(9)
عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال: سمعت أبي يقول: لما التقى الحسين عليه السلام و عمر ابن سعد و قامت الحرب أنزل الله النصر حتى رفرف على رأس الحسين عليه السلام ثم خير بين النصر على أعداءه و بين لقاء الله فاختار لقاء الله.
ثم صاح الحسين عليه السلام:
أما من مغيث يغيثنا لوجه الله؟ أما من ذاب يذب عن حرم رسول الله صلى الله عليه و آله ؟
[قال]: فإذا الحر ابن يزيد الرياحي قد أقبل إلى ابن سعد فقال:
أمقاتل أنت هذا الرجل؟
فقال: إي و الله قتال أيسره أن تطير الرؤوس و تطيح الأيدي.
[قال]: فمضى الحر و وقف موقفا من أصحابه و أخذه مثل الأفكل.
فقال له المهاجر ابن أوس: و الله إن أمرك لمريب، و لو قيل لي مَن أشجع أهل الكوفة لما عدوتك فما هذا الذي أرى منك؟
فقال: و الله إني أخير نفسي بين الجنة و النار فو الله لا أختار على الجنة شيء و لو قطعت و حرقت.
ثم ضري فرسه قاصدا إلى الحسين عليه السلام و يده على رأسه و هو يقول:
اللهم إليك أنبت فتب علي فقد أرعبت قلوب أولئك أولاد بنت نبيك.
و قال للحسين عليه السلام: جعلت فداك أنا صاحبك الذي حبسك عن الرجوع و جعجع بك، و ما ظننت أن القوم يبلغون بك ما أرى و أنا تائب إلى الله تعالى فهل ترى لي توبة.
فقال له الحسين نعم يتوب الله عليك فانزل.
فقال: أنا لك فارسا خير مني لك راجلا و إلى النزول يصير آخر أمري.
ثم قال: كنت أول من خرج عليك فأذن لي أن أكون أول قتيل بين يديك لعلي أكون ممن يصافح جدك محمد صلى الله عليه و آله غدا في القيامة.
فأذن له فجعل يقاتل أحسن قتال حتى قتل جماعة من الشجعان و الأبطال ثم استشهد رحمه الله تعالى فحمل إلى الحسين عليه السلام فجعل يمسح التراب عن وجهه و يقول:
أنت الحر كما سمتك أمك حرا في الدنيا و الآخرة.
[قال]: و خرج برير بن خضير و كان زاهدا عابدا فخرج إليه يزيد بن المنفل فاتفقا على المباهلة إلى الله تعالى في أن يقتل المحق منهما المبطل، و تلاقيا فقتله برير و لم يزل يقاتل حتى قتل رحمه الله تعالى.
[قال]: و خرج وهب بن حباب الكلبي فأحسن في الجلاد و بالغ في الجهاد، و كانت معه امرأته و والدته فرجع إليهما و قال:
يا أماه أرضيتِ أم لا؟
فقالت الأم: ما رضيت حتى تقتل بين يدي الحسين عليه السلام.
و قالت امرأته: بالله عليك لا تفجعني بنفسك.
فقالت له أمه: يا بني أعزب عن قول زوجتك و ارجع فقاتل بين يدي ابن بنت نبيك تنل شفاعة جده يوم القيامة.
فرجع و لم يزل يقاتل حتى قطعت يداه.
و أخذت امرأته عمودا و أقبلت نحوه و هي تقول: فداك أبي و أمي قاتل دون الطيبين حرم رسول الله.
فأقبل كي يردها إلى النساء فأخذت بجانب ثويه و قالت: لن أعود دون أن أموت معك.
فقال الحسين عليه السلام: جزيتم من أهل بيت خيرا أرجعي إلى النساء رحمك الله فانصرفت إليهن، و لم يزل الكلبي يقاتل حتى قتل رضوان الله عليه.
[قال]: ثم خرج مسلم ابن عوسجة رحمه الله فبالغ في قتال الأعداء و صبر على أهوال البلاء حتى سقط إلى الأرض و به رمق فمشى إليه الحسين عليه السلام و معه حبيب ابن مظاهر.
فقال له الحسين عليه السلام: رحمك الله يا مسلم فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا.
و دنا منه حبيب رضي الله عنه و قال: عز علي مصرعك يا اخي يا مسلم أبشر بالجنة.
فقال له مسلم: قولا ضعيفا: بشرك الله بخير.
ثم قال له حبيب: لو لا أعلم أنني في الأثر لأحببت أن توصي إلي بكل ما أهمك.
فقال له مسلم: فإني أوصيك بهذا – و أشار بيده إلى الحسين عليه السلام – قاتل دونه حتى تموت.
فقال له حبيب: لأنعمنك عينا، ثم مات رضوان الله عليه.
إلى أن [قال]: و حضرت صلاة الظهر فأمر الحسين عليه السلام زهير ابن القين و سعيد ابن عبد الله الحنفي أن يتقدما أمامه بنصف من تخلف معه ثم صلى بهم صلاة الخوف فوصل إلى الحسين سهم فتقدم سعيد ابن عبد الله الحنفي يقيه بنفسه ما زال و لا تخطى حتى سقط إلى الأرض و هو يقول:
اللهم العنهم لعن عاد و ثمود.
اللهم أبلغ نبيك عني السلام و أبلغه ما لقيت من ألم الجراح فإني أردت ثوابك في نصر ذّرية نبيك.
ثم قضى نحبه فوجد به ثلاثة عشرة سهما سوى ما به من ضرب السيوف و طعن الرماح.
[قال]: و تقدم سويد ابن عمرو ابن أبي المطاع و كان شريفا كثير الصلاة فقاتل قتال الأسد الباسل، و بالغ في الصبر على الخطب النازل حتى سقط بين القتلى و قد أثخن بالجراح فلم يزل كذلك و ليس به حراك حتى سمعهم يقولون:
قتل الحسين عليه السلام فتحامل و أخرج سكينا و جعل يقاتل بها حتى قتل ...
و جعل أصحاب الحسين عليه السلام يسارعون إلى القتال بين يديه فكانوا كما قيل:
قـــــــــــوم إذا نودوا لدفع ملــمة و الخيل بين مدعس و مكردس
لبسوا القلوب على الدروع كانهم يتـــهافتون على ذهاب الأنفس
المفضلات