(3)


لما اختار الله تعالى للإمام أبي محمد الحسن السبط عليه السلام دار كرامته و مأوى أصغيائه، كتب الشيعة في العراق إلى الحسين عليه السلام يعرضون عليه البيعة و يبذلون له النصرة فأبى عليهم، و ذكر أن بينهم صلوات الله عليهم و بين معاوية هدنة لا يجوز لهم ثقضها، فلما مات معاوية و ذلك للنصف من رجب سنة ستين للهجرة قام من بعده ولي عهده يزيده المتهتك، و سكيره المفضوح، و هو صبي يشرب الشراب، و يلعب بالكلاب، و لا يعرف من الدين موطيء قدمه، و لا يرقب إلاً و لا ذمة.

فكتب إلى ابن عمه الوليد ابن عتبة – و كان واليا على المدينة – يأمره بأخد البيعة له من الناس عامة، و من الحسين خاصة، و يقول له: إن أبى عليك الحسين فاضرب عنقه، و ابعث إلي برأسه.

فاستشار الوليد مروان في ذلك، فقال له: إنه لا يبايع، و لو كنت مكانك لضربت عنقه.

ثم بعث إلى الحسين عليه السلام فجاءه – بأبي و أمي – في ثلاثين رجلا من أهل بيته و مواليه، فنعى إليه معاوية و كلفه بالبيعة.

فقال له عليه السلام: إن البيعة لا تكون سرا فإذا دعوت الناس غدا فادعنا معهم.

فقال مروان: لا تقبل يا أمير عذره، فإن بايع الآن و إلا فاضرب عنقه.

فغضب الحسين عليه السلام ثم قال: ويل لك يابن الزرقاء أنت تقتلني أم هو؟ كذبت و الله و أثمت، ثم أقبل عى الوليد فقال: إنا أهل بيت النبوة، و معدن الرسالة، و مختلف الملائكة، و بنا فتح الله، و بنا ختم، و يزيد رجل شارب الخمور، قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق، و مثلي لا يبايع مثله.

ثم خرج عليه السلام.

فقال مروان للوليد عصيتني.

فقال: ويحك إنك أشرت علي بذهاب ديني و دنياي، و الله ما أحب أن الدنيا بأسرها تكون لي و إني قتلت حسينا أن قال: لا أبايع، و الله ما أظن أن أحدا يلقى الله بدم الحسين عليه السلام إلا و هو خفيف الميزان يوم القيامة، لا ينظر الله إليه و لا يزكيه و له عذاب أليم.

فأقام الحسين عليه السلام في منزله تلك الليلة، و هي ليلة السبت لثلاث بقين من رجب سنة ستين.

فلما أصبح – بأبي و أمي – خرج يستمع الأخبار فلقيه مروان فقال: يا أبا عبد الله إني لك ناصح، فأطعني ترشد.

فقال الحسين عليه السلام: و ما ذاك؟ قل حتى أسمع.

فقال إني آمرك ببيعة يزيد فإنه خير لك في دينك و دنياك.

فقال عليه السلام: إنا لله و إنا إليه راجعون على الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد. و طال الحديث بينهما حتى و لى مروان غضبان.

فلما كان آخر يوم السبت بعث الوليد برجاله إلى الحسين ليحضر فيبايع، فقال له الحسين عليه السلام: أصبحوا ثم ترون و نرى.

فكفوا عنه و لم يلحوا عليه.

فخرج – بأبي و أمي – من تحت ليلته و هي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب متوجها نحو مكة و معه بنوه و بنوا أخيه و إخوته و جل أهل بيته، سار من المدينة و هو يقرأ: فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين.

و لزم الطريق الأعظم، فسئل أن يتنكب الطريق كما فعل ابن الزبير كيلا يلحقه الطلب، فابى و قال: لا أفارقه حتى يقضي الله ما هو قاض، و كان دخوله مكة ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان دخلها و هو يقرأ: و لما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل.

فأقام فيها باقي شعبان و شهر رمضان و شوال و ذي القعدة و ثمان ليال من ذي الحجة، ثم لم يأمن على نفسه، و لم يتمكن من تمام حجه مخافة أن يقبض عليه بمكة فينفد به إلى يزيد بن معاوية فأحل من إحرامه و جعلها عمرة مفردة، و خرج من مكة و هي حرم الله الذي يؤمن فيه الوحش و الطير، كما خرج من المدينة و هي حرم جده رسول الله خائفا يترقب.

فوا لهفتاه و وا جزعاه عليك يا وديعة المصطفى، و ريحانته من الدنيا، و وا حر قلباه لك يا خامس أصحاب الكساء، و قرة عين سيدة النساء، يابن مكة و منى و ابن زمزم و الصفا، خفت على نفسك في الحرم، و أنت آمن الخائفين، فيا لله من هذه الفادحة و التي أثكلت جبرائيل، و وا مصيبتاه من هذه النازلة إذ عظمت على الرب الجليل,


مثـــل ابن فاطمة يبيت مشـــــردا و يزيد في لذاتـــــــــه متنعم


و يضيـــق الدنيا على ابن محمد حتى تقاذفه الفـضاء الأعـظم


خرج الحسين من المدينة خـائفا كخروج موسى خائـــفا يتكتم


و قد انجلى عن مكة و هو ابنها و به تشرفت الحطيم و زمزم


لم يدر أين يريـــــــح بدن ركابه فكأنما المــــأوى عليه محرم


فمشت تؤم به العــــراق نجائب مثل النعام به تخـــب و ترسم




رجاء:

أن تسمحوا لي على الأغلاط الإملائية إن وجدت

أبو سلطان