُّغة نفسها، وأمّا المضمون فهو يتفاعل مع العقل والتفكير المنطقي، وتبقى العواطف والأحاسيس محدودةً ـ على الأقل ـ في مجال التفاعل وبعيدةً عن التأثير.
    ولعلّ هذا السبب يمثِّل خلفيّة السنّة الإلهيّة في اختيار الأنبياء لكلِّ قومٍ من أُولئك الأفراد الذين يتكلّمون بلُغة القوم نفسها، حتّى تكون الحجّة بهؤلاء الرسُل أبلغ على أقوامهم، وحتّى تكون قدرتهم على التأثير أكثر:
    (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً)(21).
    (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ)(22).
    ج ـ التحدّي إنّما يكون بلُغة القوم:
    إنّ القرآن الكريم كان معجزةً ببيانه وأُسلوبه ـ إضافةً إلى المضمون ـ وهذا الجانب من الإعجاز لا يمكن أن يتحقّق إلاّ إذا كان بلُغة القوم، لأنّ (التحدي) ـ الذي هو محتوى الإعجاز ـ إنّما يكون مقبولاً إذا كان باللُّغة التي يتكلّم بها الناس، وإلاّ فلا معنى لأن نتحدّى من يتكلّم بلُغة، أن يأتي بكتابٍ من لغة أُخرى:
    (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)(23).
    (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)(24).
    (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)(25).
    وقد كان التحدّي في هذا الجانب من الإعجاز باعتبار ما كان يوليه ذلك العصر من أهميّةٍ خاصّة للبلاغة والبيان، الأمر الذي كان له أثرٌ كبير في الخضوع النفسي لهؤلاء العرب لبلاغة القرآن وبيانه.
    وقد لا يكون للمضمون في منظور بعض أُولئك الجاهلين الأُميّين مثل هذه الأهميّة الخاصّة للبيان، ولعلّه لهذا كان القرآن يُتّهم بأنّه شعرٌ وسحر.
    د ـ اللُّغة طريق التصوّر الكامل للرسالة:
    إنّ التصوّر الكامل لأبعاد المضمون واستيعابه بحدوده لا يمكن أن يتمّ ـ خصوصاً في المرحلة الأُولى من الرسالة ـ بلغةٍ أُخرى للتخاطب، خصوصاً إذا أخذنا بنظر الاعتبار أنّ الكثير من المضامين القرآنية ترتبط بقضايا وآفاق بعيدة عن تصورات وآفاق الإنسان الجاهلي المعاصر لنزول القرآن، إمّا لارتباطها بعالم الغيب أو لطرحها مفاهيم عقائديّة أو اجتماعية وإنسانية تمثِّل طفرةً في النظرة المحدودة لذلك الإنسان وللعلاقات الاجتماعية والإنسانية.
    ونحن نلاحظ أنّ القرآن الكريم يضطرّ ـ أحياناً ـ من أجل أن يشرح المفهوم أو يقرّبه لأذان أُولئك الجاهليين إلى أن يستخدم صوراً متعددة أو يكرّر صورةً واحدة بأساليب مختلفة.
    وحينئذٍ يصبح استخدام لُغة التخاطب نفسها ضرورةً من أجل خلق القاعدة المستوعبة ولو نسبيّاً للرسالة ومفاهيمها؛ لتكون منطلقاً لنشرها في الأُمم والأقوام الأُخرى.
    ولعلّ تأكيد القرآن وصفَه باللسان العربي إنّما هو باعتبار الإشارة إلى أهميّة لغة التخاطب في توضيح الحقائق والالتزام بالحجّة والتأثير النفسي:
    (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ* وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ)(26).
    ومن الظاهر، أنّ المراد من الذين ظلموا في هذه الآية هم المشركون من أهل الحجاز، لأنّ القرآن الكريم يعبّر عن الشرك بالظلم، كما ورد في قوله تعالى:
    (يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)(27).
    وكذلك ما يفهم من الإشارة إلى كتاب موسى والاتهام بالإفك.
    ويزداد ذلك وضوحاً إذا لاحظنا أنّ وصف القرآن بالعربي، جاء في القسم المكّي من السور فقط؛ الأمر الذي يؤكّد التفسير القائل بأنّ قضيّة التغيير كانت منظورةً في ذلك، لأنّ مرحلة المكّي هي مرحلة تأسيس القاعدة وانطلاق التغيير.
    وقد اقترن هذا الوصف بوصفٍ آخر وهو وصف (مُبين):
    (وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ* نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ*عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ)(28).
    كما أنّه جاء في آياتٍ كثيرة وصف القرآن بأنّه الكتاب المُبين، والقرآن المُبين(29).
    وهذا ما يؤكّد قضيّة الوضوح في القرآن، التي جاءت لتتناسب في كونها بلغة التخاطب نفسها مع القاعدة التي يريد أن يحدثها في التغيير فعلاً.
    ونجد النقاط الأربع السابقة كلها تصب في مهمّة الهدف التغييري للقرآن الكريم، الذي يهتم بخلق القاعدة للانطلاق كقضيّة مركزيّة وأساسيّة بالنسبة إلى المهمّات الأُخرى التي اهتمّ بها القرآن الكريم، وأشار إليها في مجمل الأهداف.
    أسباب النزول(30)
    ______________________________________
    1- كتب هذا البحث آية الله الشهيد الصدر (قُدِّس سرّه).
    2- النساء: 163.
    3- المقصود من وراء الشجرة، أنّ الكلام سُمع من الشجرة وما حولها.
    4- الشورى: 51.
    5- كتبه الشهيد الصدر (قُدّس سرّه).
    6- البقرة: 185.
    7- القدر: 1.
    8- الدخان: 3.
    9- هود: 1.
    10- كتبه الشهيد الصدر(قُدِّس سرّه).
    11- سوف نتعرّف على مزيد من التوضيح لهذا المعنى في بحث إعجاز القرآن.
    12- الفرقان: 32.
    13- المزّمّل: 10.
    14- يونس: 65.
    15- الأحقاف: 35.
    16- الأنعام: 33.
    17- الفرقان: 33.
    18- هذه القضيّة لا بُدّ أن نأخذها في هذا البحث كبديهيّة مسلّمة، وإثباتها يحتاج إلى بحثٍ آخر تناولناه في بض محاضراتنا عن البعثة النبويّة واختصاص الجزيرة العربية ومكّة والمدينة بالذات بها.
    19- الشعراء: 198 ـ 199.
    20- فصّلت: 44.
    21- إبراهيم: 4.
    22- الشورى: 7.
    23- البقرة: 23.
    24- يونس: 38.
    25- هود: 13.
    26- الأحقاف: 11 ـ 12.
    27- لقمان: 13.
    28- الشعراء: 192 ـ 195.
    29- تُراجع سورة المائدة: 15، والأنعام: 59، ويونس: 61، وهود: 6، ويوسف: 1، والشعراء: 2، والنمل: 1، والقصص: 2، وسبأ: 3، ويس: 69، والزخرف: 2.
    30- كتبه الشهيد الصدر (قُدِّس سرّه).
    منقول من موقع


    لا تتألّمْ كثيراً عندما تراهُم يحجبون الحقَّ..فالشّمسُ تحتاجُ ـ أحياناً ـ إلى الإختناق وراء الغيوم لتبدو أكثر جمالاً..!!

  3. #3
    مشرفة المنتدى الإسلامي الصورة الرمزية ام الحلوين
    تاريخ التسجيل
    May 2007
    الدولة
    { في عالم الاحلام }
    المشاركات
    5,468
    شكراً
    50
    تم شكره 39 مرة في 23 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    508

    رد: نزول القران (الوحي)

    اللهم صلي على محمد وال محمد وعجل فرجهم ياكريم


    سلمت يمناك خيي ابو الحسن

    والله يعطيك الف عافيه

    ورحم الله والديك بجاه محمد وال محمد





  4. #4
    عضو فضي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    الدولة
    النجف الصفرى
    المشاركات
    942
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    270

    رد: نزول القران (الوحي)

    خيي ابو حسن التونسي رحمة ونور عليك على هذا الموضوع الرائع جدا والمفيد اتمنا الكل يقراءه ليستفيد موضوع جدا جميل

    في ميزان حسناتك يارب تحياتي
    التعديل الأخير تم بواسطة دمعة قلم ; 02-13-2009 الساعة 04:20 PM

  5. #5
    عضو فيروزي الصورة الرمزية نور الهدى
    تاريخ التسجيل
    Apr 2006
    الدولة
    البحرين
    المشاركات
    11,187
    شكراً
    103
    تم شكره 88 مرة في 63 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    1418

    رد: نزول القران (الوحي)

    اللهم صلي وسلم وزد وبارك على محمد وال محمد


    الله يعطيك العافية


    وعساك على القوة

  6. #6
    عضو ذهبي الصورة الرمزية غريبة الطابيع
    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    الدولة
    القطيف
    المشاركات
    1,275
    شكراً
    0
    تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
    معدل تقييم المستوى
    1600

    رد: نزول القران (الوحي)

    اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم ياكريم يسلموا على الطرح النوراني والقيم في ميزان الاعمال يارب يعطيك الف عافية دوم تحياتي عذوووووووووبة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. قطرات الندى
    بواسطة مجد0 في المنتدى فيض القلم
    مشاركات: 17
    آخر مشاركة: 10-07-2010, 07:03 AM
  2. الوحي وسيلة لظهور؟؟
    بواسطة ابوحسن التونسي في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 10-02-2008, 07:51 PM
  3. فراشة الندى تريد توقيع
    بواسطة فراشة الندى في المنتدى منتدى تواقيع الأعضاء
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 11-14-2007, 11:05 AM
  4. رسالة الى أبنتي (قطر الندى) في العيد السعيد
    بواسطة lutfiyassini في المنتدى منتدى الشعر والنثر
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 10-23-2006, 12:54 PM
  5. سادات الوحي
    بواسطة .:روح وريحان:. في المنتدى المكتبة الصوتية الإسلامية
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 08-16-2006, 05:25 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •