<<<<<
تسمر يوسف في مكانه ،،
أكاد أجزم بأنها الضربة القاضية ،، التي ستقضي عليه ،،
ندمت كثيراً لأخباره بالموضوع بهذه الطريقة الرعناء .
قلت له مواسية : أعلم بأن الأمر يصدمك كما صدمني ،،
ولكنها الحقيقة المرة ،،
صمت ،، وطال صمته ،، ثم نظر لي بعين جامدة ،،
ووجه خالي من الملامح ،، وقال : هل استعدت ذاكرتك ،،
أم أنك لم تفقديها في الأصل ،، وكل ذلك محض كذبة ؟
قلت له بحزن : لم تكن كذبة ،، وكنت فاقدة للذاكرة ،،
والآن استعدتها ،، وليتها لم تعد .
قال : هذا يفسر خروجك من القبر في منتصف الليل ،،
ويفسر الأمور الغريبة التي كانت تصدر منك ،،
ولكن لماذا اخترتني أنا بالذات ،،
لماذا تزوجت بك ،، لماذا أحببتك دوناً عن كل النساء ،،
لماذا كنت مثل النساء الإنسيات .
قلت : هذا قدري وقدرك .
قال غاضباً : هيا أخبريني من تكونين ،،
وكيف كانت حياتك قبل أن تظهري لي ،،
ولماذا وجدتك مثل النساء الإنسيات ؟
قلت : لقد كنت أحب التعرف على عالمكم المختلف عن عالمنا ،، كنت أجده مثيراً ،،
به الكثير من الأشياء الجميلة ،،
الشمس الساطعة ،، الهواء العليل ،، السماء ،، النجوم،، القمر ،، الأشجار ،، الطيور ،،
حتى أحببت أن أكون من هذا العالم ،،
كنت دائماً أسأل والدايَّ _ والذين هم من الجن المؤمنين _ عن عالمكم ،،
فيقال لي القليل الذي لا يروي فضولي ،،
حاولت الاقتراب عن كثب ،، ومراقبتكم ومراقبة عالمكم ،،
فمنعني أهلي من الاقتراب منكم ،، لما فيه من الأذى لي ولكم ،،
تمنيت كثيراً أن أكون إنسية ،،
أحيا حياة الإنسيات ،، أرتدي ملابسهن ،، وأتزين بزينتهن وأتصرف مثلهن .
وقع علي َّ أبي في أحد المرات ،،
وأنا أتجسس على عالمكم ،، فغضب مني أشد الغضب ،،
ونهرني بشدة ،، ومنعني من فعل ذلك مرة أخرى ،،
ابتعدت عنه ،، وأخذت أبكي بشدة ،،
متمنية أن أكون إنسية ،، أعيش في عالم البشر ،،
خرج لي أحد الجن ،، وأدعى بأنه صالح ،،
وأنه يريد لي الخير ،، وأنه سيحقق لي كل أمنياتي ،، وكان من بينها:
أن يعلمني كيف أتصور بصورة البشر،،
ولكنه أشترط شرط واحد وهو:
أن أبيعه روحي ،، وهذا يتطلب مني السجود له ،،
وطلب مني أيضاً ،،
أن أجعل بني البشر يسجدون له .
رفضت بشدة ،، وقلت له بأن السجود لغير الله لا يصح ،،
فقال لي ،،
وماذا عن سجود الملائكة لأبي البشر أدم ،،
وأنهم فعلوا ذلك ،، في محضر ربهم ،، وبعلمه فلم يمانع ،،
إذن ،،
لا بأس بالسجود لغير الله ،،
ثم أخذ يزيّن لي الفكرة ،،
ولحمقي الشديد ،، وولعي بعالم البشر ،،
صدقت ما قال ،،
وبعته روحي و............ سجدت له ،،
وبذلك صرت إنسية ،،
ولكن الانتقال من عالم لآخر ،، عن طريق القبر ،،
أثر على عقلي ،، وجعلني أفقد ذاكرتي ،،
والباقي أنت تعرفه .
قال بحزن شديد : رحماك ربي ،،
أكاد أفقد عقلي ،، أن لم أفقده بالفعل ،،
تلك قصة خرافية ،، ويستحيل لأي عقل أن يصدقها ،،
زوجتي راحيل الغالية ،، من الجان ،،
وباعت الشيطان روحها ،، وسجدت له أيضاً .
قلت باكية : يوسف لا تعيرني بذنبي ،،
لقد أدركت أي معصية عظمى فعلت ،، وأي جرم في حق نفسي ارتكبت .
أنا عائدة لربي ،، ليغفر لي ،، وهو الغفور الرحيم .
قال : أن كنت سجدت له ،، فلماذا يأسرك الآن ،، ويعذبك ؟
قلت : لأني رفضت السجود له مجدداً ،،
ورفضت أن أدعو البشر لعبادته .
قال : وماذا عن القطط التي هاجمتني ؟
قلت : هؤلاء الجن الكفرة ،،
وهم أعوان الشيطان ،، ولقد أمرهم بإلحاق الضرر بك ،، لأن في ذلك جرح لي .
ثم سمعنا أصوات أقدام تقترب ،،
خفت كثيراً ،،
وقلت ليوسف : أنه قادم ،، لابد أن أعوانه أخبروه بأنك هنا ،،
أذهب ناحية الشرق ،، ستجد تله هناك ،،
أصعدها ،، ونادي الجن الصالحين ،،
وقل بأنك وحيد ،، وغريب ،، وتحتاج المساعدة ،،
سيخرجون لك ،، ويدلوك على طريق الخروج من هنا .
أن كنت تحبيني يا يوسف ،،
غادر هذا المكان ،، وعد للمنزل ،، ومارس حياتك اليومية ،،
كما لو أنك لم تقابلني قط .
خاف يوسف ،، وتخبط في مشيته ،،
يسير بسرعة ،، فيتعثر ويسقط ،، ثم يقف ويهرول ،، ثم يسقط مرة أخرى ،،
تألمت لحاله ،، وكرهت نفسي ،،
لما جلبت لأعز مخلوق على قلبي ،، الخوف ،، والحزن ،، والألم .
تمنيت أن تنشق الأرض لتبتلعني ،،
على أن أراه بهذه الصورة ،،
لقد كان لي مصدر الأمان ،، والحنان ،،
وأنا الآن أكافئه بالخوف ،، والألم ،، والحزن .
>>>>>






رد مع اقتباس

المفضلات