(2)



و يسترسل المؤلف رحمة الله عليه قائلا:


كانت إمامة الحسين بعد أخيه الحسن عليهما السلام ثابتة، و طاعته على جميع الخلق فريضة، بنص أبيه و جده عليهما السلام، عليه، و عهد أخيه الحسن و وصيته اليه، و كانا سيدي شباب أهل الجنة، بشهادة جدهما رسول الله صلى الله عليه و آله و هما سبطاه بالإتفاق الذي لا مرية فيه، و ريحانته في الدنيا و حبيباه من جميع أهله، و هما حجتا الله لنبيه صلى الله عليه و آله في المباهلة، و حجتا الله بعده على الأمة في الدين و الملة.

و إن من برهان كمالهما، و حجة اختصاص الله لهما بفضله، بيعة رسول الله صلى الله عليه و آله لهما، و لم يبايع صبيا غيرهما، و كان من عناية الله الخاصة بهما الدالة على تفضيلهما نزول القرآن بإيجاب الجنة ثوابا على عملهما أيام طفولتيهما حيث كانوا "يوفون بالنذر و يخافون يوما كان شره مستطيرا و يطعمون الطعام على حبه مسكينا و يتيما و أسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً و لا شكورا إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا فوقاهم الله شر ذلك اليوم و لقاهم نظرة و سرورا و جزاهم بما صبروا جنة و حريرا، و لم ينزل قرآن في طفلين سواهما.

و قد نص رسول الله صلى الله عليه و آله على إمامتهما بقوله: إبناي هذين إمامان قاما أو قعدا.

و دلت وصية الحسن عليه السلام إلى الحسين على إمامته، كما ذلت وصية أمير المؤمنين إلى الحسن على إمامته، و وصية رسول الله صلى الله عليه و آله إلى أمير المؤمنين عليه السلام على إمامته من بعده. و تفصيل هذا في مظانه من كتب الأعلام من علمائنا رضي الله عنهم و رضوا عنه.

فالحسين إمام بعد صنوه المجتبى، و إن لم يدع إلى نفسه أيام معاوية للتقية التي كانوا عليها، و الحال التي آل أمرهم بعد النبي صلى الله عليه، و آله إليها، فهو في ذلك كأبيه أمير المؤمنين عليه السلام حيث يقول: و طفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء، أو أصبر على طخية عمياء إلى أن قال: فصبرت و في العين قذى، و في الحلق شجى، أرى تراثي نهبا.

و على هذا المنوال نسج الحسن – بأبي و أمي – أيام الهدنة إذ تغلب عليه ابن آكلة الأكباد، و هم جميعا على سنن النبي في أول أمره حيث لم يتمكن صلى الله عليه و آله من دعوة أحد إلى الله حينئذٍ أصلا، و حال أوصيائه من بعده كحاله حين كان في الشعب محصورا، و في الغار مستورا، و لئن كانت هذه الحال غير منافية للنبوة فهي غير منافية للإمامة بطريق أولى كما يعلمه أولو الألباب.

و لما هلك معاوية و انقضت الهدنة التي كانت تمنع الحسين عليه السلام من الدعوة إلى نفسه و وجد في ظاهر الحال من الأنصار ما يتسنى له القيام بالدعوة إلى الله تعالى، نهض بأعبائها، و توجه بولده و أهل بيته من حرم الله تعالى و حرم رسوله إلى العراق للإنتصار على الظالمين، بمن دعاه إلى ذلك من أهل الكوفة، و قدم أمامه ابن عمه مسلما للدعوة إلى الله عز و جل، و البيعة له على الجهاد في إعلاء كلمته تعالى، و إنقاد الدين و المسلمين من أولئك المنافقين فبايعه أهل الكوفة على ذلك و عاهدوه و ضمنوا له النصرة و النصيحة و واثقوه. ثم لم تطل المدة حتى نكثوا البيعة و أسلموا مسلما فقتل بينهم غريبا مظلوما و حيدا شهيد، و خرجوا إلى حرب الحسين عليه السلام ففعلوا به ما لم يفعلوه بالخوارج، و قابلوه بما لم يقابلوا به أهل الخنا و الريب، جعجعوا به و منعوه المسير إلى بلاد الله، و حالوا بينه و بين ماء الفرات، حتى قضى شهيدا ضمآن مظلوما مهموما مجاهدا مكابدا صابرا محتسبا. قد نكثت بيعته، و استحلت حرمته، و لا روعيت فيه ذمة و عقد، و انتهبوا أمواله، و سبوا عياله، فلهفي لآل الرسول، و للخفرات من عقائل البتول، و قد ضاقت بهم المذاهب، و ارتجت عليهم المسالك، مولهين مدلهين، خائفين مترقبين.


كانت بحيث عليها قومها ضــــربت *** سرادقا أرضه من عــــزهم حـــرم


يكــــاد من هيبة أن لا يطــــوف به *** حتى الملائك لو لا أنـــــــــهم خـــدم


فغودرت بين أيدي القــــوم خاسرة *** تسبى و ليس لها من فيـــه تعتصم


نعم لــــوت جيــــــدها للعتب هاتفة *** بفومها و حشــــــاها ملؤه ضـــرم


عجت بهم مذ على أبرادها اختلفت *** أيدي العدو و لكن مـــــــن لها بهم


قومي الأولى عقـــدوا قِدمامآزرهم *** على الحمية ما ضيموا و لا اهتضم


ما بالهم لا عفت منـــهم رسومهم *** قروا وقد حملــــتنا الأنيق الرســـــــم